"رغم إعاقتهم...أنجبتهم ليكونوا سند ظهري!"

ايناس أبو الحاج
زمن برس، فلسطين: "ربنا ما بيعطينا إشي إلا من وراه حكمة"، هذا ما بدأت ام محمد (54 ) عاما من إحدى قرى رام الله حديثها حول حياتها مع أولادها الاربعة ذوي الاحتياجات الخاصة ومشوار جهاد طويل في المعاناة واليأس والأمل مكلّل بالتعب في رعايتهم.
تقول ام محمد " كنت 17 عاما عندما تزوجت، وبأول سنة زواج أنجبت بنتي البكر"ريم" كانت طبيعية ولا تعاني من اي مشاكل وبعد عامين أنجبت " محمد" الذي منذ صغره كثيرا ما كان يمرض، في الأشهر الأولى لم يظهر عليه أي ملامح للإعاقة او التخلف ولكن بعد مرور بضع أشهر بدات بوادر التغير الغير طبيعية أثناء نموه فقد جاء تشخيص الأطباء أنها مشكلة جينات علاجها كان صعب ومكلف في حينها على العلم ان أي مولود آخر سيحمل نفس الصفات والإعاقة العقلية واللفظية التي تظهر تدريجيا .
وتضيف ام محمد " بعد سنتين حملت وأنجبت "أيمن" يللي ما أفرق عن محمد ولد ثاني معاق، الظروف كانت أقوى مني كل همي أجيب ولد أو بالاحرى ..كانوا بدهم ولد لان ابو محمد كان الوحيد لاهله ، حياتنا كانت صعبة وقرارنا مش بإيدنا ما بنمون ع اشي ولا حتى على صحتنا ولمّا أيمن دخل بعامه الثالث خلفت "مريم" ما كنت أصدق كلام الطب وكنت احكي هالمرة راح تزبط!! من الجهل وقلة الوعي صاروا ثلاثة اولاد مسؤولين مني.. مني وبس!.
بدي ولد طببعي
تتابع ام محمد قصتها قائلة "إن صبري قد تضاءل فقد توقف النمو العقلي لاطفالي في مرحلة مبكرة وكانوا يعانوا من العجز في اللفظ والنطق وإستيعاب اي حركة أو أمر وكنت على حذر بإبقائهم تحت المراقبة اللحظية والاستجابة لكل طلباتهم حتى أبسطها من غير تكليف، تردد ام محمد "عانيت وعشت الأمرّيين ثلاثة معاقين ما في عندهم أدنى قدرة يعملوا أي شي لحالهم ،إستيعابهم كان بطيء حتى زر القميص ما يقدر يعمله ومع الوقت كبرو.. وعقلهم ما كبر.. كانوا يقطعوا قلبي".
وتضيف" بعد 6 سنوات من إنجابي لـ مريم أنجبت "قاسم" الذي كان برهان للتجربة كثيرون ما كانوا يقولون لي انها ليست مشكلة جينات انما في الرضاعة الطبيعية وأنجبت قاسم ولم اقبل إرضاعه "الدكتور الأخصائي صار يقول انتي مجنونة واستغرب الكل من تصرفي، وانا رفضت وضليت ع موقفي عشان قاسم يكون طبيعي .. وصار يللي متوقع ..بدي أتحدى الطب بجهلي! ومن ثلاثة معاقين صاروا أربعة".
وتستكمل ام محمد ببحة تجرح صوتها "لم اعد أدرك الليل من النهار واستكفيت بالتجول بين أعمال البيت ورعاية اولادي وبحكم تقارب أعمارهم وتشابه عجزهم لم أكن أجد لحظة التقط انفاسي فيها، لم أسلم من المجتمع والكلام الجارح بحقي وحق اودلاي وان كان دون تقصّد رغم تفهم زوجي لحالة اطفاله والرضا بحكم الله ولكن شعوره بالنقص الدائم والعجز أمامهم دفعه للغوص في متاعب الحياة والعمل للهروب ربما من هذا الوضع. أرسلت محمد (8سنوات) وأيمن (6سنوات) إلى مركز الدار البيضاء في محافظة سلفيت لتعليمهم بعض المهن كالنجارة ربما كان دافعي الاقوى ابعادهم عن الجو الكئيب ونظرة الشفقة من قبل اقاربهم، كنت اراهم كل ثلاثة شهور مرة واحدة لمدة عامين ومن ثم حاولت تسجيلهم في مركز في مدينةرام الله للرعاية الأفضل لكنهم رفضوا حالتهم رغم الإعاقة العقلية لان حاسة السمع قوية والإعاقة لغوية ولفظية فقط، ومن ثم أقدمت على تسجيل مريم في مركز جبل النجمة في رام الله ولكن لصعوبة وتكلفة المواصلات والظروف السيئة لم تبقى هناك كثيرا، كانت ريم تحمل عني الكثير في عناية اخوانها وتلبية طلباتي وطلباتهم "ولما أجاها النصيب راحت لابن الحلال".
وكانت أم محمد تدخل في تحدٍ أكبر مع نفسها حين قررت أن تدخل في معاناة أخرى ، حيث بحثت لزوجها عن زوجة أخرى تنجب أطفالاً سليمين على حد تعبيرها.
معاق وليس معيق
تفول ام محمد"بدا الحال أفضل بعد سن البلوغ ،ولكن طاقتهم المقيّدة كان لا بد من تفريغها في مشاجراتهم الدائمة فكان البيت أشبه بـ "العرس"، كثيرا ما كانوا يخرجوا هربا من البيت وأبدا بالبحث عنهم في كل القرية وبيوتها فكان من الملزم أن أجد ما يشغل فراغهم بالرغم من رفض والدهم لموضوع العمل خوفا عليهم من اي إهانة او ضرب وكان لا يثق بقدراتهم لذلك كانت لديه حساسية اتجاه هذا الأمر. ولكن لم يردعني هذا فقط أرسلت محمد للعمل في الألمنيوم في القرية ليس لجلب اي مردود مادي إنما لملئ فراغه وتعليمه المهنة.
وبذات الوقت أرسلت قاسم للعمل في محل للحدادة عند اقاربي للإطمئنان أكثر، في البداية كان الامر ليس بالسهل فالعمال كانوا ان وجد قاسم في المكان لا يدخلوه رغم ان ملامحه لا توحي بأي اعاقة ومع الايام أصبح تواجده اكثر من الطبيعي بل اضافة ونكهة خاصة " ما كنت بدي يتعلم بس منها بيطلع وبيعقل شوي".
الحذر واجب
تضيف ام محمد "ربما بقيت مريم الحلقة الاصعب فعند بلوغها أيقنت ان الأمر يحتاج الحذر خوفا عليها من إخوانها فهم غير ملومين على أي عمل أو اعتداء بحق مريم ولكني لا اؤيد استئصال ارحام ذوي الاحتياجات الخاصة ربما يعود الامر للبيئة والاهل لكن ابنتي دائما تحت أنظاري.
سعيدة ام محمد بحالها وحال اولادها اليوم تقول" عمري ما خجلت فيهم ولا كنت اخبيهم من الناس وكنت استبعد في يوم يصيروا يستوعبوا ويتعلموا ويعملوا كل شي بايديهم ما يحتاجوا مني اي مساعدة بس انا عارفة شو ربيت رغم انهم معاقين بس بعيوني كانوا طول عمرهم سندي" وتتابع" كنت اشعر بالضيق كلما نجح أحد او تزوج من سن أولادي أجد في قلبي غصّة لا ارادية وعندما وجدتها حالة طويلة أصبحت أتدارك ذلك فهو نفسه لا يدرك فوكلت أمري لله فهو أدرى بحالي".
ومع تنهيدة عميقة ودموع تخفت وراء عزة نفسها تكرر ام محمد "الحمدلله" ربنا خلق وهو أخبر ما بينسى حدا من خلقه، كنت أضل أدعي واقول يا رب اشفي ولادي وشيل عنهم بس اليوم ما بحكي الا الله يعطيني الصبر والقوة والعافية وأقدر أقوم فيهم.