رماد حريق للجموع الغفيرة

رماد حريق

أوري مسغاف

تضع «يديعوت احرونوت» في هذه الأيام العلم القومي إلى جانب شعارها وكلمات «نحارب الإرهاب». وقد منحت القراء في هذا الاسبوع الفرصة لأخذ دور فعال في الحرب: «نقول شكرا لأبطالنا». لنترك الاحراج للحظة، ولنترك سخرية القدر حيث أن شعار اليد مع الاصابع الخمسة الذي وضعته الصحيفة، مصدره الإسلام. فهو يمثل كف يد فاطمة إبنة النبي محمد. الامر الذي يبعث على اليأس هو التعود على هذه الشعوذة. في الماضي كانوا يرسلون للمقاتلين الهدايا والرسائل، واليوم يُحملونهم الحُجب. «صحيفة الدولة» تبذل الجهود في مجاراة الانماط السائدة، اسرائيل تنجر إلى صراع قومي ـ ديني وقد تحولت إلى قومية دينية أكثر من أي وقت مضى.
نشر هنا مؤخرا استطلاع نتائجه لافتة: 76 بالمئة من الاسرائيليين يؤمنون بالله. وهذه نسبة مزعزعة لا أحد يريد التعاطي معها بجدية. ثلاثة من كل اربعة مواطنين بالغين يؤمنون بوجود صديق وهمي.
ومن الصعب استيعاب ذلك في دولة تزعم أنها من العالم الديمقراطي المتنور والحر، حتى لو كان عدد المؤمنين أقل انطلاقا من فكرة «اذا كان هذا لا يفيد فهو لا يضر». كتب عودة بشارات هنا في هذا الاسبوع أن هرتسل كان سيُطرد لو جاء إلى هنا بسبب مواقفه السياسية. وأخشى أنه كان سيُطرد ايضا بسبب إلحاده.
العنف القومي الحالي من الطرفين له جذور غير دينية (القومية، الاحتلال، الاقتصاد، الديمغرافيا، اليأس والاحباط)، لكن الدين هو العامل الاكثر تأثيرا. كارل ماركس الذي صدق في عدة اشياء اخطأ عندما قال إن الدين هو «أفيون الشعوب».
لأن الأفيون يسبب التهدئة. في الارض المقدسة مثلما في اماكن اخرى، الدين هو عبارة عن رماد حريق للشعوب، وشخصيات عامة من الطرفين تقوم بجلب الكبريت. اعضاء كنيست عرب، بعضهم علمانيين في مواقفهم ونمط حياتهم، يتعلقون فجأة بالمسجد الاقصى. والسياسيون اليهود يتنافسون فيما بينهم من يتعمق أكثر بالاصولية. واسحق هرتسوغ كعادته يسارع لدفن رأسه بين حجارة حائط المبكى. يئير لبيد الذي كان حتى أمس زعيم حزب العلمانيين لا يظهر بدون القبعة على رأسه. ويتضح أنه في هذا الموضوع المصيري ايضا ليس هناك ائتلاف أو معارضة الامر الذي يعبر عن عدم المسؤولية التربوية من الدرجة الاولى.
اليوم يمكن اعتبار دافيد بن غوريون واصدقاءه في الصهيونية العملية والعلمانية اشخاص غريبي الاطوار. وكانوا سيُرسلون إلى برلين مثل الغربوزيين. لنتحدث لحظة عن غربوز.
أصبح الامر مسموحا الآن حيث أقام له ممثلو اليمين مراسيم مُسامحة ووضعت المازوزة على مدخل بيته. صحيح أن غربوز كان شريكا في خطأ سياسي ـ في المكان والزمان ـ لكن ليس في جوهر تحذيره من مرحلة التعويذات.
تخيلوا المخلوق الفضائي المشهور وخذوه في طائرة فوق القدس الدامية. وقولوا له إنه يوجد هنا مسجد كان يُربط فيه حصان لأحد أنبيائنا حيث ركب عليه عندما صعد إلى السماء، وهو النبي محمد.
وبالقرب منه كان حائط من الحجار المقدسة التي أحاطت الهيكل الذي ذبحة فيه القرابين لاله اليهود. قولوا له إن الانتفاضة الجديدة اندلعت من هنا، والسابقة ايضا. ثم خذوه من هناك إلى ارمون هنتسيف وقرية دوما.
وقولوا له إنه قتل الكبار والصغار الأبرياء باسم الله على يد أشخاص يؤمنون بالله. شعب فقد خلال ست سنوات 6 ملايين من أبنائه وهو مستمر بالايمان بـ «أنت اخترتنا». شعب آخر يرى كيف أن اخوته يقتلون وتقطع رؤوسهم باسم الجهاد والدولة الإسلامية، ويخرج من اجل الموت باسم الله. إن الله هو ماركة قوية. ولو كان موجودا لما سمح بهذا الجنون.

هآرتس 

 

حرره: 
م.م