المستوطن والمُخلص

بقلم:عوزي برعام
الإسرائيليون يسافرون بأعداد كبيرة إلى تركيا. حتى قبل الحديث عن اتفاق قريب، يوجد في مكاتب السياحة طلب زائد على الرحلات إلى تركيا. السياح الذين يؤدي بعضهم التحية لبنيامين نتنياهو واليمين بسبب السياسة الصقرية، وفي نفس الوقت يدركون الاقوال اللاإسرائيلية للرئيس التركي، رجب طيب اردوغان، غاضبون بسبب قضية «مرمرة» والمظلة التي حظيت بها القافلة إلى غزة من تركيا. لكن حينما يكون كل شيء «مشمولا» والبحر صاف والمناظر جميلة والأسعار معقولة، فإنهم يختارون تركيا.
كل ذلك لأن الازدواجية لا تثقل على الإسرائيلي المتوسط. الذي يفحص الاسعار وجدواها، ولكن بنظرة شاملة، فان كل شيء متوفر له. يكثرون في إسرائيل الحديث عن ضرورة تغيير نتنياهو في المقالات والمقابلات الصحافية الالكترونية. الفرضية الاساسية هي أن نتنياهو هو رئيس حكومة عادي يمكن تغييره. إلا أن الجمهور لم يفهم أن نتنياهو لا يجلس في شارع بلفور، بل إنه استوطن هناك.
نتنياهو يعتبر أن تغييره هو فشل قومي وكوني. ومن هنا فان رئيس الحكومة يتعاطى مع الجوهر، طرد وابعاد كل من يهدده. يمكن الافتراض أن الجمهور قلل من أهمية ظاهرة نتنياهو: سمعت من كل الاتجاهات اقوال عن عدم مصداقية طريقه، ومع ذلك فقد تكرر الحديث: لكن للأسف الشديد ليس له بديل.
نتنياهو نجح في التأثير في مواقف الجمهور أكثر من أسلافه في هذا المنصب. نحن نعيش في واقع متغير، دون أن نستوعب سرعة التغيير.
هل كان الرأي العام سيصمت قبل عشر سنوات على تعيين داني دنون سفيرا لإسرائيل في الامم المتحدة؟ وعلى تعيين تسيبي حوطوبلي بمواقفها المتطرفة، كوزيرة خارجية فعلية؟ وتعيين وزيرة العدل التي يستهدف برنامج عملها السلطة القضائية التي هي مسؤولة عنها؟.
حسب رأيي الانتقادات كانت ستكون مختلفة، ويصعب اثبات ذلك لأن نتنياهو لم يكن ليتجرأ على تعيينات كهذه في السابق؛ لأنه لم يحلم في السيطرة على أجزاء كبيرة من الجمهور. التحول لم يحدث فورا، لكن نتنياهو الذي خشي من كل خطوة سياسية اختار بث الخوف في اوساط الجمهور، وخلق أعداء يهددون وجود دولة إسرائيل وعلى رأسهم براك اوباما.
عدد كبير من المواطنين قبلوا الخطوط التي تم رسمها لهم والتي تميز بين الجيد والسيء، وكفوا عن الاهتمام بجوهر الاحداث وتبنوا الرموز الواضحة: الفلسطيني، العربي، الاوروبي واليساري، أشرار. وليس هناك أسهل من خلق صورة يساري لجنرال في الجيش كان أحد رؤساء مجلس السلام والامن، حيث تبدو مواقفه بالنسبة للمستوطنات غريبة وليس لها صلة بالواقع.
هذا التعامل من الجمهور الواسع كان يجب أن يوجد علامات استفهام أساسية ـ كما في فيلم «المحرضون على المستوى» الذي ظهر فيه كل رؤساء «الشباك» وقدموا بمسؤولية وانفعال الاحتلال وتأثيره المدمر على الحياة المدنية في الدولة. لكن الجمهور شاهد الفيلم أو قرأ عنه، ثم هزوا اكتافهم قائلين: «اذا كانوا يفكرون بهذه الطريقة فلماذا لم يستقيلوا؟». يوفال ديسكن ومئير دغان حذرا من سياسة نتنياهو في الموضوع الإيراني، وهما لهما وزنهما عند الجمهور. وقد حاول اليمين أن يصمهما بقول «الاثنان ظهرا في احتفال اليسار في ميدان رابين».
كثير من اولئك الذين يشاهدون تغيير المواقف يزعمون أننا بحاجة إلى مُخلص حقيقي.
اليوم هم يتحدثون عن غابي اشكنازي ويقولون إن نتنياهو سيجد صعوبة في التشكيك بقدراته الأمنية. لكن نتنياهو لن يشكك بل سيهاجم كل مرشح يعارض سياسته. كيف اذاً يمكن تغيير نتنياهو؟ هل اجراء استيطانه في منزل رئيس الحكومة لا يمكن التراجع عنه؟ أنا غير مقتنع بذلك، حيث أن الكثيرين يريدون التغيير. لكن يبدو أن الطريق الوحيدة لعمل ذلك هي توحيد القوى التي تعتقد أن نتنياهو واليمين المتطرف هم خطر على وجود دولة إسرائيل.
ما يتم فعله الآن يضعف البديل. يئير لبيد أعلن عن ترشيحه لرئاسة الحكومة، واسحق هرتسوغ يطلب من اشكنازي الانضمام اليه. لكن المطلوب الآن هو خطوة كبيرة تُبين للجمهور أن المصالح القومية، لا الشخصية، هي التي تقف وراء البديل. المُخلص لن يُخلص ولن يخرج نتنياهو الذي استوطن في منزل رئيس الحكومة. إذا استمرت الخدعة التي تقول إن مرشحا واحدا سيأتي ويُخلص، وليس الجهد الجماهيري الكبير الذي سيفعل ذلك، فان نتنياهو يستطيع أن يطمئن لأن تهديد مكانته سيكون ضعيف وضئيل.
هآرتس