في الخروج الآمن من الظواهر السلبية في المعتقلات

بقلم: 

إن أهمية النظر في واقع المعتقلات تبرز من خلال ضرورة معرفة الواقع المرير الذي يعيشه السجناء،  سواء من خلال طبيعة المواجهة والصدام مع السجان، أو من خلال البنية الاجتماعية المتفتتة، وأيضا من خلال النظر بعمق للأبعاد التنظيمية وتشظيها في تعاملات الفصائل في داخل المعتقلات، وفي داخل كل فصيل على حدا ، وبناء عليه،  سنحاول باقتضاب شديد عرض أبرز مظاهر الخلل والسلبية لدى مختلف الفصائل بالسجن، وأبرزها لدينا نحن في حركة فتح أساسا، لمحاولة أن نضع كتفا إلى كتف بداخل المعتقلات، وخارجها، لإيجاد مسارات للحل. - الاعتراف بالظواهر السلبية نصف الحل
إن أهمية معرفة المشكلة وتشخيصها هو الفعل اللاحق للاعتراف بوجود مشكلة، وإثارة الرغبة بتقصيها، والإمساك بها، سعيا لفهمها،  ثم التفكير في الحل ضمن عقلية البدائل والخيارات.
1-  ظاهرة المناطقية:
​المناطقية، الشللية، البلدية، الجغرافية، كلها عناوين لظاهرة تكاد تكون الأبرز لدى قطاعات كثيرة في شعبنا الفلسطيني عموماً حتى باتت وكأنها ثقافة يكتسبها الفلسطيني منذ الصغر، وموروث ثقافي وعادات وتقاليد، نتمنى ألا تكون قد ترسخت في العقول،  إن الأسرى في السجون ليسوا ببعيدين عن هذا الموروث الثقافي "المناطقية"، الذي أصبح الظاهرة الأبرز، والأهم واقع الأزمة التي تعيشها الحركة،ألا وهو استغلال هذه الظاهرة في الاتجاه السلبي وباتجاه بناء الهياكل التنظيمية للحركة، على هذا الأساس الذي سمح حتى للمشبوهين في بعض الأحيان التسلل لصفوف الحركة، ولهيئاتها المسؤولة ما يحتاج لدراسة معمقة ومنهج للتصدي.
2-  ظاهرة الإستقواء بالإدارة: ​
تتمحور هذه الظاهرة في العلاقة غير الصحيحة بين بعض ممثلي التنظيم والأسرى، مع إدارة السجن/السجون وتحديدا ضباط الاستخبارات، وبشكل سمح للعدو بالتدخل في الشؤون الداخلية للأسرى .
3-  الخلل في التنظيم السياسي:
ويظهر الخلل في التنظيم على المستوى القيادي والقاعدي، ونقصد بالقيادي بهذا المستوى تلك الهيئات المسؤولة في كل سجن/معتقل، والقائمين عليها وأسلوب عملهم، حيث أهم ملامح الخلل في هذا المستوى: 
أ‌-     ضعف الكفاءة التنظيمية وقلة الخبرة، واختزال العمل التنظيمي في جزء من الجانب الإداري .
ب‌- آليات اتخاذ القرارات غالبا ما تعتمد على ردات الفعل التي تخرج التنظيم من دائرة الفعل والتأثير.
ت‌- غياب كامل لعملية التربية التنظيمية والتثقيف والتدريب، والافتقار للقدرة على المتابعة التنظيمية.
ث‌-   الانحصار في محاولات تحصين المواقع والحفاظ عليها (كمملكة / ممالك)، تحقق المكانة والمهابة والسطوة له، وما يقابلها من انعدام المحاسبة والرقابة الحركية، ما أدى بالبعض للمجاهرة بالخطأ والدفاع عنه.
ج‌-  .تجاوز متطلبات المسلكية الثورية في التعامل مع العدو، وغياب ثقافة المواجهة مع العدو عند البعض.
ح‌-    عدم معرفة أعضاء الهيئات المسؤولة بحدود صلاحياتهم، وتداخلها، ما يكرس الاستبداد، وعدم احترام النظام الداخلي واللوائح في هذا المستوى، واقتصاره فقط على باب الانتخابات، والعقوبات.
أما على المستوى القاعدي: ونقصد بهذا المستوى أبناء الفصيل/التنظيم السياسي من أعضاء وكوادر غير موجودين في الهيئات التنظيمية المسؤولة، حيث أن من أهم ملامح الخلل هنا: هو انعدام التجربة التنظيمية السليمة، وضعف الوعي التنظيمي، وافتقاد التربية والثقافة الديمقراطية، وعدم رغبة البعض أن يتعبوا على بناء ذاتهم وشخصياتهم ما هو الأولوية القصوى، وبروز حالات تذمر وأزمة ثقة وحالة انفصال بين القاعدة والقيادة ، كما نرى حالة قبول القاعدة بمنطق الجغرافيا على حساب الكفاءة التنظيمية، والنظام الداخلي، وبناء عليه تصبح المشاركة في الحياة التنظيمية السليمة لهؤلاء الأعضاء أو الكوادر ضعيفة، ومرتبطة بالأمراض التي ذكرناها، وليس على قاعدة الالتزام والانتماء للفكرة، والأهداف، والبرنامج السياسي، وحسن تسيير العلاقة، والاتصالات التنظيمية الصحيحة، المبنية على الثقة والمحبة والتعاون ضمن الهيكل التنظيمي.
  إن المؤثرات الخارجية السلبية على واقع الأسرى والمعتقلين كثيرة ولن نعرض لها هنا، وإنما نشير إلى أنها تتمحور حول أمور ثلاثة هامة بالنسبة لنا بالحركة هي: 1- الانقلاب الدموي في قطاع غزة.
2- السلطة الوطنية وسياسة احتواء المواقف.
4-  تدخلات حركة فتح في الخارج "والمقصود خارج السجون"،  غير المحمودة. فهم دور العضو والكادر ضمن "الفريق" ويمكن أن نشير لحقيقة هامة في تعريفنا للكادر، والعضو وأهمية الأدوار هنا، حيث أنه ما أن يدخل الأسير عامه الثالث في السجن أو الانتماء للحركة، ويعمل ولو لمرة واحدة في هيئة تنظيمية، حتى يزاحم باقي أعضاء الحركة على مسمى كادر(أو قائد) مفترضا أن الحق يرتبط بالسنوات أو غيره من مسببات ضعيفة، ودون إدراك لأهمية تعدد القدرات وتنوع الأدوار للشخصيات في الأعضاء، وضرورة التكامل بينها، أي بين الأدوار المتنوعة في الشخوص: دور الشخص المبدع الذي يأتي بجديد دوما، ودور المثقف المفكر الذي يمتلك ثقافة واسعة وقدرة أصيلة على إنتاج الأفكار، و دور المطور للأفكار المجدد للخيال أو النافر منها، ودور المنفذ/العملي القادر على أداء العمل بالتزام جميل، ودور الناقد الذي يدرك مواضع الخلل أكثر من غيره، ويراجع ويصحح، ودور المنظم للعمل المرتب له إداريا بتنسيق هام، ودور حلال المشاكل المتواصل بثقة ومحبة مع الأعضاء، ودور القائد أو الكادر الذي يدير الجماعة بإلهام، ويسخر هذا التنوع بتعظيم المشاركة والعمل لمصلحة الحركة والفريق، وهو أي القائد للجماعة (الفريق) واحد من الأدوار ليس إلا، وكل الأدوار هامة، وقد تتقاطع بالشخصية أكثر من دور نحتاجها جميعا لحسن إدارة المجموعة أو الفريق
    إن مستلزمات العضو، ومستلزمات الكادر تفترض توفر قدرات ثقافية فكرية إدارية اتصالية، وهي قد تكون لدى الكادر المتقدم أكثر وضوحا ، فهو قد يتحمل الصعاب بقوة ورحابة، ويقوم بالدفاع عن حقوق الأعضاء، وله أن يمتلك القدرات الإدارية والثقافية المطلوبة، وقدرة المواجهة والعمل والبناء الذاتي المستمر، إذ أن الإدراك الحقيقي لدينا يجب أن ينطلق من أن الأهمية والمكانة والدور للجميع، وحق المشاركة ضمن المجموعات وفي الهيكل هو للعضو لكل عضو، وذاك مرتبط كما نؤكد بانتمائه الطوعي للحركة، وبإيمانه الراسخ بالله سبحانه وتعالى أولا، وبالنصر، واستعداده الدائم للتضحية بوقته، وفكره، وراحته، من أجل تحقيق أهداف الحركة، وقبوله بالعمل الطوعي لفلسطين، وتثقيف وبناء ذاته يوميا، ما يمثل هو الأهم من كل محاولات التسلق في الهرم التنظيمي تلك، التي لا تغني ولا تسمن من جوع، فماذا ينفع الإنسان إن كسب العالم وفقد نفسه وفكره وقيمه،
ما العمل للخروج الآمن؟
أولا: من المهم العمل في كل الاتجاهات وكافة المسارات المؤدية للهدف الذي نصبوا إليه، وليس كما كان يحصل سابقا من العمل في اتجاه واحد، أو مسار منفرد، مع تضافر كافة الجهود التنظيمية وفي كافة المستويات سواء داخل السجون، أو خارجها، على أن تكون كل الخيارات مفتوحة وكل البدائل مطروحة، ولا يجب التمترس وراء خيار واحد أو بديل واحد، ولكن بشرط التزامها (أي البدائل) بروحية النظام الأساسي للحركة. ثانيا: لضمان النجاح في الوصول للهدف، فإنه لا بد من بناء استراتيجة عملنا بوضوح الأهداف المرجوة، والتخطيط الجيد، ووضع خطة العمل القابلة للتطبيق، مع وضع آليات المتابعة الفعالة من داخل السجون وخارجها .
ثالثا: من المهم قبل البدء بتنفيذ أية خطة أو مشروع، أو مبادرة، أو حتى قرار حركي أن نقوم بالعمل على تهيئة الظروف والأجواء الصحية اللازمة، وبما يضمن تأهيل الأعضاء للمشاركة .
رابعا: ضرورة معالجة الخلل التنظيمي، واستعادة الاتصالات والعمل بالمنهج الديمقراطي وبشكل دوري، وبمعني دوام الاجتماعات الدورية وعقد الانتخابات كل ستة أشهر، دون تجاوز ذلك في كل سجن (وكل سنة في إقليم السجون لاحقا)، وتأهيل الأعضاء، وتوفير الظروف الصحيحة للمشاركة في أية انتخابات، وعبر تفعيل منطق التجديد، وذلك بتحديد فترة عمل من هم بمواقع المسؤولية الأولى بدورتين متتاليتين فقط، كمثال وبما لا يزيد عن عام واحد، وزيادة حجم المشاركة ضمن الأطر للكوادر جميعا ضمن عقلية أهمية العضو من جهة وثقافته ثانيا ودوره مهما تنوع ضمن مجموعته وفريقه.
خامسا:لا محيد عن فهم العمل بفكر الفريق، أو روح الجماعة الواحدة، متعددة القدرات والأدوار والتي تتكامل معا، ولا محيد عن تربية النفس وبناء الذات في الاتجاهات الأربعة، وهي الجسدية عبر الرياضة، والبناء الجسدي، والاهتمام بصحتنا بشكل كامل وبقدر الإمكان دون إهمال، وفي الاتجاه الروحي عبر قراءة القرآن والدعاء والصلاة، وعبر التأمل والتبصر في آلاء الله وتهذيب الروح بالطبيعة واللحن والتواصل مع الكائنات والطبيعة، وثالثا العقلية، عبر قراءة الكتب الكثيرة وأدبيات الحركة وكتابها المعروفين، وبالتثقيف الذاتي المستمر، والتثاقف والنقاش بين الأعضاء وفي الجلسات والحلقات، ورابعا: النفسية بالحض المتبادل على إحقاق الحق، والصبر، والمحبة، وحسن الخلق، والتحلي بالقيم الحضارية لأمتنا العربية الإسلامية بجناحيها المسلم والمسيحي، ومسلكيتنا الثورية والأخلاقية القيمية الرفيعة في تعاملاتنا.
ان المعتقلات من الممكن أن تشكل مدارس حرية ومفتاح فرج ومعقل بناء للعقل والقلب والروح، ومن الممكن أن تعكس ذاتها سلبيا بتفشي الأمراض التنظيمية، بل والنفسية التي تبرز في الإنسان آسوا ما فيه، لذا يجب ان نحقق بناءنا الذاتي كل نحو ذاته وبذاته، وكمجموعة (خلية/فريق عمل) ضمن أطر التنظيم، وبالتفاف السواعد لدعم النظام بين الخارج والداخل.