«حماس» مشغولة

بقلم: 

 

تقدم المجموعات الفلسطينية الأصولية و «الجهادية» التي تفرخ كالفطر في غزة نتيجة سياسة حركة «حماس» الرشيدة في إدارة القطاع، خدمات جلّى لإسرائيل التي تدعي مقاومتها. فبعد أن نجح الفلسطينيون في كسب تعاطف الرأي العام العالمي لقضية أسراهم واضطروا إسرائيل إلى التراجع أكثر من مرة في هذا الملف، شقّ على تنظيم «القاعدة - الفرع الفلسطيني» أن تخاض هذه المعركة بالديبلوماسية وحدها وأن يبقى هو خارج الصورة، فتبرع بإطلاق الصواريخ من غزة، وقدم لإسرائيل فرصة كانت تنتظرها لاستئناف غاراتها بعد هدنة استمرت بضعة أشهر، ومنحها الذريعة للتلويح بردود أقوى قد لا تتأخر كثيراً لتطغى على إضراب الأسرى وتقصيه عن صدارة الاهتمامات.

 

ومع أن الصواريخ التي أطلقها «مجلس شورى المجاهدين» المرتبط بـ «القاعدة» تنظيمياً وفكرياً، لم تصب أهدافها ولم توقع إصابات توخاها مطلقوها، فقد شكلت مناسبة ليعرض وزير الدفاع الجديد موشيه يعالون عضلاته ويحمل «حماس» المسؤولية عن التصعيد ويهدد غزة بحرب جديدة، فيما دماء الفلسطينيين لم تجف بعد من العدوان الأخير وبيوتهم المهدمة لم تبن.

 

لكن «حماس» مشغولة عن ضبط «الجهاديين» وعن إسرائيل وحتى عن الأسرى بأمور أكثر أهمية بما لا يقاس. فقد اكتشف منظرو الحركة الخلل الفادح الذي يعوق على ما يبدو معركة تحرير فلسطين من النهر إلى البحر: الاختلاط في المدارس. وقرروا درءاً لتأثيره السلبي على مستقبل الأجيال الفلسطينية التي يعدونها لخوض معركة التحرير النهائية، أن يفصلوا بين الجنسين ابتداء من سن التاسعة وأن يمنعوا المدرسين الذكور من التدريس في مدارس البنات حتى لو كان هناك نقص في عدد المدرّسات. ولم يستثن القرار المدارس الخاصة وتلك التي يديرها مسيحيون أو مدارس الأمم المتحدة (أونروا).

 

وكانت منظمة غوث اللاجئين اضطرت إلى إلغاء الماراتون الدولي الذي تنظمه في نيسان (أبريل) سنويا في غزة لجمع التبرعات، بعدما أصرت «حماس» على منع النساء من المشاركة فيه بسبب «الاختلاط» نفسه، لما فيه من «خدش للحياء العام وقلة احتشام».

 

وسبق للحركة المنبثقة من جماعة «الإخوان المسلمين» أن فرضت الزي الإسلامي على المحاميات والطالبات ومنعت الرجال من العمل كمصففي شعر للنساء، وشرّعت مساءلة «شرطة الأخلاق» التابعة لها أي رجل وامرأة يسيران معاً في شوارع غزة، ومنعت النساء من تدخين النارجيلة، ليس لأنها مضرة بل لأنها من مزايا الرجال وحدهم. وهي في كل ذلك تأخذ في اعتبارها أن تنشئة الأجيال عملية صعبة للغاية، فكيف إذا كانت ستوكل إلى هذه الأجيال الغزية يوماً مهمة إزالة إسرائيل وبناء الدولة الفلسطينية «الحديثة»؟

 

وإذا كان البعض اعتبر هطول «الفتاوى» الصادمة على مواطني دول عربية اجتاحها «الربيع» مجرد فقاعات ستزول بسرعة بعد أن تتمالك أنظمة الحكم «الإخوانية» الجديدة أنفاسها وتبدأ في الاهتمام بمشكلاتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وبعلاقتها بالعالم من حولها، فإن ما يحصل في قطاع غزة يشير إلى عكس ذلك تماماً.

 

ومن يدري فقد تصدر في القطاع قريباً «فتوى» تحرم على المسيحيين الفلسطينيين قتال إسرائيل لأنهم من «الكفار» المؤمنين بالاختلاط، وسيبتسم جورج حبش في سمائه ألماً.

 

 

المصدر: 
الحياة