الفكر السياسي لحركة «حماس» في ظل التغيرات العربية (1)

بقلم: 

 

ننشر «القسم الأول من ورقة خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية التي قدمها في «مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات»، وهي تحوي رؤية «حماس» الفكرية للقضية الفلسطينية وتطبيقاتها العملية والتحديات التي تواجهها الحركة بعد اندلاع «الربيع العربي»، تناقش التغيرات التي طرأت على المشهد السياسي، وتحديداً ما له علاقة بالموقف من سوريا ومصر والمغرب وسواها...

 

رؤية حركة «حماس» للقضية الفلسطينية

 

ان التذكير بالمبادئ والأساسيات والثوابت، في هذا الزمن وفي كل زمن، مسألة غاية في الأهمية. ونحن عندما نتحدث في هذا الإطار، فإننا نتحدث ليس باعتبار «حماس» حركة إسلامية مجردة، بل هي حركة تحرر وطني، إضافة إلى كونها حركة إسلامية. وما سنطرحه يمكن أن يندرج تحت بند الثوابت والمبادئ، ويمكن أن يندرج بعضه الآخر تحت بند السياسات والمواقف . ونجمل النقاط في ما يلي:

1. فلسطين من نهرها إلى بحرها، ومن شمالها إلى جنوبها، هي أرض الشعب الفلسطيني ووطنُه وحقه المشروع، ولا تنازل عن أي شبر أو جزء منها، مهما كانت الأسباب والظروف والضغوط.

2. فلسطين - كل فلسطين - أرض عربية إسلامية، انتماؤها عربي إسلامي، وهي أرض مباركة مقدسة، لها مكانتها الكبرى في قلب كلّ عربي ومسلم، ولها مكانتها الكبرى كذلك لدى كل الأديان السماوية.

3. لا اعتراف بشرعية الاحتلال أيّاً كان، فهذا موقف مبدئي وسياسي وأخلاقي، ولذلك لا اعتراف بشرعية الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، ولا اعتراف بـ«إسرائيل» ولا بشرعية وجودها على أي جزء من فلسطين مهما طال الزمن؛ ولن يطول إن شاء الله. وكل ما طرأ على فلسطين من احتلال أو استيطان أو تهويد أو تغيير للمعالم أو تزوير للحقائق هو باطل.

4. تحرير فلسطين واجب وطني وقومي وشرعي، وهو مسؤولية الشعب الفلسطيني والأمة العربية والإسلامية، بل هي أيضاً مسؤولية إنسانية وفق مقتضيات الحق والعدل.

5. الجهاد والمقاومة المسلحة هي الطريق الصحيح والحقيقي لتحرير فلسطين، واستعادة كافة الحقوق، ومعه بالطبع كل أشكال النضال السياسي والدبلوماسي والإعلامي والجماهيري والقانوني؛ مع ضرورة حشد كلّ طاقات الأمة في المعركة، واستجماع عوامل القوة لديها.

6. المقاومة وسيلة وليست غاية، ولو توفر لنا طريق آخر ليس فيه دماء ولا تضحيات مؤلمة لتحرير الأرض وإنهاء الاحتلال واستعادة الحقوق لسلكناه، ولكن تجارب الأمم عبر التاريخ أثبتت أنه لا خيار لطرد المحتلين ورد العدوان واستعادة الأرض والحقوق إلا المقاومة بكل أشكالها وعلى رأسها المقاومة المسلحة.

7. نحن لا نقاتل اليهود لكونهم يهوداً، إنما نقاتل اليهود الصهاينة المحتلين المعتدين، وسنقاتل كل من يحاول أن يعتدي علينا أو يغتصب حقوقنا أو يحتل أرضنا، بصرف النظر عن دينه أو انتمائه أو عرقه أو قوميته.

8. المشروع الصهيوني هو مشروع عنصري عدواني إحلالي توسعي قائم على القتل والإرهاب، وهو بذلك عدو للشعب الفلسطيني وللأمة، ويشكل خطراً حقيقياً عليها، وتهديداً بالغاً لأمنها ومصالحها، بل لا نبالغ إن قلنا إنه يشكل خطراً على أمن المجتمع الإنساني ومصالحه واستقراره.

 

9. نتمسك بالقدس وبمقدساتها الإسلامية والمسيحية، ولا نتنازل عنها ولا نفرّط بأي جزء منها، فهي حقنا وروحنا وتاريخنا وحاضرنا ومستقبلنا، وهي عاصمة فلسطين، ومهوى أفئدة العرب والمسلمين، ومؤشر عزتهم ومكانتهم. ولا شرعية ولا حقّ لـ«إسرائيل» في القدس مطلقاً، كما لا شرعية ولا حقّ لها في كل فلسطين. وكل إجراءات «إسرائيل» في القدس وفي غير القدس، من تهويد واستيطان وتزوير الحقائق ومحاولة سرقة التاريخ باطلة.

10. التمسك بحق العودة للاجئين والنازحين الفلسطينيين إلى ديارهم التي أُخرجوا منها، أو منعوا من العودة إليها، سواء في المناطق المحتلة سنة 1948 أم سنة 1967، أي إلى كل فلسطين، ورفض التنازل مطلقاً عن هذا الحق. وفي الوقت ذاته نرفض كلّ مشاريع التوطين والوطن البديل.

وهذه فرصة إخواني وأخواتي للتوقف عند تلك «السيمفونية» التي تُعزف بين فترة وأخرى؛ فمرة في لبنان الخوف من التوطين، ومرة في الأردن الخوف من التوطين أو الوطن البديل، وهذه الأيام في سيناء. يا إخواننا إن الشعب الفلسطيني لا عوض له عن فلسطين إلا فلسطين. وإن سلوك شعبنا في حرب غزة الأخيرة وما قبلها، بل وفي الانتفاضات والثورات المتواصلة لشعبنا، دليل على تشبث وانغراس هذا الشعب العظيم في أرضه.

11. وحدة الأرض الفلسطينية: فالضفة الغربية (بما فيها القدس) وقطاع غزة والأرض المحتلة 1948، أرض واحدة بكل جغرافيتها، إنها وحدة واحدة، لا يُفصل جزء منها عن الآخر، وهي بمجموعها وطن الشعب الفلسطيني. أما وضع غزة الحالي، الذي يتخوّف منه البعض، فإنه حال استثنائي فُرض علينا، وليس وضعاً طبيعياً، ولا يمكن أن نقبل أن تكون غزة منفصلة عن الضفة، فغزة والضفة وحدة واحدة، وهما معاً جزء من الوطن الفلسطيني الكبير.

12. وحدة الشعب الفلسطيني بمسلميه ومسيحييه، وبكل مكوناته الفكرية والسياسية والأيديولوجية، وبكل قواه وفصائله المقاومة والمناضلة والسياسية.

13. وحدة النظام السياسي الفلسطيني ومؤسساته، ووحدة مرجعيته الوطنية من خلال منظمة التحرير الفلسطينية، التي يلزم إعادة بنائها على أسس صحيحة، لتضم جميع القوى والمكونات الفلسطينية. وإن الانقسام الحالي لا يعبّر عن الأصل ولا عن الواقع. لقد فُرض علينا هذا الانقسام بعد رفض قوى دولية وإقليمية للانتخابات الفلسطينية العام 2006 التي فازت فيها «حماس»، وإن وحدة الصف ووحدة النظام السياسي الفلسطيني هي الأساس، ونحن ماضون بكل قوتنا لتحقيق ذلك بإذن الله تعالى.

14. التحرير أولاً ثم الدولة: فالدولة الحقيقية ثمرة التحرير، أما الدولة التي هي ثمرة اتفاق فهي كيان أو سلطة حكم ذاتي، سمّوها ما شئتم، لكن الدولة الحقيقية هي ثمرة التحرير أولاً، ولا بديل عن إقامة الدولة الفلسطينية، ذات السيادة الحقيقية على كامل الأرض الفلسطينية.

أما السلطة: فهي واقع نريد إدارته بشراكة وطنية مع الآخرين بما يخدم شعبنا ويخدم حقوقه ومشروعه التحرري وينسجم مع ثوابته الوطنية.

15. القرار الوطني الفلسطيني المستقل: وهو مبدأ يقوم على عدم التبعية أو الارتهان لأي دولة أو طرف في العالم؛ صديقاً كان أو حليفاً أو عدواً أو مناوئاً. ولكن ذلك لا يعني ولا يمكن أن نقبله في إطار حصر القضية الفلسطينية في الشعب الفلسطيني، وشطب أو إضعاف الدور العربي والإسلامي، ففلسطين كانت وما زالت وستبقى قضية عربية إسلامية بل قضية إنسانية أيضاً.

16. بناء المؤسسات والمرجعيات الوطنية الفلسطينية ينبغي أن يكون دائماً على أسس ديموقراطية، وفي مقدمتها الانتخابات الحرة النزيهة، المتكافئة الفرص. يضاف إليها مبدأ الشراكة والعمل الوطني الائتلافي، فلا يصح أن نكتفي بالانتخابات ثم يقوم البعض بإدارة القرار، بينما الباقي يتفرج أو يعارض. إن الشراكة يجب أن تكون في كل المراحل بصرف النظر عن نسب النجاح هنا أو هناك، مع التأكيد أن المعارضة حقّ مشروع للجميع، ومن الضروري أن تكون معارضة بناءة، وأن يحتكم الجميع إلى صناديق الاقتراع، وأن يحترموا إرادة الشعب، وأن يقبلوا بالتداول السلمي للسلطة، مع التذكير دائماً بحالنا الاستثنائي غير الطبيعي حيث أننا ما زلنا نعيش تحت الاحتلال.

17. عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، وعدم الدخول في المحاور والنزاعات والاصطفافات بين الدول. وسياستنا أن ننفتح على مختلف دول العالم، وخاصة العربية والإسلامية. ونحن نسعى بالتأكيد إلى علاقات متوازنة، يكون ميزانها ومعيارها مصلحة فلسطين وخدمة الشعب الفلسطيني ودعم صموده. وقطعاً فإن معيارها أيضاً هو مصلحة الأمة وأمنها، ورفض التبعية لأي دولة أو طرف في العالم.

18. وحدة الأمة بكل مكوّناتها الدينية والعرقية والمذهبية، فهي أمة واحدة في تاريخها وحاضرها ومستقبلها ومصيرها ومصالحها، ونحن نتعامل معها على هذا الأساس. ومع الإقرار بواقع التعدّد والتنوّع في الأمة، فإننا نرى ضرورة أن ينأى الجميع في أمتنا بنفسه عن إثارة النعرات والخلافات وتجنب الاصطفاف على أساسها، بل نتعايش كما تعايشنا طوال القرون الماضية، وعلى الجميع في هذه الأمة أن يعرف حدوده، ويأخذ حقه دون أن يتعدى على حقوق الآخرين، وأن يغلّب الصالح العام للأمة على أية مصالح فئوية أو حزبية.

19. أي موقف أو مبادرة أو برنامج سياسي مرحلي تكتيكي أو تفصيلي يجب أن ينسجم مع الثوابت الوطنية الفلسطينية التي أشرنا إليها، ولا يجوز أن يعاكسها أو أن يتناقض معها. وكل اجتهاد تفصيلي أو كلي فإنه يخضع لهذا المبدأ، وعلى ذلك فنحن نرفض أي مشاريع أو اتفاقات أو تسويات تنتقص من تلك الثوابت والمبادئ وتمسّ بالحقوق الوطنية الفلسطينية (...)

 

التغيرات في العالم العربي وانعكاساتها على القضية الفلسطينية

 

دور حماس والتحديات المحتملة والفرص الناشئة بعد اندلاع الربيع العربي يمكن إيجازها بما يلي:

1. لا شكّ في أن «الربيع العربي»، فضلاً عن أهميته للأمة في سياق نهضتها التاريخية، فإنه كذلك تطور استراتيجي كبير ومهم على طريق تحرير فلسطين ومواجهة المشروع الصهيوني؛ لأن معركة فلسطين وتحريرها يحتاجان إلى أمة قوية متعافية في جبهتها الداخلية وفي سياستها الخارجية، ومستندة إلى إرادة شعبية وتملك قرارها المستقل.

2. لا شكّ في أنَّ الربيع العربي زاد من القلق الإسرائيلي وأربك حساباتها. لأن قواعد اللعبة التي اعتاد عليها العدو بدأت تتغير، ونحن هنا نكتفي بالعناوين ولا أريد التفصيل لضيق الوقت المتاح، فكلكم يدرك ذلك.

3. لا شكّ لدينا في أنّ الربيع العربي والتغيرات في العالم العربي تعطي حماس وحركات المقاومة الفلسطينية فرصة للعمل في بيئة عربية أفضل وأكثر انسجاماً مع خطّ المقاومة، وأكثر تمسكاً بالثوابت والحقوق الوطنية الفلسطينية.

4. من الواضح أنّ هذا الربيع وأحداثه المتلاحقة غيّرت خريطة علاقات «حماس» السياسية، وأضافت لها وأثّرت على بعضها. فلا شكّ في أن مصر وتونس والمغرب إضافة نوعية مهمة في علاقات«حماس»  السياسية، قياساً بأوضاع علاقاتنا السابقة. (...)

أما في تأثير الربيع العربي على علاقات الحركة، فلا شكّ في أن علاقتنا المعروفة والمتميزة بسوريا أصابها ما أصابها مما هو معلوم في ظل الأحداث الراهنة، وما كنا نتمنى أن يحدث ما حدث، بل كنا حريصين من اللحظة الأولى، والتاريخ سيشهد على ذلك، أن تسير الأمور مساراً آخر. كنا نريد أن تظل سوريا قوية بأمنها واستقرارها وبسياستها الخارجية التي كانت منحازة للمقاومة، وهذه حقيقة تاريخية، ومع بداية الربيع العربي وانتقاله الطبيعي إلى سوريا؛ فالشعب السوري لا يقل عن الشعوب العربية حرصاً على ديموقراطيته وحريته ومشاركته، كنا نتمنى أن يتم تبني سياسة داخلية تستجيب للإرادة الشعبية، وقدمنا نصائح عديدة بهذا الاتجاه، ليس تدخلاً منا في الشأن الداخلي، ولكنْ نصحاً صادقاً من موقع الحرص على المصلحة العربية بما فيها مصلحة سوريا؛ فتظل سوريا قلعة للمقاومة بسياستها الخارجية ومستندة إلى سياسة داخلية ترضي شعبها وتستجيب لمطالبه. ولكن للأسف مضت الأمور بالصورة المؤلمة التي نراها اليوم. ومع ذلك فنحن نؤمن أن سوريا التي ستكون مستندة ديموقراطياً إلى شعبها لن تكون بالضرورة إلا مع المقاومة، فالمقاومة لم تكن خياراً رسمياً فقط عند بعض الدول بل هي قبله وبعده خيار الشعوب أولاً، وكل قائد عندما يشعر أن شعبه يدعم المقاومة يكون أكثر قوة. الشعوب كانت دائماً مع المقاومة، أما الأنظمة فبعضها كان مع المقاومة وبعضها كان سلبياً وبعضها كان عدواً .

لا شكّ في أن هذا نموذج لعلاقاتنا التي تأثرت هنا وهناك، وأمثلة أخرى لا تخفى على أحد. لكنَّ «حماس» وهذه نقطة مهمة، لم تنتقل من محور إلى محور، ففلسطين والمقاومة الفلسطينية هي أصل محور المقاومة. (...)

للنص بقية