ما معنى هذا الذي اتَّفَقوا عليه في القاهرة؟!

بقلم: 

 

"فلسطين"، والتي يشمل إقليمها الضفة الغربية (والقدس الشرقية) وقطاع غزة، أيْ كل "الأراضي الفلسطينية" التي احتلتها إسرائيل في حرب 1967، هي الآن "دولة بصفة عضو مراقِب في الأمم المتحدة"؛ لكنَّ هذه الدولة تعاني عواقب وتبعات غياب (وصعوبة حضور) أمْرين في منتهى الأهمية، هما "السلام"، أو اتفاقية "الحل النهائي"، مع إسرائيل، و"المصالحة الفلسطينية"، أيْ بين "فتح" و"حماس" على وجه الخصوص؛ وإذا أمكننا قبول، وتَقَبُّل، حيثيات ودواعي عُقْم "مفاوضات السلام" مع إسرائيل، والتي هي أطول وأصعب وأسوأ مفاوضات سلام في التاريخ، على ما أحسب، فلا يُمْكِننا، إذا ما افترضنا حرص أطراف "النزاع الفلسطيني" على المصالح الحقيقية والعليا للشعب الفلسطيني، وتمسكهم بها، قبول، وتَقَبُّل، أنْ يستغرق "حوار (أو تفاوض) المصالحة (أو إنهاء الانقسام)" كل هذا الزمن الذي استغرق، وأنْ يتمخَّض، دائماً، وفي أفضل الأحوال، عن "إدارة الانقسام (والنزاع والصراع)"، لا عن "إنهائه"، بما يقيم الدليل على أنَّ أطرافه، وفي مقدَّمهم "فتح" و"حماس"، حريصون كل الحرص على تغليب المصالح العامة للشعب الفلسطيني على مصالحهم الفئوية (التنظيمية) الضيِّقة، والتي تزداد تَعارُضاً، مع مرور الوقت، مع تلك المصالح، مع أنَّ الواقع السيئ الذي يعيشه الفلسطينيون الآن على وجه الخصوص يتحدَّاهم جميعاً، كل يوم، وكل ساعة، أنْ يتغيَّروا بما يمكِّنهم من تغييره، أيْ بما يجعله أحسن، أو أقل سوءاً.

وفي القاهرة، اتَّفقوا على أنْ يُصْدِر الرئيس (الذي هو رئيس "دولة فلسطين"، مع أنَّه ما زال رئيساً لـ "السلطة الفلسطينية") محمود عباس مرسومين متزامنين هما مرسوم تعيين موعد الانتخابات العامة، ومرسوم تأليف الحكومة (أيْ حكومة المصالحة، التي، عملاً باتفاقية الدوحة، ستكون حكومة كفاءات، يرأسها هو).

ولن أستغرب أنْ يُنْفِق "المفاوِض الفلسطيني" كل هذا الزمن الطويل في التفاوض مع إسرائيل للتوصُّل إلى حلِّ لمشكلة الاستيطان (على سبيل المثال) إذا ما استغرق "حوار المصالحة" كل هذا الزمن الطويل لتوصُّل المتحاوِرَيْن الكبيرين ("فتح" و"حماس") أخيراً إلى اتِّفاق على "التزامن" في إصدار هذين المرسومين؛ فمصلحة "فتح" كانت تقضي بحلِّ النزاع من طريق "الانتخابات العامة" أوَّلاً؛ أمَّا مصلحة "حماس" فكانت تقضي بحلِّه من طريق "حكومة المصالحة" أوَّلاً؛ ولقد ظلَّ كلا الطرفين متشبِّثاً بمصلحته الفئوية هذه إلى أنْ اهتديا إلى "التزامن" في إصدار المرسومين.

لكنَّ الطريق إلى هذا "التزامن" ليست بَعْد بالسالكة الآمنة، وفيها كثير من "الألغام"؛ أمَّا السائرون فيها فلا يبدو أنَّ لديهم الكثير من الحرص على التعاون في نزعها.

الرئيس الفلسطيني، وبموجب ما اتُّفِق عليه في القاهرة، سيبدأ، فوراً، مشاوراته لتأليف الحكومة الفلسطينية الجديدة، على أنْ تنتهي هذه المشاورات مع انتهاء لجنة الانتخابات المركزية من تسجيل الناخبين الجدد في الضفة الغربية وقطاع غزة (ويُفْتَرَض أنْ ينتهي هذا التسجيل في أواخر آذار المقبل). إنَّها مهلة ستة أسابيع لإنهاء مشاورات تأليف الحكومة، وللإنتهاء من تسجيل الناخبين الجدد، ولإصدار الرئيس عباس "المرسومين المتزامنين"، مرسوم تأليف الحكومة (المؤقتة) ومرسوم تعيين موعد الانتخابات العامة.

ولقد اتَّفَقا "القطبان ("فتح" و"حماس")" على أنْ تُجْرى الانتخابات العامة (وهي انتخابات متزامنة للرئاسة والمجلس التشريعي والمجلس الوطني، حسب ما تريد "فتح") بعد ثلاثة أشهر من إصدار الرئيس عباس لـ "المرسومين المتزامنين"، وعلى أنْ تنتهي مدة حكومة المصالحة (المؤقتة) مع إجراء تلك الانتخابات؛ لكنَّ الوصول إلى تلك "اللحظة الحاسمة"، أيْ لحظة إجراء الانتخابات العامة، وذهاب الحكومة المؤقتة، ما زال مشروطاً بنزع، وبتعاون الطرفين على نزع، كثير من الألغام؛ فـ "حكومة الكفاءات التي يرأسها عباس" ينبغي لها (قبل أنْ تذهب، وحتى تذهب) أنْ تُنْجِز مهماتها، التي في مقدَّمها التحضير للانتخابات، وإعادة إعمار غزة، وتوحيد مؤسسات السلطة الفلسطينية من أمنية ومدنية؛ فهل تُوفَّق في إنجازها، عِلْماً أنَّ "حماس" ما زالت تقول بتعيين موعد إجراء الانتخابات بَعْد أنْ تنجح حكومة المصالحة في إنهاء الانقسام، وتدعو إلى أنْ تبقى هذه الحكومة حتى تُنْجِز مهماتها؟!

الحكومة المؤقتة ستُحضِّر للانتخابات العامة؛ لكن، هل اتَّفَقا "القطبان"، أو هل سيتَّفِقا، على "قانون (ونظام) إجراء الانتخابات" تلك؟.

"فتح"، ومعها سائر أعضاء منظمة التحرير الفلسطينية، والشخصيات المستقلة، تريد "دائرتين انتخابيتين"، إحداهما للوطن، أي الضفة الغربية (والقدس الشرقية) وقطاع غزة، والأخرى للفلسطينيين في خارج الوطن؛ أمَّا "حماس" فتريد "سَبْع دوائر انتخابية"، دائرة للوطن (على أنْ يُنْتَخَب ثلاثة أرباع أعضاء المجلس التشريعي وفق نظام التمثيل النسبي، والربع الأخير وفق نظام الدوائر الانتخابية) وست دوائر للفلسطينيين في الخارج (على أنْ يُنْتَخَب أعضاء المجلس الوطني جميعاً وفق نظام التمثيل النسبي). وتريد "حماس" أيضاً "مراعاة الخصوصية" لكلٍّ من "المجلسين"؛ فكلاهما يجب أنْ يكون مختلفاً عن الآخر في دوره وصلاحيته؛ كما يجب ألاَّ يتزامن انتخاب المجلسين.

كلا القطبين، وعلى ما يتضح ممَّا اتَّفقا عليه في القاهرة، عَرَفَ ماذا يريد، وكيف يتوصَّل إليه؛ لكنَّها لم يعكسا في "اتِّفاقهما" ما يريده الشعب الفلسطيني؛ أمَّا إسرائيل فأرسلت إليهما، وبصفة كونهما مُحِبَّيْن لـ "الانتخابات"، "رسالة بليغة"، إذ اعتقلت (في الضفة الغربية) نوَّاباً مُنْتَخَبين، ينتمون إلى "حماس"؛ فـ "السجن الإسرائيلي" يمكن أنْ يكون "مقرَّاً" لكثيرٍ من النوَّاب المُنْتَخَبين مستقبلاً!