اوباما في اسرائيل : نقيض اسلافه

بقلم: 

 

زيارة الرئيس الأميركي باراك اوباما الى اسرائيل والمناطق الفلسطينية والأردن هي اول زيارة خارجية له في ولايته الثانية. اختيار الشرق الأوسط بدلا من دولة اسيوية اشارة مهمة الى ان الولايات المتحدة لا تستطيع تجاهل المنطقة، برغم اهتمامها بالتوجه نحو آسيا، كما انه اشارة الى اهمية هذا الملفّ لدى الرئيس اوباما سواء كان لديه امل كبير بتحقيق تقدم ما ام لا.

والرئيس الأميركي يزور شرق اوسط مختلف تماما عما كان عليه عندما زاره منذ اربع سنوات. فهو يعود الى منطقة سمتها الجديدة هي عدم الاستقرار وسط اكبر تحوّلات شهدتها منذ اكثر من نصف قرن حتى ان البعض يشبهها بالتحولات التي تلت انهيار الامبراطورية العثمانية. 

ففي مثل هذا الجو السياسي والتحول التاريخي يأتي الرئيس الأميركي ليبحث امكانية سلام فلسطيني _اسرائيلي وليس سلاما عربيا اسرائيليا، يبدو اليوم ابعد من أي وقت مضى.

واكد المسؤولون الأميركيون اكثر من مرة ان الرئيس اوباما لا يحمل معه مبادرة جديدة. مستشار الرئيس قال للصحافيين ان الرئيس يزور اسرائيل في وقت هناك حكومة جديدة في الولايات المتحدة وحكومة جديدة في اسرائيل وسيكون هناك فقط حديث استراتيجي. فمع حكومة جديدة لا تتوقع ان تعقد صفقة على مبادرة كبيرة.

والرئيس اوباما نفسه غير مقتنع بأنه يستطيع تحقيق تقدم الان. فقد نقل عنه اثناء لقائه بقادة الجالية العربية الأميركية قوله عندما سئل لماذا لا يقدم مبادرة سلام ان الحكومة الاسرائيلية غير مستعدة لتقديم تنازلات ولا معنى للضغط عليها.

والرئيس الأميركي ومستشاروه يرون ان الظروف غير متوافرة الآن لمبادرة سلام تعطي نتيجة. فهم يدركون حجم المشكلة التي تواجههم مع أي حكومة يقودها رئيس الوزراء نتانياهو لجهة تقديم تنازلات ذات معنى من شأنها ان تفتح طريق السلام خصوصا في القضايا المهمة مثل المستوطنات والحدود والقدس واللاجئين.كما ان اولوية اسرائيل هي ايران وبرنامجها النووي وليس السلام مع الفلسطينيين.  ولكن هناك ايضا الوضع الفلسطيني المنقسم على نفسه والذي يجعل من فرص السلام أقل ومن فرص التهرّب الاسرائيلي من الحل اسهل. اضافة الى الوضع في المنطقة والذي لا يوفرّ بيئة مساعدة للسلام.

 

ولكن الزيارة توفّر افضل فرصة لمراقبة اسلوب الرئيس اوباما في مقاربة المشكلة وسبل ايجاد الحل المناسب لها. فالرئيس الاميركي سوف يستخدم الزيارة لكي يستمع الى الاطراف المعنية, يختبرها, يقيس حرارة النزاع ويحاول ايجاد كوة ينفذ منها الى الحلّ.

وتأتي محاولات البيت الأبيض المتكررة لتخفيض التوقعات في هذا الاطار. فالرئيس الأميركي يريد ان يجد حلا لتحسين الوضع الحالي على الأرض ولا يريد ان يساهم في تفاقم الأوضاع سياسيا وامنيا اذا ما باءت وعوده بايجاد حل بالفشل مما يؤدي الى انفجار الوضع الفلسطيني في انتفاضة جديدة او في تزايد القمع الاسرائيلي.

ولكي يحقق الرئيس اوباما هدفه يريد ان يتحدث مباشرة الى الشعب الاسرائيلي من فوق رأس رئيس الوزراء نتانياهو. فالرئيس الأميركي سيلقي كلمته في مركز مؤتمرات متحدثا الى الشباب الاسرائيلي بدلا من ان يلقي خطابه بشكل تقليدي في الكنيست كما فعل جميع الرؤساء الأميركيين من قبله. فالرئيس يرى انه اصبح للرأي العام صوت في العالم العربي بعد الثورات العربية وأن على اسرائيل ان تاخذ الرأي العام بعين الاعتبار.

 

وكان مستشار الرئيس بن رودس شرح هذا الأمر مشيرا الى قول اوباما ان اسرائيل بينما تصنع السلام عليها ان تعترف بالدور الاكبر للرأي العام في صنع السلام. ففي السابق كانت عملية السلام تتم بين اسرائيل وقادة الدول العربية. ولكن وبينما يتم التحرك نحو حكومات اكثر ديموقراطية واكثر تمثيلا وتجاوبا مع رغبات الشعوب على اسرائيل ان تأخذ بعين الاعتبار تغّير الديناميات والحاجة لأن تحاول مخاطبة الرأي العام في المنطقة بينما تصنع السلام على المسار الفلسطيني الاسرائيلي والعربي الاسرائيلي.

 

قادة الجالية العربية الذين اجتمعواالى الرئيس الأميركي  قبل زيارته خرجوا مقتنعين انه يريد تحقيق سلام فلسطيني-اسرائيلي اذا استطاع. رئيس المعهد الأميركي العربي جيمس زغبي قال انه كان مخطئا في ما كتبه من قبل وانه وجد ان الرئيس لا زال ملتزما بصنع السلام العربي الاسرائيلي والزيارة هي بداية عملية. اما المحامي جورج سالم فوجد ان الرئيس اوباما شخصيا هو أكثر الرؤساء الأميركيين التزاما بتحقيق تقدم والأكثر فهما للوضع الفلسطيني. ففي اعماقه يريد القيام بشئ في هذا المجال ولكنه يريد ان تكون لديه فرص معقولة للنجاح". ولكن هناك مشكلتين ربما تعقدان تحركه: الأولى هي انه يشعر انه احترق عندما حاول وفشل في تحقيق تقدم في ولايته الأولى بعدما وصلت جهود السناتور جورج ميتشيل الى حائط مسدود بسبب الاستيطان.

والسبب الثاني هو حسب سالم ان كل الرؤساء الأميركيين حاولوا ايجاد حل ولكن عندما ووجهوا بمعارضة تراجعوا. فالرئيس اوباما ومستشاروه يعتبرون ان الفشل خلال الولاية الاولى كلفّ الرئيس رأسمالا سياسيا كبيرا. واليوم وبينما يريد الرئيس اختبار امكانية المحاولة من جديد يريد ان يتأكد انه لن يدفع المزيد من رأسماله السياسي اذا وجد انه ليس هناك أمل في التوصل الى حل. من هنا تأتي اهمية هذه الزيارة لأن النتيجة التي سيخرج بها الرئيس اوباما من الزيارة ستحدد مستقبل الانخراط الأميركي في صنع السلام في المنطقة.

وبينما يقوم الرئيس اوباما بجسّ نبض الأطراف المعنية سيقوم ايضا بجسّ نبض الشعب الأميركي لمعرفة مدى حماسته لانشغال رئيسه في ايجاد حلّ لمشكلة مستعصية قاومت الحل على مدى اكثر من ستين عاما.

فقبل يومين من زيارته لاسرائيل أظهر استفتاء للرأي أجرته صحيفة "واشنطن بوست" مع شبكة "أي.بي.سي." ان 69% من الأميركيين يريدون من الرئيس اوباما ان يترك مسألة ايجاد حل للنزاع الفلسطيني-الاسرائيلي لاسرائيل والفلسطينيين. وبالمقارنة مع العام 2002 عندما قال 54% من الاميركيين انهم يريدون ترك المسألة لاسرائيل والفلسطينيين مقابل 42% ارادوا من اميركا ان تقود عملية السلام.

لدى الرئيس اوباما أجندة داخلية مهمة ومتشعبة لادارته الثانية وهو يتطلّع الى ترك ارث سياسي مهم. اذا وجد ان هناك أملا في تحقيق سلام ربما سيحاول ان يكون السلام في المنطقة ارثه الكبير. ولكن كل المؤشرات تدّل على انه يريد ان تكون اعادة بناء أميركا ارثه واذا كان هذا ما يريده الشعب الأميركي فهذا ما سيفعله بالضبط. هذه الزيارة ستكون حاسمة في اتخاذ الرئيس اوباما هذا القرار. وهي باهدافها المتواضعة تذّكر بالزيارات التاريخية للرؤساء الأميركيين للمنطقة من حيث انها نقيضها. فالزيارات لم تكن يومها للاستماع للاطراف وتطمين اسرائيل. كانت لوضع اللمسات الأخيرة للرئيس الأميركي على الاتفاق الذي توصلّت اليه الدبلوماسية الأميركية من خلال عمل مبعوث رئاسي مع الأطراف. القيادة الأميركية يجب ان تبقى العملة الصعبة التي تصرف للاطراف فقط عندما يستحقونها كمكافأة على اتخاذ القرارت الصعبة من اجل التوصل الى السلام وليس قبل اتخاذ قرار دخول حلبة السلام

 

المصدر: 
موقع المدن