زيارة الرئيس اوباما والسياسات الامريكية

بقلم: 

 

ان الفهم الشعبي العربي عامة والفلسطيني خاصة يرى ان سياسة امريكا منحازة في دورها ودعمها للاحتلال الاسرائيلي على حساب حقوق الشعب الفلسطيني الطبيعية والتاريخية. لذلك يصنف المواطن العربي موقف الادارة الامريكية من الصراع العربي الاسرائيلي بأنه موقف معاد للمصالح العربية الشعبية كونه يدعم او يوفر غطاء للسياسات العنصرية وواقع الاحتلال من جهة ودعمه الدائم لمعظم الانظمة العربية المستبدة. لذلك لا يتأمل المواطن العربي من الدور الامريكي ان يؤدي الى تسوية القضية الفلسطينية على اساس عادل وشامل لحقوق الاطراف كافة وعلى رأسها الشعب الفلسطيني.

لا يعول المواطن العربي على شخص الرئيس الامريكي، اوباما، فموقفه هو تعبير عن استمرار لحالة التكلس والمراوحة في سياسات المؤسسة الأمريكية الرسمية تجاه قضايا شرق المتوسط. لم تأخذ ادارة الرئيس اوباما ولا الادارات السابقة المتغيرات الاقليمية لإنتهاء الحرب الباردة وبعض التبدلات في قيادات بعض النظم العربية، كما ان تفاعلاتها مع التغيرات الجارية تحت مسمى 'الربيع العربي' غير متبلورة وواضحة الملامح بعد. لذلك يبدو ان ادارة الرئيس اوباما تسير على خطى ادارة الرئيس كلنتون في ضرب الحصى الى الامام دون احداث تغيير نوعي في سياستها.

وفي سياق التحيز، قامت امريكا متمثلة برئيسها اوباما بترتيب لقاءات مع وفود إسرائيلية غير رسمية بما فيها طلاب من مختلف الجامعات الاسرائيلية، بينما رفض اللقاء مع المجموعات غير الرسمية الفلسطينية والتي تتضمن عناوين الحقوق الاساسية للشعب الفلسطيني: اللاجئون، أقارب وذوي الاسرى، وضحايا العدوان الاسرائيلي، مكتفيا بلقاءات بروتوكولية استعراضية تشمل ابناء المسؤولين الفلسطينيين واحفادهم. كما لم تغب عن اذهان منسقي الرحلة ان يتم استعراض المشاريع المنفذه بدعم امريكي من زي ومعدات شرطية واجتماع في ناد بني بدعم من الوكالة الامريكية للتنمية.

يتضح إن الطريقة التي خططت ونفذت بها ادارة الرئيس الامريكي أوباما زيارته تعبر عن مدى التجاهل وعدم الاعتراف بإنسانية الانسان الفلسطيني ولا بحقه في السيادة على أرضه. باعتبار ان الترتيبات لم تعترف بالسيادة الفلسطينيةـ فقد تمت الترتيبات اللوجستية والأمنية للأراضي الفلسطينية المحتلة بعد عام 1967 بالتنسيق مع مؤسسات الاحتلال الاسرائيلية كما اشارت الصحف العبرية.

بالرغم من ادعاء الولايات المتحدة الامريكية انها تلعب دورها كوسيط لعملية السلام، والتي برهنت التجربة التاريخية منذ عام 1993 حتى اللحظة فشلها، لأنها كانت تمثل وتراعي الرؤية والحل الأمني الاسرائيلي، كما تشير دراسة حديثة للكاتب الفلسطيني الامريكي رشيد الخالدي. لهذا تمثل زيارة اوباما مسلسلاً مستمراً في التورط الواعي في دعم الاحتلال وغير مراعي لحقوق السكان الاصليين، فما يهمه اوباما - وما عبر عنه هو السلام بمعنى الهدوء وامن اسرائيل وليس العدل بمعنى المصالح المتوازنة المشتركة.

لقد صممت زيارة الرئيس الامريكي أوباما بحيث تبقي مظاهر الاحتلال الدائمة تحت سجادة الاستقبال وبعيدة عن اعين وسائل الاعلام العالمية. حيث لن يظهر امام الرئيس اوباما جدار الفصل الذي يبتلع البقايا البائسة من الارض الفلسطينية. كما انه لن يمر على أي حاجز عسكري اسرائيلي يفصل التجمعات الفلسطينية عن بعضها البعض في معازل قطعت تواصل الفلسطينيين اجتماعياً وثقافياً ووجودياً. لم يطلب منه احد ان يزور مخيما فلسطينيا للاجئين، المكان الذي يتنظر فيه الناس عودتهم الى بيوتهم وارضهم منذ اكثر من ستين عاما.

كما عمل الاحتلال وبالتنسيق مع الجهات الأمريكية المرافقة لأوباما على ان تحط طائرته على ارض مدينة فلسطينية تسمى اللد ولكنهم اعادوا تسمية مطارها على اسم الغازي المؤسس بن غوريون. لقد سار موكب الرئيس اوباما فوق حطام قرى وبلدات فلسطينية خربتها القوات الاسرائيلية. لقد اعجب الرئيس اوباما باهتمام اسرائيل بالطبيعة وزراعة اشجار الصنوبر دون ان يعلم انها طريقة اسرائيل الفضلى في تغطية انقاض بيوت الفلسطينيين الذين طردوا الى شتى بقاع الارض ومنعوا من العودة اليها بقوة السلاح.

لقد استخدم الرئيس الامريكي اوباما الماء في فلسطين بدون ان يعلم ان اسرائيل وضعت سقفا لكمية استخدام الفلسطيني للماء. هو لا يريد ان يعلم ان اسرائيل تستخدم الماء وتنقب عن مصادره بشكل غير قانوني في الاراضي الفلسطينية المحتلة، مما يؤدي الى الى خلق ازمة غير ضرورية من 'صناعة الانسان' بهدف تقويض امكانات الحياة اليومية للناس، وحثهم على الرحيل الطوعي.

لقد دعمت الادارات الامريكية المتتابعة منذ عهد الرئيس الامريكي ليندون جونسون اسرائيل بكافة الجوانب اللوجستية والعسكرية والمالية لحد الارتباط العضوي بينهما. وتقوم الولايات المتحدة بتصنيف اسرائيل بأقرب الحلفاء، ولهذا لا تجد تنافراً وجدانيا او حتى اخلاقيا في دعم وتزويد اسرائيل بالاسلحة المتطورة والمهارات العسكرية التي تتضمن الدخول على صور الاقمار الصناعية لحظة التقاطها. هذه التكنولوجيا تمكن اسرائيل من التخطيط للحروب وشن الهجمات على الدول المجاورة بناء على المعلومات الدقيقة عن الاهداف.

وفيما يتعلق بالبعد الاقتصادي، تقدم امريكا دعمها المستمر لإنعاش الاقتصاد الاسرائيلي مما مكن الحكومات الاسرائيلية المتتابعة من استمرار استعمار الاراضي الفلسطينية والاستمرار في توسيع المستوطنات اليهودية. علاوة على ذلك، تقدم الولايات المتحدة لاسرائيل ضمانات القروض مما يمكنها من الحصول على الاموال بنسبة فائدة قليلة لتطوير البنية التحتية التي تديم الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين. كما تعطي الولايات المتحدة خصما ضريبيا للمشاريع الامريكية التي تمنح تبرعات للمشاريع الاسرائيلية التي تدعم وتديم استعمار فلسطين. وتسمح الولايات المتحدة لشركات السمسرة العقارية ان تسوق بيوت المستوطنات في اوساط يهود الولايات المتحدة رغم اعتبار هذه البيوت غير شرعية في القانون الامريكي.

لقد ضمنت ادارة الرئيس اوباما حماية اسرائيل على كل المستويات. لقد زودت اسرائيل بالتكنولوجيا المتطورة لدعم الدرع الصاروخي الذي يحمي اسرائيل من اي هجمات محتملة. كما لم تتردد الولايات المتحدة في استخدام حق النقض 'الفيتو' ضد أي مشروع قرار في مجلس الامن للامم المتحدة منعا للتنديد بالاعمال غير القانونية التي تقوم بها اسرائيل، مانحة اياها حصانة غير مسبوقة.

رغم ادراكنا لعدم وجود امكانية لتغير مفاجئ في سياسات الولايات المتحدة الا ان ذلك لا يمنع من الاشارة الى ضرورة ان تعيد الولايات المتحدة نظرها في بعض السياسات والقضايا، دون ان يؤدي ذلك الى تغير جذري في علاقة التحالف بينهما. لعل قيام الولايات المتحدة ببعض التغيرات في سياستها سيحسن من صورتها في اعين المواطن العربي عامة والفلسطيني خاصة، على ان تشمل هذه التغيرات:

1 - قيام الولايات المتحدة بدورها في الزام اسرائيل بالالتزام بالقوانين الدولية التي تنظم حالة الاحتلال. وفي هذا الاطار يمكن للولايات المتحدة ان تمنع اسرائيل من توسعة مستوطناتها، وان تطلب منها معاملة الاسرى الفلسطينيين حسب معاهدات حقوق الانسان.

2 - ان تتوقف الولايات المتحدة عن القيام بالخلط المتعمد بين النضال الفلسطيني الوطني وممارسات الارهاب. هذا يعني الاقرار الضمني ان فلسطين محتلة وان لشعبها الحق في ممارسة حق تقرير مصيره.

3 - اجراء تغييرات في قوانين الوكالة الامريكية للتنمية التي تتعارض مع المواثيق الدولية لحقوق الانسان. حيث تتدخل هذه القوانين في اولويات وسياسات المجتمع المدني سواء في فلسطين او اي مكان اخر. في الحالة الفلسطينية تدفع هذه القوانين منظمات المجتمع المدني بعكس المصلحة الوطنية الفلسطينية.

يلزم لأي تغييرات جذرية في السياسة الامريكية تجاه القضية العربية عموما والفلسطينية خصوصا تطوير اطار عمل يجمع بين اليهودي الاسرائيلي والفلسطيني على قدم المساواة في الحقوق والواجبات. من الناحية المصالح الفلسطينية، ان اي اطار سياسي لحل شامل ودائم - بغض النظر عن فرضية الدولتين ام الدولة الواحدة- عليه ان يعالج ويتوصل الى الحزمة التالية:

ـ احترام وحماية وتعزيز حق عودة اللاجئين الفلسطينيين واحفادهم الى ديارهم وممتلكاتهم التي هجروا منها كما نص على ذلك قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194.

ـ انهاء الاستعمار الاسرائيلي للأراضي العربية والفلسطينية المحتلة بعد حزيران 1967، وبما يتضمن انهاء الاجراءات والمترتبات التي قامت على اثر هذا الاحتلال العسكري وذلك في اطار اعطاء الشعب الفلسطيني حقه في تقرير المصير.

ـ الاعتراف بالحقوق الوطنية والمدنية للعرب الفلسطينيين سكان دولة اسرائيل والتطبيق الكامل لمساواتهم في القوانين والممارسات.

' ناشط سياسي واكاديمي ـ منسق حملة اوباما اهلين

المصدر: 
القدس العربي