أزمة حركة فتح
إنعقاد المؤتمر السابع لحركة فتح حدث سياسي هام ، لا يخص الفتحاويين وحدهم ، بدلالة أن كافة الفصائل والأحزاب والشخصيات السياسية الفلسطينية تهتم بتفاصيله وعضويته وموعد إنعقاده وتنتظر تداعياته الأيجابية والسلبية ، مثلما تنتظر شراكتها وحصتها من إستحقاقاته بإتجاه المجلس الوطني الفلسطيني وكيفية إنعقاده بعد أن فشل الرئيس محمود عباس في الدعوة له وعقده في أيلول العام 2015 ، على أثر تعثره بمعيقات قانونية تمسك بها رئيسه سليم الزعنون بخلفيته كقاض قانوني ، وأحبط مشروع أبو مازن المستعجل أنذاك ، ومؤتمر فتح يسبق مؤتمر حماس الداخلي غير المعلن الجارية إجراءاته بهدف إنتخاب قيادة جديدة لأدارته المقبلة ، فالإدارة المقبلة لكل من فتح وحماس ستكون نتاج المرحلة ، مرحلة الهبوط والتراجع والأنحسار ، وكلا الفصيلين يتحمل كل من طرفه مسؤولية هذا التردي الذاتي للمشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني في مواجهة المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي طوال العشر سنوات العجاف الماضية منذ إنقلاب حزيران 2007 وحتى يومنا المشهود هذا ، فملفات المصالحة ، والدعوة المصرية لجمع الفصائل على طاولة الحوار على خلفية مبادرة رمضان شلح أمين عام الجهاد الإسلامي ، وفشل المبادرة الرئاسية المصرية في تشرين ثاني نوفمبر عام 2015 ، وفشل مبادرة الرباعية العربية في أب 2016 ، ولكن ها هي زيارة شلح للقاهرة تسجل نجاحاً ملحوظاً سيعقبها زيارة لحركة حماس ستكون لها نتائج منتظرة ، كلها تحركات مؤجلة حتى تنتهي فتح من مؤتمرها وما سيسفر عنه من نتائج تنظيمية ، تكشف برنامج الرئيس الفلسطيني وتوجهاته بعد التخلص من النائب محمد دحلان وتياره السياسي المتحفز لدعوة مماثلة مستفيداً من أخطاء وخطايا رئيسه المتعنت مصحوباً بتطلعات رفاقه أعضاء اللجنة المركزية الذين لا يقلون رغبة وفرحاً عن رئيسهم للتخلص من الأقوى محمد دحلان في ذروة تطلعاتهم نحو الموقع الرئاسي المغري .
إذن مؤتمر حركة فتح هام ومهم فلسطينياً ، مثلما هو بقدر أو بأخر هام ومهم عربياً ويترتب عليه إجراءات وإستحقاقات ونتائج سيتم الأعتماد عليها لبناء خطة عمل سياسية لمعالجة تداعيات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وإمتداداته العربية والدولية في منطقة لم تعرف الهدوء والإستقرار طالما أن الأطماع الأستعمارية الإسرائيلية متواصلة وقوية ومخالبها تصل إلى عنق النظام العربي برمته ، وطالما أن حقوق الشعب العربي الفلسطيني لم تُسترد ، وإنفعالات العرب والمسلمين والمسيحيين متوترة إنعكاساً لما يجري على أرض فلسطين حيث قدس الأقصى والقيامة ، والمهد في بيت لحم ، والناصرة وبشارتها وما يترتب على ذلك من إنفجارات وحروب متواصلة متقطعة يصعب حصرها للأن ، وإنتفاضات شعبية عام 87 وإستشهادية عام 2000 ، والسكاكين منذ شهر تشرين أول 2015 ، وها هي حرق الغابات ، وتدمير الحدائق ، والمزارع المعمرة ، يُعزى إلى أسباب متعمدة وتدخل مقصود لإندلاع هذه الموجة من الحرائق ، في مواجهة الأحتلال المتفوق .
إذن مؤتمر حركة فتح أثار الأهتمامات وسخن المشهد السياسي الفلسطيني الداخلي فتحاوياً ووطنياً ، وهو لن يتوقف عند إنتهاء أعمال المؤتمر بإعادة إنتخاب الرئيس ، بل لمعرفة الرجل الثاني إن كان ثمة ما يمكن من بروز رجل ثان بوجود الرجل الأوحد الذي لا يرى بالموجودين من يستحق أن يخلفه ، وإنتخاب اللجنة المركزية والمجلس الثوري عبر ضخ دماء جديدة ستتخلص ما أمكن من بقايا الدماء العتيقة .
لن تستطيع حركة فتح التخلص من ماضيها مهما بلغت من الكياسة في محاولة الحفاظ على علاقاتها المكتسبة بينها كفصيل سياسي مفروض عليه مقاومة الإحتلال المتوغل حتى نخاع العظم في تفاصيل الحياة الفلسطينية ، مانعاً عن شعب فلسطين العربي الماء والهواء ولقمة العيش والكرامة وفرص الحرية والنزوع نحو الإستقلال ، وبين إنتهازية قياداتها الصارخ نحو المزيد من الأمتيازات الصغيرة الضيقة والحصول على إمتيازات السلطة وفوائدها ، وهي تتعارض مع وجود الأحتلال الذي يخل بالمعادلة المنصفة ويجعل الفصيل السياسي مجرد شعارات فارغة المحتوى والمضمون مغلفة بإتفاق التنسيق الأمني الذي يمنح شرعية البقاء لإستمرارية السلطة ، فالسلطة تستمد قوتها من رضى سلطات الأحتلال ، ولذلك تختفي فتح خلف الأجهزة الأمنية المتاحة لها فرصة التمدد وفرض القوة بقدر ما يسمح به الأحتلال في كبح جماح المتنفضين الذين يجدون حريتهم في القدس أكثر من إمتلاكهم لحرية العمل الأنتفاضي في رام الله ونابلس وطولكرم والخليل .
برنامج فتح يهرب نحو الأهتمام والحديث عن الأنجازات السياسية على المستوى الدولي مع أنه مكبلاً بسقف لا تسمح الدول المانحة لرواتب العاملين في السلطة تجاوزه ، ولكن الوضع الدولي ساحة مفتوحة أكثر من مساحة ميدان رام الله أو حواري نابلس أو مؤتمرات أريحا ، وهكذا يتم التكيف مع برنامج الرئيس حيث لا مجال للتصادم مع الأحتلال ، ذلك البرنامج الذي تنفذه الأجهزة الأمنية وهي الوكيل الحصري لتنفيذه ، ولذلك سيكون لها ولقياداتها باع طويل في النتائج التنظيمية لتشكيل المجلس الثوري واللجنة المركزية بإعتبارهم حزب السلطة الحاكم والشريك المحلي والوكيل الحصري للإحتلال الذي لا يقر بالشراكة والندية الفلسطينية الإسرائيلية ولكنه يقبل بالدور المرسوم ولا يسمح بتخطيه لأنه صاحب القرار ومالك الفعل وباسط السلطة وهو القوة الرسمية القائمة بالإحتلال مثل عقد الزواج الذي حلل عملية الأغتصاب ومنحها شرعية البقاء .
نجاح مؤتمر فتح لن يكون معتمداً فقط على سير أعماله وإنتخابات قياداته ، بل ينتظر ماذا سيفعل المتجنحون ، من أعضاء المجلس الثوري والتشريعي ومناضلين لهم وزنهم حُرموا من الوصول إلى مؤتمر أبو مازن ، وبذلك سيكون حلقة أخرى للمؤتمر سيعقد في مكان أخر وزمن أخر وقيادات أخرى غير تلك التي ستفلح في الوصول إلى مواقع متقدمة من مؤتمر رام الله .