مخيم اليرموك والحياد الممنوع

بقلم: 

 

 

يثير ما تعرّض له مخيم اليرموك بدمشق باتخاذه ساحة للمعارك بين طرفي النزاع السوري وتهجير اللاجئين الفلسطينيين، الحنق على دور الفصائل الفلسطينية وقياداتها، وعلى الأخص الموجودة في دمشق والتي كانت مقيمة فيها وعددها 15 فصيلاً. فمنذ بداية الأحداث في سوريا اتفقت الفصائل على الحياد وعدم زج الفلسطينيين في أتون الصراع السوري، وهو ما كان يمثّل رغبة لدى اللاجئين الفلسطينيين الذين أضافوا للحياد معنى إيجابياً مع بداية تحول الأزمة السورية إلى نزاع مسلح، وذلك باحتضان النازحين من المناطق السورية الملتهبة، حيث قدّر عددهم بأكثر من 500 ألف، فتقاسموا مع أخوتهم السوريين المسكن والمأكل.

لكن على الأرض لم يدم موقف الحياد الإيجابي وقتاً طويلاً، فاختلفت الفصائل في وضع آليات العمل المطلوبة منها، نتيجة الخلافات والتناقضات في صفوفها، وقصور رؤية بعضٍ منها لمسار الأحداث. فقد فضّل بعضها الانتظار لما ستؤول إليه الأحداث في البلاد، فيما حافظ بعضها على حالة الترهّل التي يعيشها فصيله فلم يحرك ساكناً، فيما اعتقد آخرون، وعلى رأسهم الجبهة الشعبية- القيادة العامة، بوجوب تشكيل لجانٍ شعبية مسلّحة مهمتها حماية المخيمات الفلسطينية، واتجّه آخرون لاتخاذ موقف صامت وغطّوا في سبات عميق.

جملة أحداث تشير إلى أن محاولات توريط المخيم في النزاع السوري كانت تسير على قدم وساق، دون مراعاة لخصوصية الوضع الفلسطيني، ومنها ما جرى عقب تشييع الشهداء الفلسطينيين في الجولان في 6/6/2011 والاعتداء على عضو اللجنة المركزية للجبهة الشعبية ماهر الطاهر، والهجوم على مقرّ الخالصة التابع للجبهة الشعبية – القيادة العامة، لما اعتبره المشيعّون أنهم المسؤولون عن سقوط أكثر من 25 شهيداً فلسطينياً في الجولان، وتوجيه رسائل سياسية تتعلق بالوضع في سوريا.

بعد ما جرى في مقر الخالصة بدأت القيادة العامة تطرح فكرة إنشاء لجان شعبية لحماية المخيمات، وهو ما رفضه عدد من الفصائل، لكونه يورّط المخيمات في النزاع السوري. لكن مع تعقّد الأزمة السورية وتصاعد وتيرة العنف، كان يسقط بين يوم وآخر شهداء من ضباط ومجنّدي جيش التحرير الفلسطيني الذي لم يشارك في النزاع السوري، ليأتي نبأ عقَّد الوضع الفلسطيني في سوريا باستشهاد 17 مجنداً في جيش التحرير الفلسطيني من أبناء مخيم النيرب شرق حلب، بعد قتلهم بريف إدلب في 11/7/2012 خلال عودتهم إلى بيوتهم لقضاء إجازة بعد دورة تدريبية، مع أنهم غير مسلحين، لتنطلق مظاهرة في مخيم اليرموك تنديداً بمقتلهم. وسرعان ما اندلع اشتباك بين الجيش السوري والمعارضة المسلحة التي تدخّلت من حيّي التضامن ويلدا، بعد محاولة الأمن السوري تفريق المظاهرة، ما أدى إلى استشهاد سبعة فلسطينيين، وهو ما جاء في سياق الإعلان عن معركة دمشق الأولى.

عندها عادت القيادة العامة إلى فكرتها بإنشاء لجان شعبية مسلحة، بهدف حماية المخيمات، واليرموك تحديداً، فأصبح المخيّم خطّ الدفاع الأول عن دمشق من الجهة الجنوبية، وباتت الاشتباكات تندلع بين الفينة والأخرى مع مسلحي المعارضة في الأحياء المجاورة.

ورغم ذلك استمرت الفصائل بسباتها العميق، لتصحو إلى عادتها التقليدية بعقد اجتماعات قيادية لفصائل منظمة التحرير الفلسطينية وفصائل قوى التحالف الفلسطيني. بيد أن الاجتماعات لم تكن أكثر من مجالس للثرثرة والكلام في العموميات، وإن اتفق على شيء يَتَبَخر في اليوم التالي، أو يجري تعطيله، انطلاقاً من مواقف كيدية بين مختلف تلك الأطراف، فيما بدأ التقاتل على توزيع المساعدات العينية والمادية القادمة من رام الله إلى فلسطينيي سوريا، وجرى تعطيل أي عمل فلسطيني مسؤول تجاه الناس.

ومن المفيد عرض بعض مواقف المماحكات بين حركة حماس والقيادة العامة، حيث رأت الأخيرة في حمل رئيس المكتب السياسي لعلم الثورة السورية في مهرجان الانتصار بغزة غطاءً لدخول المعارضة المسلحة إلى المخيم، إضافة إلى بعض مواقف قياداتها التي هاجمت النظام السوري، ناهيك عن مشاركة الحركة إلى جانب جماعة الإخوان المسلمين في كل من مصر وتونس بمؤتمر في تركيا، وهو ما أغضب السلطات السورية التي وجدت فيه انقلاباً على سوريا ودورها في دعم الحركة والقضية الفلسطينية. فانتقدت القيادة العامة هذه المواقف وطالبت حماس بالتزام الصمت أسوة بموقفها من الثورة المصرية ونظام حسني مبارك الذي تآمر على حماس وغزة.

لكن القيادة العامة لم تفعل ما طالبت به حماس فمضت إلى تشكيل اللجان الشعبية منفردة وقاتلت إلى جانب النظام السوري، وأصبحت الاشتباكات مع المعارضة المسلحة تندلع يومياً، في حين أصبح سقوط القذائف من يوميات المخيم الذي اقتحمه مسلّحو المعارضة من المناطق المجاورة له، كالحجر الأسود ويلدا والتضامن، فانسحبت اللجان إلى خارج اليرموك وانشقّ قسم منها، وتعرّض المخيم للقصف بالطيران الحربي، فهجر اللاجئون مخيّمهم في مشهد يعيد إلى الأذهان نكبة 1948، ولتعود اجتماعات الفصائل إلى سابق عهدها فاتّفق على تشكيل لجنة أهلية عليا لتحييد المخيم وعدم الزج به في النزاع السوري، وإنهاء المظاهر المسلحة فيه، ودعوة الأهالي للعودة إلى المخيم، وإدخال المساعدات الإنسانية إليه. لكن التوافق بين الفصائل سرعان ما اصطدم بتعقيدات التطورات الميدانية، فاستمرّت الاشتباكات وتصاعدت حدّتها على أطراف المخيم، فيما تعرّض اثنان من أعضاء الهيئة العليا لإدارة المخيم إلى الاختطاف.

خلاصة القول إن الفصائل لم تعمل بشكل جدي على عدم توريط الفلسطينيين في الصراع السوري بل على العكس شاركت فيه من حيث تدري أو لا تدري، بنحو لم يضمن المصلحة الفلسطينية العليا، بل بما يخدم مصلحة تحالفات الفصائل مع الدول العربية والإقليمية، دون الاستفادة من مصير الفلسطينيين في تجارب تاريخية سابقة وقعت بدول عربية عديدة، ولنا في موقف منظمة التحرير من غزو العراق للكويت 1991 أسوة بذلك، وكذا الأمر بالنسبة إلى ما حصل لفلسطينيي العراق بعد غزوه عام 2003، وفي مخيم نهر البارد بلبنان عام 2007.

المصدر: 
موقع المدن