كان من الأفضل استدعاء طبيب نفسي

أمين الحسيني

ايريس ليعال

بعد أن نجح باستبدال كارثة مقتل رابين في الوعي الجماعي بكارثة اتفاقيات اوسلو، واستبدال السعي إلى اتفاق سياسي بالسعي إلى الاتصال فقط؛ بعد أن قدم معسكر اليسار كدليل على المثالية المتلونة وغياب الامل؛ وبعد أن ضرب النخبة القديمة فقط من أجل تحويل المثقفين إلى أمة من القردة المسلحين، حفر نتنياهو قبر المفتي وأخرج عظامه وأنعش بمساعدتها الخوف من الإسلام وكراهية الفلسطينيين التي يؤججها منذ سنوات بتصريحاته الفارغة.

من اجل مواجهة تحويل نتنياهو للمفتس إلى رمز الروح الفلسطينية كمن استهدف حياة اليهود وحتى هتلر على تدميرهم، استدعت وسائل الإعلام الكثير من المؤرخين ولم تستدعي أحد من الاخصائيين النفسيين. ألم يكن من الاجدر البحث في الجوانب الخاصة باللاوعي وزلة اللسان وتشويه الحقائق؟
أحد شروط الكذب هو ان الانسان يقوم به بدون ادراك واضح لافعاله. ويبدو أن التدقيق النفسي بواقعنا في العقدين الاخيرين سيثبت ان هذين العقدين هما انعكاس لشخص واحد: جميعنا نعيش في ظل بيبي الذي تلاحقه الاشباح. وانهيار عام ومتواصل للحياة الاجتماعية، والاحتقار المتبادل الذي تحول إلى معارك السكاكين بين المواطنين، والكراهية التي نزلت علينا منذ دخل السياسة كل هذا هو بصمته النفسية على حياتنا.

قبل عدة ايام تحدث عضو الكنيست احمد الطيبي على منصة الكنيست عندما حاول أن يفهم ما الذي دفع نتنياهو إلى التحدث هكذا عن المفتي، وكأن الوعي ضربه للحظة حيث صرخ الطيبي: «هل يكرهنا إلى هذا الحد؟» هذه ليست كراهية فقط وانما تجربة وجودية عميقة تحاول ان تجسد نفسها بالواقع. ولا توجد طريقة افضل من التشمير عن الذراع وادخال اليد في التاريخ.

يحاول المحللين منذ سنوات فهم ما يحدث برأس نتنياهو. والواقع الذي نعيشه هو رأس نتنياهو: واضح الان أنه قرر منذ البداية عمل كل شيء لكل يحافظ الفلسطينيين على مصيرهم الغير معقول كلاجئين إلى الابد، لا بيت لهم ولا مواطنة، ودفعهم إلى صراع عنيف لتحسين وضعهم، صراع يؤكد الصورة التي الصقها بهم كمتعطشين للدماء وخائنين ممنوع اعطاءهم دولة. واليكم نظرية تحولت إلى واقع؛ الضحايا والمراقبين يختلطون ببعضهم البعض، شخصيات من التاريخ تُستحضر والماضي والحاضر يركبان كل مرة صورة جديدة.

ومن يريد النظر إلى الواقع الذي تكون في رأس نتنياهو مدعو إلى العودة إلى السنة الاولى لفترة حكمه واحداث النفق، التي تسببت بالصدام المسلح الاول بعد اتفاقيات اوسلو والذي تسبب بعشرات القتلى، وقراءة مقال إسرائيل هرئيل من «هآرتس»: الاف المصابين يتم تسميتهم ضحايا اوسلو بدون اقواس ومن تسبب بذلك هو «معسكر السلام»، والذي يحصل على «من اجل التأكيد على تلونه. التاريخ كما يرويه هرئيل بالعكس يخلق قلة أدب، بانتظار الاعتراف بالخطأ واللفظ العلني لافعال صانعي السلام الذين اعطوا الفلسطينيين سلاح وتحولوا إلى سكاكين اليوم.
هكذا يصنع التاريخ، وهكذا يهيئون الكولونيالية الإسرائيلية كحل دائم.

 

 

حرره: 
م.م