وثيقة: هروب الأدمغة من جيش الاحتلال قنبلة استراتيجية موقوتة

زمن برس، فلسطين: كشفت وثيقة إسرائيليّة سريّة النقاب عن أنّه في ضوء المصادقة على الموازنة الأمنية، ارتفعت بنسبةٍ كبيرةٍ ظاهرة هروب الأدمغة من الجيش الإسرائيليّ، بعدما بات واضحاً أن الضباط النوعيين الذين رأى فيهم قادتهم العسكريين أنّهم يمكنهم البقاء في الجيش، بدأوا يهربون.

ووفق مصادر صرّحت لصحيفة "يديعوت أحرنوت" فإن هذا الخطر أصبح يهدّد التفوّق البشري الذي كان منذ الأزل سرّ قوة جيش الاحتلال.

وتوقفّت الصحيفة عند الظرف الذي يجري فيه هذا الهروب، كونه يأتي في ظل الحرب التكنولوجية والعلمية مع الجمهورية الإسلاميّة في إيران، كما عبّر رئيس الاستخبارات العسكرية الجنرال هرتسي هليفي، الذي أقرّ بأنّ طهران تجسر الفجوات، لافتًا في الوقت عينه إلى أن الانتماء الإسرائيلي لم يعد كافيًا للإبقاء على الضباط الذين يحتاجون إلى المال لدفع أجرة البيوت وأقساط الاسكان، وينظرون إلى الجهات التي تعرض رواتب عالية وشروط عمل أفضل.

ونقلت الصحيفة عن شعبة القوى البشرية معطيات تفيد بأنّه بين عامي 2011 – 2014، ارتفع عدد رجال الخدمة الدائمة النوعيين الذين خدموا في منظومة التكنولوجيا وقرروا ترك الجيش بمبادرة منهم، بل إنّ المعطيات تشير إلى تضاعف عددهم. وفي التفاصيل، فإنّه في عام 2011 قرر 13.2% من الضباط برتبة عقيد والجنود حتى رتبة رقيب، عدم تمديد خدمتهم في شعبة التكنولوجيا.

وبعد أربع سنوات، في 2015، ارتفعت هذه النسبة إلى 34.4%. وشدّدّت الصحيفة، نقلاً عن المصادر عينها، على أنّ الحديث يدور عن أفضل القوى البشرية في الجيش التي تخدم في وحدات التكنولوجيا في الاستخبارات، في وحدة 8200، وسلاح الرصد ومركز الحواسيب ومنظومة المعلومات.

ورأى مُراسل الشؤون العسكريّة في الصحيفة أنّ هذا التقرير يعكس ما لا يقل عن قنبلة إستراتيجيّة موقوتة داخل الجيش، وتحديدًا أنّه يتحوّل إلى جيشٍ متوسطٍ، على الأقل من ناحية القوى البشرية.

وأضاف قائلاً إنّه في ضوء التصور بأنّه ستُحسم الحرب المقبلة في ساحة المعركة التكنولوجية، بشكل لا يقل عن ساحة الحرب الاعتيادية، فإنّ هذا التقرير يجب أن يثير قلق كلّ مواطن إسرائيليّ، حسبما ذكر.

وقال رئيس لواء النخبة في شعبة القوى البشرية الضابط ميخال بن موبحار، للصحيفة: نحن موجودون في إحدى النقاط الصعبة، لأنّ المقصود ليس رجال خدمة دائمة اعتياديين، بل تتحدث المعطيات فقط عن رجال الخدمة الذين وصفوا بالنوعيين، والذين طلب قادتهم منهم البقاء في الخدمة.

أمّا عن أسباب هروب الأدمغة النوعية من جيش الاحتلال، فقد ذكرت الصحيفة أنّ ذلك يعود إلى شروط الخدمة والأجر المتدني مقارنة بالرواتب في القطاع الخاص، والذي يعرض رواتب مغرية وإمكانيات ترقية عالية. وبلغ مستوى التسّرب من الجيش، كما نقل أحد الجنود، أنه من بين 50 جنديًا أنهوا دورة للضباط التكنولوجيين، لم يتبق في الخدمة الدائمة إلا اثنان.

ولفتت "يديعوت" إلى أنّ ذلك يأتي كجزء من المسار التصاعديّ للاستقالة من الجيش السائد منذ سنوات، من دون أن يُعمل شيء لوقفه. وتشير الإحصائيات إلى أنّ نصف الذين يخدمون في الوقت الحاليّ لا ينوون البقاء في الوحدة، بعد نقل شعبة الاستخبارات العسكرية إلى الجنوب. وفي ظلّ هذا الوضع، يسود الانطباع أنّه لن يكون هناك مفرّ من تغيير طريقة التفكير.

ففي عصر “السايبر”، لا يمكن للجيش الاكتفاء بالجيدين أو الجيدين جدًا، بل يحتاج إلى الممتازين، لكن هؤلاء يهربون بجموعهم. وأشارت المصادر الإسرائيليّة إلى أنّ التقدّم التكنولوجيّ أنتج ضائقة حقيقية للقوى البشرية في الجيش، لأنّ الاحتياجات ازدادت، ليس في مجال “السايبر” فقط، بل في كل المنظومات العسكريّة. فاليوم بات حتى تفعيل دبابة «ميركافاه – 4» وقيادتها بحاجة إلى تقني، وليس مجرد محارب. ولذلك، وفي سبيل محاربة ظاهرة هرب الأدمغة المهنية والتكنولوجية، يجب على الجيش الانتقال إلى طراز آخر في مجال إدارة الرواتب واقتراح عقود عمل شخصية على التقنيين الممتازين، بحيث تعكس التقدير لهؤلاء التقنيين، حتى وإنْ لم يصل الراتب إلى مستوى رواتب السوق الخاص.

وذكرت صحيفة رأي اليوم أن التقدير سشير إلى أنه في سبيل صدّ هذا التوجه، ستكون شعبة الاستخبارات وقسم الحواسيب على استعداد للاكتفاء بأقل من 100 عبقريّ. ومن المؤكّد أنّه يُمكن في ميزانية الأمن التي تصل إلى 60 مليار شيكل العثور على مصادر التمويل المطلوبة لتعويض هؤلاء.

و شددت الصحيفة على أنّ رئيس هيئة الأركان العامّة في جيش الاحتلال غادي آيزنكوط، يتخوّف من أن مثل هذه العقود الشخصية يمكنها أنْ تكسر نموذج الأجور المتبّع في الجيش حاليًا، وبالتالي التسبّب في التمييز ضد المجندين الآخرين. لكنّه من المشكوك فيه أن هناك إمكانية أخرى.

جديرٌ بالذكر أنّه في دراسة نشرها “مركز بيغن السادات للدراسات الإستراتيجية” وأعدّها مدير المركز البروفسور إفرايم عنبار، شدّدّ عنبار على أنّ الثورات والانتفاضات العربيّة والتطورّات العلميّة والتكنولوجيّة في إيران، قد خلقت وضعًا أمنيًا وسياسيًا واجتماعيًا هو الأكثر خطورة واضطرابًا بالنسبة إلى إسرائيل منذ نهاية الحرب الباردة.

ولفت إلى أنّ الإسرائيليين لديهم القليل من النفوذ بعد التطورّات في منطقة الشرق الأوسط، وأيضًا طموحات قليلة للانخراط في الهندسة السياسيّة للمنطقة، وكل ما يمكنهم القيام به هو الدفاع عن أنفسهم بشكل أفضل، على حد قوله.

حرره: 
د.ز