خان الشيح: المخيم الشهيد

بقلم: 

 

مخيم خان الشيح والذي الى جانب الاطلال القديمة للمنطقة في الجنوب الغربي لمدينة دمشق، تأسس سنة 1949 في االسنة التي اعقبت نكبة فلسطين، ويبلغ عدد سكانه 25 الف نسمة، هو الأقرب الى فلسطين من بين مخيمات سوريا.

لم تكن مساحة المخيم تتجاوز كيلومتراً مربعاً، ومع النمو الطبيعي السكاني اتسع المخيم لتبلغ مساحته الاجمالية أضعاف ذلك. فمنذ تأسيسه اختار اهله الفلسطينيين ان يعيشوا في اقرب نقطة الى الحدود مع فلسطين، "فمن هناك يسهل عليهم مقاومة الاحتلال والعودة الى فلسطين" يقول احد ابناء المخيم.

خان الشيح الجميل بعشائره البدوية الفلسطينية "المواسي والصبيح وعرب الصقّار والسيّاد والسمكية والقديرية والزنغرية" ، لطالما كان يفاجئنا بكل تظاهراته وفعالياته "بعرفاتيته " الفطرية والتي يعتبرها شكلا حقيقيا لرمزية المخيم الفلسطينية ونزعاته الثائرة في وجوه اطفاله ونسائه وشيوخه الذين مع كل حدث فلسطيني كانوا يخرجون ليعلنوا ثورتهم التي لم توقفها اتفاقات اوسلو، او تخلي الفصائل الفلسطينية عنهم، فظلوا متمسكين بثوابتهم وفلسطينيتهم في الوقت التي تخلت عنها فصائلهم. 

مخيم خان الشيح  اكبر مخيم فلسطيني في سوريا بعد مخيم اليرموك. هذا المخيم البدوي الاسمر،  لم يقبل ان يكون اقل شأنا من اخيه  مخيم اليرموك فقام بواجبه الانساني تجاه اهله من الفلسطينيين والسوريين الذي نزحوا اليه بعد اشتداد وتيرة العنف والقتل والقصف في اليرموك. في الوقت التي عجزت فيها الدول المحيطة بسوريا عن استقبال بضعة الالاف من اللاجئين، استقبل مخيم خان الشيح ما يقارب المئة الف نازح وقدم كل ما باستطاعته من غذاء ودواء ومساكن لايواء النازحين . 

وما أقوله ليس بالجديد، فالفلسطينيون اختاروا ان يكونوا الى جانب الشعب السوري في محنته وقدموا كل العون له منذ اندلاع القتل والدمار. هذا الموقف لم  يعجب النظام الذي اعتبر ذلك جزءا من "المؤامرة " التي اخترعها ويعيشها حتى اللحظة، فما ان ازعجه مخيم اليرموك الذي استقبل النازحين السوريين، حتى بدأ بسياسة العقاب الجماعي لاهل المخيم دون ان يكون للفلسطينيين اي دور مسلح بما يجري.

خان الشيح هو الاخر بات هدفا لعقلية رجعية اعتدناها من هذا النظام في كثير من مفاصل التجربة الفلسطينية، النظام الذي لطالما حاول ان يكون الوصي وصاحب "الورقة الفلسطينية" في معادلات التوازن في المنطقة، فبدأ بقصفه العشوائي لاهله المدنيين العزل.

حاول اهله ان يحيدوا مخيمهم قدر ما استطاعوا عن عمليات القصف العشوائي، فعمل اهله على  منع كتائب الجيش الحر من دخوله لكي لا يكون للنظام اي حجة في قصفه وليكون ملاذا آمنا لكل نازحيه المدنيين. ثلاثة شهداء على الاقل وعشرات الجرحى راحوا ضحية القصف الاعنف الذي تعرض له  المخيم منذاشتداد المعارك بين الجيش الحر وجيش النظام . 

فصائل منظمة التحرير "الممثل الشرعي والوحيد" تعاملت مع ما جرى كما تعاملت مع مخيم اليرموك بعد قصفه الذي تعرض له بطائرات الميغ سابقا. صمت شديد ولهجة استنكار خجولة، لا ترقى لحجم المجزرة المستمرة بأبناء الشعب الفلسطيني.  

اليوم وبعد قصف خان الشيح بدأ الالاف من اللاجئين الفلسطينيين رحلة بحث جديد عن مكان آمن عله يحتمل طول انتظار عودتهم فلسطين، وبات مخيم خان الشيح المخيم الشهيد.

المصدر: 
موقع المدن