انتفاضة الشباب

مواجهات

لا حل هادئا ومنطقيا لهذه الانتفاضة الجارية هنا منذ نحو شهر
بقلم اليكس فيشمان

 

لا حلا هادئا ومنطقيا لـ «انتفاضة الشباب» الجارية هنا منذ نحو شهر. وبقدر ما يسمع هذا سيئا، فان موجة الإرهاب الحالية لا يمكن ايقافها إلا بالقوة، وبكثير من القوة. فلا يدور الحديث عن احتلال الضفة او فرض اغلاق عام على المناطق. هذه النار سيكون ممكنا خنقها بواسطة اغراق الميدان بالقوات، التواجد الدائم في مراكز الاحتكاك وفي المواقع الحساسة، اعتقالات واسعة للمخلين بالنظام والعقاب الشديد، بما في ذلك لاهالي القاصرين المشاركين في أعمال العنف.

مثابرة سيزيفية (عابثة) على مدى الزمن، بهذه الخطوات من القوة كفيلة في نهاية المسيرة بان تخنق النار ـ ولكنها لن تطفىء الجمر المتقد الذي سيعود لينفجر في كل مرة يوفر له احد ما أبخرة الوقود.

هذه الانتفاضة يقودها شباب وشابات أبناء عشرين فأقل، يخرجون إلى الميدان لقتل اليهود. امكانية أن يقتلوا هم أنفسهم لا تؤدي لديهم دورا مركزيا، إذ أن الاحتمال في أن يصبحوا ابطالا وطنيين وينالوا تقدير المحيط يسحرهم أكثر. من الجهة الاخرى، عندنا، يجدون صعوبة في قبول حقيقة أنه لا يمكن ان نقطع، دفعة واحدة، اندلاع الخواطر، الكراهية والغضب لشريحة الشباب والشابات هذه في المجتمع الفلسطيني. صعب علينا أن نستوعب بان الحديث لا يدور «فقط» عن انفجار على خلفية ضائقة سياسية، ستختفي إذا أجبرنا السلطة الفلسطينية على اصدار الامر لهم بالتوقف، او إذا توصلنا إلى اتفاق ما مع ابو مازن على استئناف المحادثات.

كما أن حلا ما حول مسألة الحرم لن يضمن الهدوء الفوري وذلك لأن «انتفاضة الشباب» أخرجت إلى الشارع، حاليا، مجرد تمثيل عن جيش المخربين الهائل الذي يعيش في المناطق. فالحديث يدور عن مئات الاف الشباب، معظمهم متعلمون، قسم لا بأس به منهم اكاديميون، لا يعملون، يسيرون سئمين، مسممين، بلا أي أمل في الافق. وتشير الاحصاءات الجافة إلى 31.4 في المئة من اوساط الشباب في السلطة الفلسطينية ممن لا يوجدون في أي اطار، ولكن المعدل الحقيقي على ما يبدو أعلى. اولئك الاكاديميون، ممن لم ينجحوا في الانخراط في وظائف مناسبة في السلطة، يعملون في الزراعة وفي البناء، مما يزيد احساس العدم في حياتهم. وهذا الدمل، الذي ينضج منذ سنين، يتفجر الان في شوارعنا.

في هذه الاثناء تحاول إسرائيل والسلطة الفلسطينية ان تمنع انضمام دوائر أوسع إلى موجة العنف. ولهذا يتواصل منح تصاريح الدخول للعمل في إسرائيل، يتم الامتناع عن فرض عقوبات اقتصادية على الضفة، لا تنصب حواجز ولا تفرض اغلاقات وحظر تجول. والميل هو لخلق فصل بين المشاغبين وبين باقي السكان في الضفة.

الطاعنون والقتلة الذين يغرقون الشوارع ليسوا غريبي الأطوار من هوامش المجتمع. فهم يكاد يكونون كلهم تحت سن العشرين، تلاميذ ثانوية وطلاب، دون ماضٍ أمني. واهمال السنين في السلطة الفلسطينية والتجاهل الإسرائيلي خلقا هذه القنبلة. لا تهمهم السلطة ـ التي أخذت المليارات التي تلقتها من العالم في صالح تسمين الجهاز الاداري وأجهزة الأمن كي تحافظ على ولائهم.

وهم لا يخرجون إلى الشارع كي يطعنوا بسبب المشاكل السياسية الاقليمية. صحيح أن المس بالكرامة الوطنية في الحرم هو سبب مركزي للاحداث، ولكن هذا يشكل لهؤلاء الشباب بالاساس دافعا خلفية يدفعهم إلى الانفجار على أفراد الشرطة، على الجنود وعلى المواطنين الإسرائيليين. هذا يبدأ في ان يبدو مثل عمليات التضحية، إذ أن نحو 50 في المئة فقط من بين القتلة الشباب يبقون على قيد الحياة. الشباب الفلسطينيون في 2015 لا يشبهون الاجيال السابقة.

فهم أكثر وعيا بكثير لقدراتهم، لحقوقهم، للدعم الدولي لكفاحهم. ودعوات التهدئة من ابو مازن ورجال أجهزة أمنه وتهديدات إسرائيل لا تؤثر على الميدان على نحو خاص، وذلك لان هؤلاء الشباب خرجوا ليركلوا المؤسسات ـ الفلسطينية والإسرائيلية. صحيح انهم يطعنون إسرائيليين، ولكنهم يحتقرون السلطة.

هذه الظاهرة جيش الشباب العاطلين عن العمل معروفة جيدا في الميدان. فمنذ سنين والمهنيين في جهاز الأمن يتعابعوها، يكتبون عنها، يحذرون منها ولكن احدا ـ لا في إسرائيل ولا في السلطة ـ فعل شيئا في هذا الشأن. فمطلوب هنا سياق طويل المدى، مع استثمارات طائلة، ومن في الشرق الاوسط لديه الزمن لان يستثمر في سياقات طويلة المدى؟

لهذا الجيش الكثير من القوة. أكثر من 200 الف طالب يتعلمون في المؤسسات الاكاديمية في غزة وفي الضفة. وفي كل سنة يتخرج 40 الف طالب. معظمهم ان لم يكونوا كلهم لن يحققوا حلمهم. الاف قلائل سيجدون عملا في السلطة. أما الاخرون فسيكتفون بالاعمال السوداء مقابل رواتب جوع. واغلبهم لن يفعلوا أي شيء.

36 في المئة من الشبيبة في الضفة هم متعلمون ثانويون فما فوق. لـ 11 في المئة منهم على الاقل يوجد شهادة جامعية اولى. في غزة مستوى التعليم العالي أعلى: 45 في المئة هم من الحاصلين على شهادة الثانوية فما فوق، ولدى اكثر من 14 في المئة توجد شهادة جامعية اولى. اما في الضفة فنحو 30 في المئة من المجموعة العمرية 19 ـ 24 عاطلون عن العمل. في غزة يصل معدلهم إلى 63 في المئة.

هذه المادة المتفجرة المعتملة لا يمكن وقفها دفعة واحدة. ولها آثار شديدة ايضا على المجتمع الفلسطيني. الجريمة في هذا المجتمع، ولا سيما في غزة، تصل إلى حجوم لم يشهد لها مثيل في الماضي في الحجم وفي الشدة. وفي الخطاب الذي القاه نتنياهو في الكنيست أمس ـ والذي دعا فيه الجمهور العربي ليرى آثار الربيع العربي في الدول المجاورة مقابل وضعه الرائع هنا ـ يدل على أن رئيس الوزراء ومحيطه لا يستوعبون، بل ولا يهمهم، ما يحصل حقا في المجتمع الفلسطيني. أحد السيناريوهات لاندلاع انتفاضة عامة في الميدان، والذي تدرب عليه الجيش مؤخرا، يصف انفجارا كنتيجة لإرهاب أفراد بحجوم كبيرة وبشدة لم نشهدها بعد، ولكننا بالتأكيد في الاتجاه.

وعليه فان الكبح الفوري، بالقوة، واجب. ومن أجل كبح ما يجري في المناطق يجب وقف موجة أعمال الشغب والطعنات المتصاعدة في أوساط عرب إسرائيل. وهنا يوجد لإسرائيل روافع ضغط وقدرة تأثير أكبر. ان وقف الاضطرابات في الوسط العربي سيسمح بتحويل الاف افراد الشرطة نحو القدس وغلاف القدس. نحن بحاجة لهم هناك من أجل منع اشتعال اقليمي.

يديعوت

حرره: 
س.ع