نهاية أسطورة «أيباك» في واشنطن

بقلم: 

على هامش مؤتمر لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية، هناك همس في الإعلام الأميركي وفي القاعات داخل مركز المؤتمرات في واشنطن حول بداية نهاية أسطورة «أيباك» في المدينة، في وقت تحدث فيه نائب الرئيس الأميركي جو بايدن عن اختلاف تكتيكي بين أميركا وإسرائيل حول التعامل مع إيران، بالتزامن مع قلق مشترك من التحولات المتسارعة في سوريا.
ليست كبيرة هذا العام طموحات اللوبي الأقوى المؤيد لإسرائيل في العاصمة الأميركية: أمل ألا يمس الإلغاء التلقائي في الميزانية الفيدرالية المساعدات العسكرية لإسرائيل، وسعي لضغط تشريعي لا طائل له على الرئيس باراك أوباما لدعم ضربة عسكرية على إيران. ويأتي ذلك بعد خسارة «أيباك» معركة التصديق على ترشيح وزير الدفاع تشاك هايغل في الكونغرس، بعدما قرر اللوبي المؤيد لإسرائيل في مجلس الشيوخ إعطاء أوباما ما يريده بعد فوزه في ولاية رئاسية ثانية.
وللمرة الأولى منذ حوالي سبع سنوات، لا يشارك الرئيس الأميركي في المؤتمر شخصياً ولا حتى رئيس الوزراء أو الرئيس الإسرائيلي، ما يجعل القدرة على دفع جدول الأعمال محدودة، لا سيما مع مفاوضات تشكيل الحكومة الإسرائيلية وانشغال واشنطن بأزمة الميزانية. على جدول المؤتمر هذا العام، الذي يشارك فيه حوالي 12 ألف مندوب، كان بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (عبر الأقمار الاصطناعية)، ووزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك، ووزير الخارجية الكندي جون بايرد، ودينيس روس، وإليوت ابرامز، وفريد هوف، ولائحة من الأعضاء البارزين في الكونغرس.
بعث بايدن بعض الرسائل إلى إسرائيل ومؤيديها في واشنطن. وأكد في البداية أنه «في وقت قد لا نتفق فيه على التكتيكات... لكننا لم نختلف يوماً على الحتمية الإستراتيجية بأنه على إسرائيل أن تكون قادرة على حماية نفسها»، لافتاً إلى أن أوباما «لا يخادع» حول تصميمه على منع إيران من الحصول على سلاح نووي، لكنه أضاف «نحن لا نبحث عن حرب، نحن مستعدون للتفاوض سلمياً. لكن كل الخيارات مطروحة على الطاولة، بما في ذلك الخيار العسكري»، مشدداً على أن سياسة أوباما هي «منع إيران من الحصول على سلاح نووي. نقطة على السطر، انتهى النقاش. المنع وليس الاحتواء».
كذلك تطرق بايدن إلى مطلب إسرائيلي آخر هو فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على «حزب الله». واعتبر انه لطالما حاول الحزب أن «يطرح نفسه على أنه ليس أكثر من مجموعة رعاية سياسية واجتماعية، فيما يتآمر ضد أبرياء من أوروبا الشرقية إلى شرق أفريقيا، من جنوب شرق آسيا إلى أميركا الجنوبية»، مضيفاً «نحن نعلم ما تعلمه إسرائيل: حزب الله منظمة إرهابية، نقطة على السطر. ونحن نحث كل بلد في العالم يتعامل مع حزب الله أن يبدأ معاملته على هذا النحو ويسميه كمنظمة إرهابية». وتحدث بايدن أيضاً عن الجهود الأميركية لإقناع الأوروبيين بفرض عقوبات على «حزب الله»، وقال متوجهاً إلى الإسرائيليين «معاً، علينا أن نستمر بمواجهة حزب الله أينما يزرع بذور الكراهية».
وتحدث بايدن عن الملف السوري، مؤكداً أن على الرئيس بشار الأسد «الرحيل، لكن لن نوقع على عصابة قاتلة تستبدل أخرى في دمشق»، في إشارة إلى «جبهة النصرة». ولفت في هذا السياق إلى أنه نتيجة لذلك تركز واشنطن دعمها للمعارضة السورية «الشرعية التي ليست فقط ملتزمة بسوريا سلمية بل بمنطقة سلمية». وتابع قائلاً «لهذا السبب في وقت نضغط باستمرار على الأسد ونفرض العقوبات على الميليشيا المدعومة من إيران الموالية للنظام، صنفنا أيضاً جبهة النصرة كمنظمة إرهابية».
وعن التحديات في مصر، قال بايدن «نحتاج إلى الاستثمار في نجاح مصر واستقرارها»، مشدداً على أنه «لا بديل شرعياً في هذه المرحلة عن الانخراط مع مصر... فقط من خلال الانخراط يمكننا دفع قادة مصر للتركيز على احترام الالتزامات الدولية، بما في ذلك وخصوصاً معاهدة السلام مع إسرائيل»، بالإضافة إلى تعزيز الاستقرار في سيناء، و«تشجيع قادة مصر على إجراء إصلاحات». بايدن لم يتطرق حتى إلى التفاوض الفلسطيني – الإسرائيلي، ولا إلى المصالحة بين حركتي فتح وحماس التي تضع إسرائيل فيتو عليها.
رد نتنياهو، بعد كلمة بايدن، حيث ناشد واشنطن قائلاً «لا يمكننا أن نسمح لإيران بتجاوز الخطوط الحمراء. علينا أن نوقف برنامجها لتخصيب اليورانيوم قبل فوات الأوان». وأضاف أن «الكلمات وحدها لن توقف إيران، العقوبات وحدها لن توقف إيران، بل يجب أن تقترن بتهديد واضح وذي مصداقية إذا فشلت الديبلوماسية والعقوبات».
واعتبر نتنياهو أن سوريا يمكن أن تتحول إلى «أزمة ذات أبعاد استراتيجية غير متوقعة»، مشيراً إلى أنها «بلد فقير جداً، لكن لديه أسلحة كيمائية وأخرى مضادة للطائرات، وغيرها من الأسلحة الأكثر تطوراً وفتكاً في العالم. وفي وقت ينهار النظام السوري، فإن خطر وقوع هذه الأسلحة في الأيدي الخطأ للمجموعات الإرهابية حقيقي جداً. مجموعات إرهابية مثل حزب الله والقاعدة يحاولون الاستيلاء على هذه الأسلحة فيما نتحدث».
وعن المفاوضات مع الفلسطينيين، قال نتنياهو إن «إسرائيل انسحبت من لبنان، انسحبنا من غزة. لقد تخلينا عن الأرض وحصلنا على الإرهاب. وبالتالي لا يمكننا أن نسمح بحصول ذلك مرة ثالثة». وأضاف أن «إسرائيل مستعدة لتسوية ذات معنى. لكن كرئيس وزراء إسرائيل لن أتنازل عن أمننا. علينا أن نعمل معاً لإيجاد مسار واقعي إلى الأمام – عملية مدروسة خطوة خطوة تدفعنا نحو سلام مستدام يمكننا إثباته والدفاع عنه».
أوباما يركز حالياً على جولته الشهر الحالي إلى إسرائيل ورام الله والأردن. السفير الأميركي لدى إسرائيل دان شابيرو موجود حالياً في واشنطن في إطار التحضير للزيارة، كما أن الوفود الفلسطينية والإسرائيلية موجودة في واشنطن للغاية ذاتها.
دينيس روس رفض في كلمته خلال المؤتمر الحوار «خطوة خطوة» مع إيران، وإليوت ابرامز اعتبر أن العام 2013 سيكون «عاماً حاسماً» في الملف النووي الإيراني. أما وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك فاقترح «بناء إطار أمني إقليمي» بوساطة أميركية للتعامل مع الملف النووي الإيراني، و«التحديات المشتركة حول إرهاب الإسلاميين المتطرف، وأمن الحدود».
يأتي مؤتمر «أيباك» السنوي في توقيت غير مؤات هذه المرة، حيث دخل حيز التنفيذ هذا الأسبوع إلغاء تلقائي بحجم 85 مليار دولار في الميزانية الفيدرالية الأميركية لهذا العام، وسيطال نصف هذا التقليص ميزانية البنتاغون.
أهداف «إيباك» هذا العام هي تسمية إسرائيل كـ«حليف استراتيجي رئيسي» لواشنطن واستثناؤها من أي تقليص في نفقات برنامج المساعدات العسكرية الأميركية. وسيتم لهذه الغاية حجز مواعيد للناشطين في «إيباك» مع أعضاء الكونغرس في دائرتهم الانتخابية لبحث هذه القضايا التي «تهم المجتمع المؤيد لإسرائيل»، كما يشارك في المؤتمر 130 موظفاً في الكونغرس في ندوة حول سياسة الشرق الأوسط. كذلك، هناك مشروع قرار طُرح في الكونغرس، بالتزامن مع بدء أعمال المؤتمر، يدعو أوباما إلى دعم إسرائيل إذا قررت توجيه ضربة عسكرية وقائية ضد المواقع النووية الإيرانية مع الإشارة إلى أن هذا لا يعني «إعلان حرب»، لكن حتى ضمن هذه اللغة الغامضة لن يقبل البيت الأبيض على الأرجح بتكبيل تحركه تشريعياً.
جنيفر روبين كتبت في صحيفة «واشنطن بوست» مقالاً تحت عنوان «إيباك لديها مشاكل» جاء فيه، «نظراً لتراجع دعم إسرائيل بين الديموقراطيين، بعض القادة اليهود يبحثون عن قادة المستقبل. لكن الانتظار سيكون طويلاً حتى يصل مثل هؤلاء القادة إلى مرحلة النضوج السياسي».
حتى إيهود باراك وجه نداءً خاصاً إلى الجيل الجديد من «إيباك»، وقد شارك حوالي 240 منهم في المؤتمر تمهيداً لصقلهم عسى أن يصبحوا فاعلين ومؤثرين في صفوف اللوبي الإسرائيلي.
روبين، ذات الميول المحافظة، ختمت المقال بالقول إن «إيباك في مأزق لأن عليها أن تتعامل مع إدارة على خلاف مع إسرائيل، في وقت تواجه فيه الدولة اليهودية عدم استقرار متزايداً في المنطقة وتهديداً من إيران المســلحة نووياً. جيل جديد من الديموقراطيين قد يكون أكثر دعماً للعلاقات الأميركية - الإسرائيلية، لكن ماذا تفعل إيباك في السنوات العشر المقبلة». حتى السفير الإسرائيلي لدى واشنطن مايكل اورين استدرك احتمال عزلة إسرائيل داخل الحزب الديموقراطي الذي يــزداد تنوعاً في ديموغرافيــته، وناشد المندوبين في «إيبــاك» التواصل مع «الأفارقة الأميركيين والأميركيين واللاتينيين والمسلمين».