المصالحة: الوهم المتجدد

بقلم: 

لو أن مؤتمر القمة العربية تأخر أربعة أيام فقط، لقلنا إن ما أعلن عنه من قرارات، إنما كان مجرد "كذبة نيسان"، ليس إلا، خاصة ذلك القرار المتعلق بإنفاذ المصالحة الفلسطينية الداخلية، ولو أن الأمر كان جدياً، لما احتاجت قطر، التي _ حتى قبل أن تتعزز قدرتها بنجاحها في إسقاط أنظمة عربية، ضمن سياق الربيع العربي _ لها سطوة على "حماس" التي تعطل المصالحة منذ سنوات عديدة، إلى قمة عربية مصغرة، لتحقيق المصالحة، بل لضغطت بسهولة ويسر على "حماس" وحققت المصالحة.

لكن قطر التي أرادت من القمة العربية أن تدشن عبرها قيادتها للتحول الإقليمي في المنطقة، سعت إلى إنجاح تلك القمة، وتمرير القرارات الأهم، خاصة تلك المتعلقة بالشأن السوري، حيث إن مجرد منح المقعد السوري للمعارضة، وإخراج نظام البعث من الدائرة العربية، لأول مرة في تاريخه، يعتبر ليس قراراً وحسب، ولكنْ فعلاً سياسياً مهماً جداً في سياق الصراع داخل سورية.

صحيح أن قطر، وفي سياق طموحها الإقليمي، رعت انقلاب وانشقاق "حماس" منذ البداية، تحت غطاء الدعاية الانقسامية التي تسمى، رفع أو كسر الحصار عن غزة، من خلال فتح معبر رفح _ فقط _ وخارج نطاق المصالحة، وفي السياق إعمارها، خارج إطار خطة شرم الشيخ الدولية، لكن "الحق" لا يقع على طليان العرب، بل على "حماس" أولاً وأخيراً، في هذا الموضوع بالذات.

"حماس" التي بات كل طفل فلسطيني يكاد يكون متأكداً تماماً من أن "كذبة نيسان" بالنسبة لها، ليست مناسبة سنوية، بل هي فعل متواصل، أعلنت قبولها لقرار القمة العربية، بل وأوحت قبل يومين بأن تدفق قيادتها للعاصمة المصرية، جاء للبحث في أمر المصالحة، لكن ولأن حبل الكذب قصير، كان يوم واحد كافياً، لكشف الحقيقة.

أول أهداف زيارة القيادة الحمساوية في الخارج وغزة، هو الإعلان عن تجديد ولاية خالد مشعل لرئاسة مكتبها السياسي، والإعلان عن أن الأمر كان بالتزكية، أي بالتراضي بين القيادتين المتنافستين، أي قيادتي الخارج وغزة، وهنا تأكد أمران: هما "ديمقراطية" "حماسط الداخلية التي هي "سكر خفيف"، حيث كان وجود كل من إسماعيل هنية، محمود الزهار، وفتحي حماد، كافياً للمبايعة، والثاني هو هامشية "حماس" / الضفة الغربية، فيما يتعلق بالترتيبات القيادية للحركة، وبمجمل سياساتها العامة.

وثاني الأهداف كان هو سعي "حماس" الاستعانة بالقيادة المصرية، لتثبيت التهدئة مع الإسرائيليين، الذين ردوا على صواريخ غزة أبان زيارة أوباما، بتشديد الحصار البحري، كذلك محاولة درء ضغط الجيش المصري على حكمهم الانفصالي بغزة، بوقف عملية إغلاق الأنفاق، وطي ملف مقتل الجنود المصريين الستة عشر في رمضان الماضي، والتي يتهم فيها الجيش حكم "حماس" في غزة، بتورط بعض قيادييها العسكريين، والتخطيط للعملية من غزة.

ولو كان هناك أي اهتمام بالمصالحة، لتم ترتيب زيارة قيادة "حماس" للعاصمة المصرية مع السلطة الفلسطينية، وكان يمكن أن يتواجد وفد قيادي فتحاوي أو حتى كل قادة الفصائل، لإعلان حكومة التوافق، وتحديد موعد الانتخابات.

ولأن الحكم الإخواني في مصر يواجه تحديات داخلية جدية، وهو أضعف من أن يحمي "حماس"، أو أن يحل لها مشاكلها، خاصة تلك التي تواجهها على الحدود المائية والمصرية، والتي هي ضرورية للاستمرار بخيارها الانقسامي، فإن طي ملف مصرع الجنود المصريين، خارج مساءلة القضاء، وبعيداً عن الإعلام، يحتاج صفقة مصرية داخلية، تقدم من خلالها الرئاسة تنازلاً للجيش، فيما يتعلق بقضايا عديدة داخلية، منها الإعداد لانتخابات مجلس الشعب، والتراجع عن تعيين النائب العام.

فهل تنجح هذه المحاولة، ويفضل إخوان مصر "حماس" على ذاتهم، حتى يتراجعوا عن محاولة تثبيت حكمهم المنفرد في مصر، أم أن الجيش المصري سيواصل الضغط على الإخوان من خلال النافذة التي وجدها على حدوده الجنوبية؟

واضح أن المخابرات المصرية ردت على "حماس" بالقول إن ملف الأنفاق، خاص بالجيش وليس بالمخابرات، لذا احتاجت "حماس" للرئيس المصري، باعتباره القائد الأعلى للجيش المصري، فهل باستطاعة الرجل الآن أن يفرض قرار التوقف عن متابعة ملف الجنود المصريين وملف الأنفاق، دون أن يقدم مقابلاً، وهو ليس بالقوة المطلقة، التي تمكنه من أن يصدر قراره للجيش، في هذه المسألة المصرية السيادية، ويظهر كرجل إخواني أكثر منه وطنياً مصرياً؟ الجواب سيظهر خلال الأيام القليلة القادمة، لكن جواب المصالحة جاء مبكراً، وهو أن الإعلان لم يكن أكثر من محاولة لبث وهم متجدد، أين منه عملية الوهم المتبدد التي ذهبت أيضاً، دون إغلاق ملف الأسرى الفلسطينيين.

Rajab22@hotmail.com

 

 

المصدر: 
الأيام