اوباما يبتسم لاسرائيل

بقلم: 

 

تبحث عن معان فلسطينية لزيارة الرئيس باراك اوباما، فلا تجد سوى رذاذ كلام عن حقوق فلسطينية معلقة بين السماء والأرض، بل الأهم أنك ترى بوضوح فصاماً كاملاً بين الفلسطينيين وبين "قيادتهم". أما في المعاني الاسرائيلية، فلن تخذلك الزيارة: ذروتها في عقد المصالحة بين الدولة العبرية والجمهورية التركية انطلاقاً من اعتذار بنيامين نتنياهو لنظيره التركي رجب طيب اردوغان عن مجزرة سفينة "مرمرة"، والاتفاق بينهما على إعادة "تطبيع" العلاقات بين الدولتين.
 

الاعتذار الاسرائيلي يأتي موجهاً في الوقت نفسه إلى اوباما الذي تلقى خلال حملته الانتخابية الأخيرة إهانات كثيرة من نتنياهو الجمهوري الهوى أميركياً. هكذا، لم يكن اوباما مجبراً على إخفاء ابتساماته العريضة لحفظ ماء وجهه، وفي مقابل بشاشة الوجه التي كسرت تقليداً بالوجوم بين الرجلين منذ أعوام، أعلن المسؤولون الإسرائيليون أن مياه السطح عادت إلى مجاريها بين الحليفين، إلى ما يلائم مياه الجوف بينهما والتي لم تتعكر جدياً.
 

درجة "قلق" نتنياهو من ركاكة الموقف الأميركي ازاء ايران تضاءلت إلى درجة الاختفاء، خاصة بعدما انتهت الانتخابات الاسرائيلية، ليؤكد الرجل أنه على "ثقة كاملة" بالمقاربة الأميركية للملف النووي الايراني. هذه المقاربة التي أفصح عن كثير من مضامينها المرشد الأعلى للثورة الإسلامية علي خامنئي عندما أكد الخميس وصول رسائل من واشنطن تؤكد فيها أنها ليست "بصدد تغيير النظام الإسلامي" في طهران.
 

أما دعوة اوباما الاسرائيليين إلى "أن يضعوا أنفسهم في مكان الفلسطينيين"، مجدداً دعمه لوجود دولة فلسطينية، فتكريس لخطاب "السلام" بصيغته الجديدة دولياً وإقليمياً، والتي تقوم أساساً على قلب كامل للوقائع التاريخية وفعل الاحتلال. تتصوّر وأنت تسمع كلام اوباما عن حقوق الفلسطينيين، أنّهم جماعة مشرّدة ليست لهم أرض، وجدوا للصدفة هناك، فصار منحهم سقف الكيان المستقل من قبيل المكارم الاسرائيلية. 
 

حتى أنه لم يتطاول على مؤسسة الاستيطان الاسرائيلية، التي أصبحت فعلاً في قلب الدولة العبرية مع الحكومة الجديدة. بل استخدم أصعف عباراته إلى الآن لانتقاد الاستيطان الذي وصفه بأنه "لا يفيد السلام"، وهو تراجع في سقف النقد مقارنة مثلاً بخطابه في القاهرة حيث اعتبر أن واشنطن ترفض شرعية المستوطنات. قد مرة أخرى "الخطوات الاحادية" عن طريق الامم المتحدة في إشارة إلى منح فلسطين صفة "عضو مراقب". فما رؤية اوباما إذن لإقامة هذه الدولة الفلسطينية الممنوحة منةً من اسرائيل؟ 
 

لا رؤية غير أنه على الاسرائيليين أن "يثبتوا لقادتهم أنهم يريدون السلام". هؤلاء الاسرائيليون الذين غازل فيهم مطولاً عواطفهم التوراتية، ومظلومياتهم النازية، وفوقيتهم الإنسانية والتقنية والاقتصادية. هؤلاء الاسرائيليون الذين يثبتون انتخابات بعد انتخابات أنهم لا يصفقون لحديث عن "السلام" إلا إذا جاء في زاوية صغير على هامش مطولات عن أمجاد اسرائيل وبطولاتها. اوباما هنا، لينهي سحابة صيف عابرة.
 

إنها زيارة اسرائيلية، تركية، ايرانية، ولكنها ليست طبعاً لا فلسطينية ولا عربية. وهي بذلك تشبه سياسة إدارة اوباما الثانية، التي حسمت بوضوح موقع العرب في خريطتها للمرحلة المقبلة، والذي سيقتصر على مجموعات مسلحة بعضها في خانة "الإرهاب"، وبعضها الآخر ينتظر موعده، بعدما فقد النفط أهميته الاستراتيجية، وأصبح أدنى درجة من "الإرهاب" في لائحة أدوات منتجيه.

المصدر: 
موقع المدن