هل قتلت «كتائب القسام» الجنود المصريين في رفح؟

بقلم: 

 

توقع كثيرون أن تقع المواجهة بين الجيش و«الإخوان المسلمين» في مصر، فوقعت بالفعل، ولكن بين الجيش المصري والذراع العسكري لـ«الإخوان» في غزة.

هكذا، وبعدما حاولت حركة حماس تجنب الصدام مع القوات المسلحة في مصر، حتى بعدما بدأت الأخيرة في هدم الأنفاق الحدودية، وبإرادة يبدو أنها متجاوزة لرغبة القصر الرئاسي، وجدت قيادات حماس نفسها متهمة بالوقوف وراء جريمة مروّعة: قتل 16 من جنود القوات المسلحة في رفح في الخامس من آب في العام الماضي.

48 ساعة عصيبة مرت على «الإخوان» وحماس، منذ أن أوقفت سلطات مطار القاهرة صباح أمس الأول، سبعة من الفلسطينيين آتين من سوريا، وفي حوزتهم خرائط وصور لبعض المنشآت الحيوية والسيادية في البلاد، بل وقيامهم بـسبع رحلات ترانزيت في ثلاث دول من بينها إيران وسوريا، خلال أربعة أيام فقط، ومن دون وجود تأشيرات في جواز السفر الخاص بهم.

توترت الأجواء، خاصة بعدما قالت جهات تحقيق إن الفلسطينيين السبعة لم يدخلوا مصر سابقاً من أي منفذ بري أو بحري أو جوي، وبدا واضحاً أنهم دخلوها عبر البوابة غير الرسمية التي تسيطر عليها حماس وحدها... أي الأنفاق.

الفلسطينيون السبعة لم يظلوا طويلاً في المطار تحت رهن التحقيقات. وبالرغم من أن الاتهامات المذكورة أعلاه قد صدرت عن مصادر أمنية رسمية، ونشرتها نصاً وكالة «أنباء الشرق الأوسط» الرسمية، إلا أن تعليمات من جهات عليا جاءت إلى السلطات في المطار بأن «أفرجوا عنهم.. دعوهم يخرجوا من المطار».

وسافر الفلسطينيون بالفعل إلى غزة، بعدما ذكرت مصادر أمنية أخرى أن الخرائط التي كانت في حوزتهم تخص أماكن في غزة وليس منشآت حيوية مصرية، وأنهم لم يقوموا بأي أعمال تخريبية داخل البلاد.

لم يمرّ الليل على هذه الواقعة المثيرة، حتى خرجت تسريبات لجهتين إعلاميتين إحداهما تلفزيونية «أم بي سي ـ مصر»، والأخرى صحافية هي «الأهرام العربي»، تتحدث عن وقوف ثلاثة أسماء بارزة من قيادات حماس وراء مذبحة رفح، وهم القيادي في كتائب القسام أيمن نوفل، ومحمد إبراهيم أبو شمالة الشهير بـ «أبو خليل» وهو قائد في «الصف الأول» في حركة حماس، ورائد العطار قائد كتائب القسام في رفح والذي كان أحد مرافقي القائد السابق لكتائب القسام في غزة أحمد الجعبري عندما اغتالته إسرائيل في تشرين الثاني من العام الماضي.

ثمة من قرأ المشهد كما يلي: صبر الجيش نفد. ولم يعد يتحمّل تدخلات مؤسسة الرئاسة ومن خلفها جماعة «الإخوان» في أمور تتصل مباشرة بالأمن القومي المصري. وأراد أن يرد على الإفراج عن الفلسطينيين السبعة بهذه الطريقة الفجّة، بتسريب جزء من المعلومات عن جريمة رفح، التي لا يزال الجيش محتفظاً بأسرار عدة منها حتى الآن.

حركة حماس نفت هذه الاتهامات جملة وتفصيلاً. وقد ذهب نائب رئيس المكتب السياسي للحركة موسى ابو مروزق إلى القول إن حماس لم تستهدف عدوّها إسرائيل خارج حدود فلسطين، فكيف تستهدف جنوداً مصريين خارج أراضيها وتقوم بفعل عسكري داخل أراض مصرية؟

لكن الجيش طرق على الحديد وهو ساخن، وعبر قائده العام الفريق أول عبد الفتاح السيسي، الذي تحدث للمرة الأولى منذ توليه منصبه، وبشكل مباشر، عن مذبحة رفح قائلاً «لن ننسى مَن قتلنا ونحن صائمون»، في إشارة إلى تنفيذ العملية خلال وقت الإفطار في شهر رمضان الفائت. وخلال لقائه أمس مع عدد من الجنود وضباط الجيش استطرد السيسي قائلا «الغدر لا بد أن ينكشف ولا بد من الثأر ممن قتلهم».

صحيح أن السيسي في إجابته الساخنة هذه كان يردّ على أحد الأسئلة الموجهة من أحد الجنود، لكن توقيت الإجابة ونبرتها أوحتا بأن الجيش يريد رسالة مزدوجة، الأولى إلى مؤسسة الرئاسة، والثانية إلى حركة حماس.

لكن هل يمكن أن تكون حماس قد تورّطت بالفعل في المذبحة؟

مدير «مركز المقدس للدراسات الاستراتيجية» سمير غطاس، الذي عمل في السابق مستشاراً لخليل الوزير «أبو جهاد»، يجيب على السؤال المعقد بحسم قائلاً لـ«السفير» إن «حماس متورطة قطعاً في ما حدث في رفح، إن لم يكن بالتنفيذ فعبر تقديم الدعم اللوجيتسي». ثم يفسر ذلك، بأن البيان الأول للجيش بعد الحادث أفاد بأنه خلال تنفيذ العملية، خرجت قذائف هاون من قطاع غزة للتغطية عليها. صحيح أن حماس نفت ذلك لاحقاً، لكن الجيش لم يصحّح هذه المعلومات، ما يجعلها حقيقة مؤكدة. ثم يذهب إلى تحليل الأهمية العسكرية للشخصيات الفلسطينية التي تمّ اتهامها، متحدثاً تحديداً عن رائد العطار، باعتباره الحاكم العسكري لرفح والذي لا تدخل أو تخرج نملة ـ على حد تعبيره ـ من الأنفاق إلا بعلمه، وبالتالي فهو مسؤول مباشرة عن العملية لأن المؤكد بحسب التحقيقات أن الجناة قدموا من غزة عبر الأنفاق.

لكن إبراهيم الدراوي، مدير «المركز الفلسطيني للدراسات» القريب من حماس، رفض هذه الاتهامات، بل وحمّل خلال حديثه إلى «السفير» عدداً من عملاء إسرائيل العاملين في جهاز الأمن الوقائي الفلسطيني السابق، بتسريب هذه المعلومات بهدف إحداث قطيعة بين الشعبين الفلسطيني والمصري.

وذهب الدراوي الذي تجمعه علاقات جيدة بكوادر أمنية مصرية، بحسب قوله هو شخصياً، إلى تحديد أربع مناطق في مصر «ثلاثة أحياء في القاهرة هي 6 أكتوبر والرحاب ومصر الجديدة»، بالإضافة إلى العريش في سيناء، يتجمّع فيها عملاء جهاز الأمن الوقائي، معترفاً بأنه لا يملك معلومات عن أعدادهم حالياً، لكن هذه معلومات مؤكدة بالنسبة إليه، قبل أن يذهب إلى القول بأن اللوبي الصهيوني اخترق وسائل الإعلام المصرية، ويريد أن يؤجج الصراع الداخلي، ويضيف إليه صراعاً خارجياً مع الفلسطينيين أيضاً.

التفسير السابق يبدو متطرفاً في خياله بعض الشيء، إذ أن الثابت فعلا من تقارير الطب الشرعي التي تم إعلانها أن الأحذية التي استخدمها منفذو العملية حملت عبارة «صنع في فلسطين»، وأن هناك سبع جثث للجناة، تفحمت ست منها، بينما تبقت واحدة في حالة يمكن التعامل معها، ولكن تقرير الطب الشرعي عن هذه الحالة الأخيرة ظل موجوداً في الأدراج السرية حتى يومنا هذا، كما ظل تحليل الحمض النووي للجثث جميعها عصياً على الفعل، بالرغم من أنه أمر ليس معقداً، بل ونجحت مصر في تجربتها على أكثر من مومياء تعود إلى عصور الفراعنة قبل سبعة آلاف عام.

التصعيد بدأ فعلاً، والمواجهة باتت أنها أقرب مما تخيّل البعض. وإذا كان الجيش قد لجأ تكتيكياً إلى أن يواجه حماس بالإنابة عن «الإخوان»، لأسباب تتعلق في ما يبدو بالمحافظة على كيان الدولة الداخلي المهتز بالأساس، فإن كل الاحتمالات واردة.

يقول سمير غطاس إن «الجيش لم يعد يتحمل أن يخرج قيادي إخواني ليتحــدث عن أن القوات المسلحة دبرت هــذه العمــلية بحق أبنائها من أجــل إحراج مرسي لكون أن العــملية وقعت بعد وصوله إلى السلطة بنحو شهر».

ويضيف «هكذا بات واضحاً أن من قام بهذه العملية، فعلها من أجل مساعدة الرئيس مرسي في الاستقرار على كرسي السلطة، عبر تدبير عملية مروّعــة يمكن من خلالها الإطاحة بقيادات الجــيش أي المشير طنطاوي والفريق سامي عنان، ومعهما رئيس المخابرات العامة مراد موفي وقائد الحرس الجمهوري، للإتيان بقيــادة جديدة للجيش يسهل أن يقــودها الإخوان».

لكن المواجهة الدائرة الآن في القاهرة والتي وصلت نارها إلى غزة، يبدو أنها ستؤكد بأن قيادات الجيش الحالية ليس كما توقع وتمنّى «الإخوان» أبداً.

المصدر: 
السفير