خارطة طريق مصرية أردنية لمعالجة الوضع الفلسطيني

بقلم: 

إجراءات المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي ، بهدف إستكمال تهويد القدس ، وتوسيع الاستيطان من أجل تفكيك التماسك الجغرافي والسكاني للضفة الفلسطينية ، وإنهاء التواصل بين المواقع الثلاثة ، بين الضفة والقدس والقطاع ، وعزلها عن بعضها البعض ، وإستغلال الانقسام الوطني والسياسي بين سلطتي رام الله وغزة ، في سياق سياسة إسرائيلية تعمل على تقويض المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني ، وتمزيق الهوية الوطنية الفلسطينية الجماعية ، وإعادة تبديدها ، وتقزيم التسوية السياسية المقترحة ، والحل المرحلي القائم على إقامة الدولة الفلسطينية في الضفة والقدس والقطاع ، مستغلة تل أبيب تراجع مكانة الدور التمثيلي المؤسسي الموحد لمنظمة التحرير بسبب الانقسام ، وغياب البرنامج السياسي الفلسطيني المشترك ، والتخبط في إختيار الادوات الكفاحية وكيفية إستعمالها ، ما بين مفاوضات إلى إنتفاضة مدنية ، إلى عمليات مسلحة ، إلى إطلاق صواريخ ، إلى غيرها من الادوات النضالية المفيدة والضارة ، هذه الخلاصة الواقعية لصورة المشهد الفلسطيني المتأكل والممزق أمام تفوق العدو الوطني والقومي وجموحه الاستعماري التوسعي ، إضافة إلى الحروب البينية العربية التي دمرت ليبيا وسوريا واليمن ومن قبلهم الصومال والعراق ، وأضعفت الدور الخليجي المستنزف مالياً ، مما أفقد نضال الشعب العربي الفلسطيني روافع داعمة لصموده ، زيادة على الانشغال الدولي بقضايا الارهاب واللاجئين والازمة الاقتصادية لها الاولوية في إهتمامات المجتمع الدولي ومؤسساته ، وتم ذلك على حساب قضايا أخرى تراجع الاهتمام بها ، وفي طليعتها القضية الفلسطينية ، وأدى ذلك إلى تفاقم معاناة الشعب الفلسطيني وحرمانه من أبسط حقوقه العادلة ، حقه في الحياة والكرامة مثل كافة الشعوب المتحررة المستقلة على أرضها وفي بلادها .
خلاصة هذا دفعت القيادات المصرية والاردنية ، ومعها ، ومن خلال تفاهمها مع القيادات السعودية والاماراتية ، لبلورة خطة عمل ، وخارطة طريق ، ووضع خطوات عملية متتالية تراكمية تسير متدرجة خطوة بعد خطوة ، أو إلى جانب بعضها البعض ، بهدف لملمة الوضع الفلسطيني ، بإعتباره كرة الثلج الصغيرة الاولى والاهم على الطريق الطويل ، بإتجاه العمل من أجل : 1- مؤسسة تمثيلية واحدة موحدة وهي منظمة التحرير الفلسطينية وأداتها على الارض وفي الميدان سلطتها الوطنية ، 2- صياغة برنامج عمل سياسي مشترك ، تشارك في صياغته والتوصل إليه وإقراره مختلف الفصائل والشخصيات كي يكون هو عنوان العمل وهدفه والالتزام به ، 3- إختيار الادوات الكفاحية المناسبة وفق إمكانات الشعب الفلسطيني ، ووفق الظروف المتاحة لممارسة هذه الادوات كي تجعل من الاحتلال مكلفاً ، وتختزل عوامل الزمن لتحقيق الانتصار الفلسطيني ، وإنجاز مهمات التحرر الوطني ، وإستعادة حقوق الشعب العربي الفلسطيني كاملة غير منقوصة ، بشكل تدريجي متعدد المراحل ، 1- حقه في المساواة في مناطق الإحتلال الاولى عام 1948 ، أبناء الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة ، 2- وحقه في الاستقلال لمناطق الاحتلال الثانية عام 1967 ، لأهالي الضفة والقدس والقطاع ، 3- وحق اللاجئين في العودة إلى المدن والقرى التي طردوا منها وتهجروا عنها عام 1948 ، وإستعادة ممتلكاتهم فيها ومنها وعليها وفق قرار الامم المتحدة 194 .
خارطة الطريق المصرية الاردنية تسعى إلى تحقيق ثلاث خطوات متتالية تبدأ بالاولى وتتمثل بوحدة حركة فتح وإنهاء حالة الاستعصاء التي تواجهها ، وتحميل المسؤولية ، وإلغاء العقوبات وإجراءات الفصل ، والعودة إلى نتائج المؤتمر السادس وإفرازاته والاحتكام للمؤتمر السابع الاقدر على معالجة المستجدات وإفراز قيادة جديدة مؤهلة لقيادة المستقبل.
ثانياً إنهاء حالة الانقسام بين الضفة والقطاع ، بين فتح وحماس ، والعمل على وحدة الشعب الفلسطيني ووحدة حركته السياسية على قاعدة المؤسسة الواحدة والبرنامج المشترك والادوات الكفاحية المتفق عليها ، وذلك من خلال تنفيذ سلسلة الاتفاقات الموقعة بين طرفي الانقسام المشبعة نقاشاً وتداولاً وتحتاج لأرادة سياسية ضاغطة لتنفيذها .
ثالثاً الوصول إلى طاولة مفاوضات فلسطينية إسرائيلية وفق المرجعيات المتفق عليها ، وتنفيذ الالتزامات المتبادلة ، والتجاوب مع المبادرات الدولية بهذا الخصوص وخاصة الفرنسية والروسية .
خارطة الطريق الاردنية المصرية حددت أول خطواتها العملية نحو التوجه لوحدة حركة فتح التي تجاوبت مع هذا التوجه وإستجابت للمبادرة المصرية الاردنية ، فقد أكد كل من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والعاهل الاردني الملك عبد الله الثاني في إجتماعهما الثنائي المشترك في القاهرة يوم 24/8/2016 “ على ضرورة كسر الجمود في الموقف الراهن ، مشددين على أهمية العمل على تهيئة الظروف الملائمة لأحياء مفاوضات السلام بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي ، وتذليل جميع العقبات التي تقف حائلاً أمام جهود السلام  والعمل على إستئناف المفاوضات وفقاً للمرجعيات الدولية ، وصولاً إلى حل الدولتين ، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967 ، وعاصمتها القدس “ ، كما جاء في البيان المشترك في أعقاب القمة بينهما حيث أعرب “ الزعيمان عن تقديرهما للرئيس الفلسطيني محمود عباس لإستجابته لدعوة لم الشمل الفلسطيني ، وإصدار اللجنة المركزية لحركة فتح بياناً للتأكيد على دعوتها لأعادة أبنائها تحت مظلة الحركة بما يخدم القضية الفلسطينية والوضع الداخلي الفلسطيني بشكل عام ، في ظل المرحلة الدقيقة التي تمر بها القضية الفلسطينية في الوقت الراهن ، والتي تتطلب وحدة الصف ودعم القوى المعتدلة لمواجهة الارهاب ، الذي يعاني منه العالم “ .
وقد سبق صدور البيان الاردني المصري المشترك ، إجتماع اللجنة المركزية لحركة فتح برئاسة الرئيس محمود عباس في رام الله ، الذي أكد على “ إستمرار دعمه للمبادرة الفرنسية ، وللجهود المصرية والاردنية الاخيرة لتنفيذ الالتزامات المترتبة على إسرائيل لدفع عملية السلام نحو غاياتها “ ودعت اللجنة المركزية لحركة فتح “ أبناءها وكوادرها كافة لتعزيز وحدتهم وتعاضدهم وتضامنهم ، والتعالي عن الخاص للعام ، وتؤكد على أن أطرها ومؤسساتها مفتوحة أمام جميع أبنائها للتعامل مع المشاكل والعقبات كافة ، بما يشمل أصحاب التظلمات الذين إتخذت بحقهم إجراءات عقابية “ .
خارطة الطريق الاردنية الفلسطينية أخذت خطواتها العملية التنفيذية ليس فقط بوقف الحملات الاعلامية بين قيادات فتح وتعاملهم مع بعضهم البعض ، وصدور بيان اللجنة المركزية لعودة المفصولين ، بل وتشكيل قوائم إنتخابية فتحاوية موحدة لخوض إنتخابات المجالس المحلية البلدية والقروية التي ستتم يوم 8/10/2016 ، وهي دلائل ومقدمات تنفيذية حيوية تعكس روح المسؤولية والتجاوب مع المبادرات الوحدوية بهذا الاتجاه ، وبالتالي يمكن القول أن حركة فتح ستكون خلال الاشهر المقبلة ليس فقط أفضل مما كانت قبله ، بل يمكن الرهان عليها من أجل لملمة الوضع الفلسطيني برمته لأنها ستكون في الموقع والمكانة الاقوى بعد إستعادة ثقتها بنفسها على أثر وحدة كل أطراف ومكونات الحركة ، مما سينعكس ذلك على جبهتين أولهما في التعاطي مع إستحقاقات إنهاء الانقسام الفلسطيني مع حركة حماس ، وفي التعامل مع المبادرات الدولية الفرنسية والروسية وغيرها ، في مواجهة مخططات وبرامج نتنياهو وحكومته الاستيطانية التوسعية الاستعمارية .