"شعبان" فلسطينيان في مخيّم واحد

بقلم: 

 

مخيّم الجليل القائم في مدينة بعلبك هو مخيّمات. هناك "المخيّم المقيم" و"المخيّم المهاجر". هناك، كما حال كل مخيّمات اللاجئين الفلسطينيين، "داخل المخيّم" و"خارج المخيّم". في داخل المخيّم يستقبل "السكان الأصليون" حالياً فلسطينيين نزحوا من سوريا. كلهم يريدون تقاسم أرض المخيم الضيقة والظروف المعيشية الصعبة.

"لا نشعر بقيمة الشيء إلا بعد فقدانه"، يقول مؤيد، الفلسطيني النازح من مخيّم اليرموك ويضيف: "صرنا نحسّ إنو المخيّم (اليرموك) شغلة كبيرة". المخيم كان المحطة الثالثة في ترحال بعض النازحين. من اليرموك أو حيّ السيدة زينب إلى دمشق فإلى خان الشيخ ثم أخيراً إلى بعلبك. وصلوا وتفاجأوا بالظروف المعيشية التي يعيش في ظلها أبناء المخيّم، فمعظمهم يزوره للمرّة الأولى.

تأمين الحاجات الأساسية للنازحين تتولاها الهيئات التي ترعى شؤون المقيمين وهي بشكل أساسي: الأونروا، اللجان الشعبية، الهلال الأحمر الإماراتي، الصليب الأحمر الدولي، والجمعيات الفلسطينية، المجلسان الدانمركي والنروجي للاجئين. الأخيران هما المقدّم الأول لمازوت التدفئة في منطقة تشتهر بشتائها القارس.

كل ظروف الحياة هي مدار لنقد فلسطينيي المخيّم. من صعوبة إيجاد فرص العمل إلى نوعية التقديمات الاستشفائية إلى حال البنى التحتية. "هناك طبيب واحد في مستوصف المخيّم يداوي كلّ الحالات"، يقول أحد أعضاء اللجان الشعبية. "سماسرة الأونروا باعونا"، يقول كارم طه، أمين سر اللجنة الشعبية لتحالف القوى الفلسطينية، في تعليق له على مشروع بنى تحتية فاشل نفذته الوكالة الدولية لغوث اللاجئين الفلسطينيين ولم يمنع تدفق مياه الشتاء إلى داخل بعض المنازل. في المخيّم 200 منزل آيل للسقوط لم تصلح منها الـ"أونروا" سوى 30، بحسب أبو محمود الذي يتابع ملف البنى التحتية في اللجان الشعبية.

مصادر الأونروا تقول إنها تساوي الفلسطيني النازح من سوريا بالفلسطيني المسجل على اسم المخيم، خاصة على صعيدي الإستشفاء والتعليم. عند الساعة الواحدة ظهراً، ينتهي الدوام الدراسي في مدرسة الأونروا ويبدأ دوام آخر يستمر حتى الساعة الخامسة لتدريس النازحين وفق المنهاج السوري.

تساعد الأونروا النازحين، فور وصولهم، بتقديمات عينية كالمواد التموينية والفراش. وتساوي بين الجميع في مساعداتها غير الدورية. في الأشهر الثلاثة الماضية، أعطت لكل فلسطيني في المخيم قسيمة شرائية بقيمة 50 دولاراً لشراء الثياب من محل شعبي معروف، وقسيمة لشراء مواد غذائية بقيمة 25 دولاراً و40 ولاراً نقداً.

يسخر أسامة عطواني، مسؤول جبهة النضال في المخيّم، من هذه التقديمات. يقول إن قيمة القسائم وهمية وعندما يريد الفلسطيني استبدالها لا يحصل على ما يوازي قيمتها ويخبر أن "هذه المحلات رفعت أسعارها وعرض نوعيات رديئة بعد توزيع القسائم". في الحقيقة، يحاول بعض الحاصلين على قسائم شرائية استبدالها بمبالغ نقدية فيخضعون لابتزاز أصحاب المتاجر. آخر تقديمات الوكالة الدولية لغوث اللاجئين الفلسطينيين كان مبلغاً مالياً مقطوعاً قدره 190 ألف ليرة لبنانية لكل عائلة و30 ألفا لكل فرد.

"لن نقول إن سكان المخيّم الآن هم شعبان ولكنهم من بيئتين مختلفتين لكل منهما عاداتها وتقاليدها"، يشرح وليد عيسى، عضو اللجان الشعبية. إشكالات كثيرة وقعت بين أبناء البيئتين ودفعت أبو وائل إلى إجراء بحث ميداني حول مجتمع المخيّم الجديد كوسيلة لفهم ما استجدّ.

على مدخل المخيّم افتتح حديثاً مطعم صغير يقدّم الفول والحمص والفلافل اختار صاحبه له إسم "باب الحارة". يعمل فيه أحد النازحين من سوريا ويدعى "أبو حاتم". يتقاضى أبو حاتم يومياً بين 15 و20 ألف ليرة لبنانية ويسكن وعائلته في غرفة داخل أحد مراكز الإيواء. "نوعية الطعام الذي نقدمه مماثلة لنوعية الطعام الذي كنّا نقدّمه في اليرموك. ولكن الحمص لا. مذاق الحمص الحوراني ألذ"، يقول. في إحدى الغرف التي تسكنها عائلة نازحة ستجول بعينيك كثيراً في أرجائها ولن تقع عيناك الباحثتان عن مواد غذائية سوى على كيس حليب صغير وحمص منقوع في طنجرة مليئة بالمياه. حتى الحمّص غير الحوراني هو عملة نادرة لدى البعض.

حالة مخيّم الجليل تختلف تماماً عن حالة باقي مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. في هذا المخيّم الذي تخلو مداخله من أيّة نقطة أمنية لبنانية تتعايش كل الفصائل الفلسطينية بسلام. لكل حائط في المخيّم هويته التي تُظهرها الصور الملصقة عليه. صور بشار الأسد المعلقة على جدران مكتب الصاعقة لا تنفي التواجد القوي لحركة حماس داخل المخيّم.

هنا، لا تواجد للحركات السلفية والعلاقة بالجوار اللبناني جيّدة. وهنا ستقع على شاب فلسطيني يخرج من المخيّم بسيارته البي. أم. دبليو ويستمع، بصوت مرتفع، إلى لطميات شيعية. "كل الأطراف السياسية اللبنانية لها جمهورها داخل المخيّم. الكل بلا استثناء"، يقول وليد عيسى (أبو وائل).

المصدر: 
موقع المدن