اغتيالات واسعة لنشطاء بيئيين في العالم وضغوط وتهديدات في فلسطين

بقلم: 

في الثالث من آذار 2016 اقتحم رجلان مسلحان منزل "بِرْطا كسرس" الناشطة البيئية في دولة هندوراس، فأردوها قتيلة.  "كسرس" تصدت بقوة، طيلة سنوات طويلة، لمشروع إنشاء السد الضخم المسمى "أغْوا زَرْكا" (Agua Zarca)  على أراض يملكها السكان الأصليون؛ وأثار اغتيالها حملات نقد في هندوراس وخارجها.  وخلافا لحادثة الناشطة كسرس، فقد اغتيل قبلها نشطاء بيئيون مرات عديدة، دون أن يثير قتلهم أي احتجاج يذكر.

وبحسب تقرير نشرته مؤخرا منظمة "جلوبال ويتنس" (Global Witness) فإن "كسرس هي مجرد ناشطة بيئية واحدة من أصل 185 قتلوا في 16 دولة خلال العام 2015".  وتفيد معطيات المنظمة العاملة في مجال جمع المعلومات عن الناشطين البيئيين، بأن جرائم القتل هذه تشكل ارتفاعا بنسبة 59% بالمقارنة مع عام 2014.  ويشير ذات التقرير إلى أن هذه أعلى نسبة اغتيالات موثقة، منذ أن بدأت المنظمة في عملية توثيق المعلومات عام 2002. 

"بيلي كيت" معد التقرير، نوه بأن "البيئة تحولت إلى ساحة معركة بالنسبة للناشطين البيئيين والحقوقيين".  ووفقا لمعطيات التقرير فإن 50 ناشطا بيئيا تمت تصفيتهم في البرازيل وحدها عام 2015، معظمهم بسبب نضالهم ضد غزو الأراضي واجتثاث الغابات بطرق غير قانونية في منطقة الأمازون.  وفي ذات السنة، قتل في الفلبين 33 ناشطا، وفي  كولومبيا 26.  واللافت أن نحو 40% من ضحايا جرائم القتل ينتمون إلى السكان الأصليين في بلدانهم، ما يعكس ارتفاع الطلب على المعادن والأخشاب والأراضي والطاقة الهيدرولية والتي غالبا ما تتواجد في مناطق السكان المحليين النائية.

ويبين "كيت" (معد التقرير) بأن مستثمرين في الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي والصين مرتبطون بالعديد من المشاريع التي تلحق أضرارا فادحة بالسكان الأصليين وحقوقهم.

وبحسب تحليل أجرته منظمة "جلوبال ويتنس" للمعطيات التي بحوزتها حول نسبة الاعتقالات والإدانات المتعلقة بمقترفي جرائم القتل المذكورة بحق الناشطين البيئيين، تبين بأن معظم المجرمين تمكنوا من الإفلات من العقاب.  وفي حالة اغتيال "كسرس"، وفي أعقاب ضغوط دولية، اعتقلت السلطات في هندوراس، في أيار الماضي، أربعة رجال للاشتباه بتورطهم.  ومع ذلك، يواصل نشطاء منظمة "جلوبال ويتنس" الضغط على السلطات كي تفتح تحقيقا مستقلا، ويقولون بأن منفذ جريمة قتل الناشطة البيئية لا يزال طليقا.  وقد عززت شهادة "رودريغو كروز"، الجندي السابق في جيش هندوراس، أقوال المنظمة، إذ قال الأخير بأن "كسرس" ورد اسمها في قائمة الاغتيالات التي أحيلت إلى القوات الخاصة في الجيش قبل أشهر من وفاتها.  "كروز" وعمره عشرون عاما، أشار إلى أن قوائم تحوي أسماء وصور عشرات الناشطين البيئيين والاجتماعيين أعطيت لوحدتين من وحدات النخبة الخاصة بالجيش، مع تعليمات بقتل كل فرد منهم. 

وأضاف الجندي السابق بأن أحد قادته قرر الانشقاق والهرب من الجيش وعدم تنفيذ الأوامر؛ ثم تبعه الجندي "كروز"، فهرب إلى دولة مجاورة. 

"إذا ما عدت إلى بلدي فسوف يغتالونني" قال "كروز"، وأضاف بأن عشرة من زملائه السابقين اختفوا. وأكد بأنه على ثقة 100% أن "بِرْطا كسرس" قتلها الجيش. 

ومن ناحيتها، أكدت منظمة "جلوبال ويتنس" بأن قوات شبه عسكرية تدعم بعض شركات التعدين والزراعة في الفلبين وكولومبيا.

 

ضغوط وتهديدات

الصحافة البيئية الملتزمة والمبدئية هي التي تعمل على خدمة المحكومين وليس الحكام.  هذا هو شعارنا في مجلة آفاق البيئة والتنمية، لأننا نؤمن بأن الناس لا يمكن أن يصبحوا أحرارا ما لم يمتلكوا المعرفة والمعلومات الحقيقية التي تمكنهم من كشف الأكاذيب التي تروجها بعض الجهات والمؤسسات التجارية والرسمية.  لذا، فنحن لا نعتمد على ما يقوله الموظفون الرسميون أو المسؤولون فقط، أو ما يُنْشَر من روايات إخبارية؛ بل نسعى للحصول على المعلومات والحقائق من مصادرها الأولية، ونحرص على أن نكون منهجيين، ومُدَعِّمين لما نقوله بالأدلة والوثائق والمراجع.

ورغم ذلك، تعرض كاتب هذه السطور لضغوط شرسة من بعض المتنفذين بسبب التقارير والتحقيقات التي نشرت في السنوات الأخيرة بمجلة آفاق والتي كشفت عمليات التضليل التي يمارسها أولئك المتنفذون والتجار خدمة لمصالحهم المالية والشخصية، على حساب البلد والبيئة الفلسطينية والصحة العامة للناس.  هذا ما حدث، على سبيل المثال،  في أكثر من تقرير وتحقيق نشر حول فوضى وعشوائية المبيدات الكيميائية بالضفة الغربية وقطاع غزة؛ علما أن المستفيد الفعلي الوحيد من السلع الزراعية الكيميائية هم تجار المبيدات ووكلاء الشركات ومتلقو العمولات المنتفعون من مواصلة الترويج لاستعمال الكيماويات الزراعية الممرضة والقاتلة للإنسان والبيئة.  وقد وصل الأمر إلى رفع دعاوى قضائية لدى النيابة العامة الفلسطينية بالذريعة الجاهزة دائما: التشهير.  وقبل ذلك بسنوات تلقى كاتب هذه السطور أيضا تهديدا مباشرا من وكيل لشركة كيماويات زراعية إسرائيلية.

 وقد لاقت المجلة ضغوطًاً مماثلة بعد نشرها تحقيقاً حول تضارب المصالح لدى بعض العاملين في وزارة فلسطينية محددة، إضافة لضغوط خارجية بسبب تحقيق موسع حول دور وكلاء فلسطينيين في الترويج لسلع إسرائيلية تغرق السوق المحلية بمنتجاتها على حساب المنتجات الفلسطينية، ودور شركات الإعلانات التجارية الفلسطينية في عملية الترويج للسلع الإسرائيلية.

ومرة أخرى، تلقى أحد زملائنا تهديدا مباشرا بسبب تقرير نشره في مجلة آفاق كشف فيه بالوثائق والصور مجموعة شبان متلبسين وهم يعدمون غزلانا في شمال رام الله، علما أن الغزلان في فلسطين تعتبر على حافة الانقراض.  ناهيك عن تهديدات أخرى تلقاها زملاء لنا في المجلة بسبب تقارير ساخنة أخرى منها، على سبيل المثال، الكشف عن فلسطينيين في بعض قرى غرب رام الله يحرقون صور أشعة إسرائيلية في أراض زراعية لاستخراج الفضة لصالح الإسرائيليين؛ وأيضا رجال أعمال فلسطينيين أنشأوا كسارات على أراض زراعية وبموافقة مبدئية من بعض الجهات الرسمية.

الإعلامي أو الصحافي البيئي يجب أن يتحلى بمواصفات علمية ومعرفية ومهنية ليست سهلة؛ مثل امتلاك المعرفة والثقافة البيئية، والجرأة والشجاعة المهنية والأخلاقية، والخبرة والتأهيل على العمل الإعلامي البيئي الذي يتطلب مهنية عالية وانتماءً للقضايا البيئية والوطنية، ويستلزم التحري والتحقيق والبحث الميداني وجمع ومعالجة المعطيات والمعلومات والوثائق.