إسرائيل والخروج من الخزانة

الخروج من الخزانة

صحف عبرية

عمري بن يهودا

على خلفية مسيرة الفخر التي ستتم اليوم (أمس) في القدس وتحويل الزواج المثلي إلى بون تون الجديد، من الجدير اعطاء الاهتمام إلى الخزانة الحقيقية لاسرائيل (والى حد معين للغرب ككل).

عند صدور نتائج الانتخابات الاخيرة انقسمت شاشة التلفاز ـ في جزء منها مقر المعسكر الصهيوني، وفي الجزء الثاني ظهريت الفرحة التي عاشها مقر الليكود، حيث رفرفت إلى جانب اعلام اسرائيل عدة اعلام فخر ضخمة. من هذه المشاهد تبينت ليبرالية الليكود بكل قوتها، والطرف الثاني المحافظ، البيت اليهودي، الذي تعامل بعداء بحالية الفخر، هزم.
ولكن من خلال الشاشة المنقسمة برز فارق اكثر اهمية ـ بين الليكود والعمل. يبدو ان الجمهور نسي الاحاديث عن عضو حزب العمل، الذي هو وطني معروف ولكن غير معلن، هذه الاحاديث التي سادت في بداية الحملة الانتخابية، بدأت القضية بنداء جال اوحوفسكي لرئيس المعسكر الصهيوني، باجبار منتخب الجمهور على ان يخرج من الخزانة.
تحدث الكثيرين في حينه عن موضوع الخروج من الخزانة، قال البعض ان اخراج شخص ما من الخزانة هو عمل عنيف، لكن لم يقل احد ان حزب العمل الموجود على يسار الخارطة السياسية في اسرائيل، قد طرح احد أكثر المواضيع اهمية في النفس البشرية، الذي يدمج بين المشاعر وبين الموقف السياسي: الخجل.
في هذا الحزب بالذات ظهرت مسألة الخروج من الخزانة بكامل خطورتها، في الوقت الذي احتوت قائمة الليكود على مرشح مفتخر معلن. اضافة لذلك، ورغم وجود مرشحات كثيرات ملفتات للانتباه، الا ان الديمقراطية الظلامية لحزب السلطة هي التي رشحت امرأة شرقية ـ ميري ريغف ـ في مكان محترم جدا، في الوقت الذي استمر حزب العمل في طريق المؤسسة الاسرائيلية المسيطرة، في الليكود احتفل الشرقيين، والاثيوبيين، واللوطنيين، سارة نتنياهو ايضا (والقبلة الوحيدة العلنية في تاريخ اسرائيل بينها وبين نتنياهو) عبرت عن لحظات لا تنسى في ذلك المساء الاحتفالي، الذي كان مثل العظمة في حلق ضبط النفس والتواضع للحزب الخصم.
ان كانت المغنية دانا انترناشيونال رمز الفخر الاسرائيلي ـ شخص شرقي تحول لامرأة، التي تحولت إلى ببغاء في فستان جان بول جوتييه ـ فان حزب السلطة المحافظ قد اثبت انه يجسد تيارات التآمر التحت أرضية للثقافة الاسرائيلية، الليكود الذي يمثله منذ سنوات طويلة نتنياهو الآخذ في الكبر بالسن، سلفان شالوم الصدفي وبيني بيغن الذي عاد من السدة، أظهر تآمر سياسي. حزب العمل بالمقابل يمثل الانتاج المر للخجل. انه حزب غير اسمه من «المعراخ» لـ «العمل» لـ «اسرائيل واحدة» ومن «اسرائيل واحدة» إلى المعسكر الصهيوني»، انه حزب يخجل من اسمه، يخجل من اليسار، ولا يساهم في بلورة القناعات والمواقف السياسية لليسار.
إن هذا الحزب قد نسي العرب، وجمهوره تركه في المرة الوحيدة التي ترأسه شرقي، وفي حكومته الاولى عُين بخور شتريت الشرقي وزيرا للشرطة، وفي حكومته الاخيرة عُين لهذا المنصب موشيه شاحل الشرقي، وبهذا نجح في انشاء تقليد عنصري وعدم الحركة في السياسة الاسرائيلية.
حزب العمل، المسؤول الاول عن اخطاء المؤسسة الاسرائيلية على أجيالها (الجميع يعرف من الذي احتل واستوطن وطرد)، لم يتعامل بشكل انتقادي مع نفسه لذلك اضطر إلى الاختباء عميقا في موقف غير سياسي. إن هذا الحزب هو اضافة صبيانية للاخفاء والطمس وليس تحمل المسؤولية والريادة.
حلقة الانقياد الاعمى هذه للهوية الاسرائيلية وجدت تعبيرها مع تحويل اولاد الشموع في الفترة التي سادت فيها حكومة نتنياهو الاولى، في شباب الخيام لحكومة نتنياهو الاخيرة. الاحتجاج يدور في حلقة وهو يفتش عن مسار لكنه لا يجده. هو يريد شيئا يختلف عن نتنياهو لكنه يبقى خجولا وحالما ومندهشا وملتصقا بصورة الشباب الاشكناز الذين يبحثون عن التجديد والجمال.
يمكن تسمية المجتمع الاسرائيلي مجتمع مؤسس على الخجل، والخروج من الصندوق يقتصر على الميول الجنسية ـ لما كان مخبأ وخرج إلى الخارج بعيدا عن الخجل ـ والخجل العميق لاسرائيل ليس اللوطية، فقد تم تبنيها من هذه الجماعات المحافظة. فالخجل يرتبط بالقيم.
المجتمع الاسرائيلي يحلم باوروبا في حين أنه يخجل من الشرق الاوسط. واحدى طرق ملامسة ذلك هي التنكر الدائم للعبرية التي تتجدد للعربية، وبالذات الموسيقى باللغة العربية أو العبرية الشرقية. جميع الاحرف المشددة التي كانت في العبرية تم تسطيحها وتحويلها إلى عبرية بلفظ اوروبي وهي تشبه الهولندية والاسبانية.
آلاه شوحط في كتابها حول السينما الاسرائيلية تُبين كيف تم اقصاء اسماء عبرية إلى الهامش لأن حركات معينة فيها اعتبرت بربرية وقبيحة، وهكذا وجد التعبير الذي نعرفه اليوم كتعبير اسرائيلي (وليس تعبيرا شرقيا). يوني مندل من معهد فان لير ينشر حاليا كتاب شامل حول ما يمكن تسميته فشل: حقيقة أن اليهود لا يتحدثون العربية (باستثناء 2 بالمئة) في الوقت الذي يتحدث فيه العرب العبرية (92 بالمئة).
إذا توجد للغة خزانتها، والعرب في اسرائيل يوجدون في داخل خزانة. إنهم المناطق ونحن البلاد، لهم منع التجول والاغلاق. وما هو هذا إذا لم يكن ادخال إلى الخزانة؟ هذه التشبيهات التي ترعرعنا عليها في الخمسين سنة الاخيرة. الخزانة توجد في حياتنا ولهذا عندما يخرج اللوطيون من الخزانة فان عليهم التفكير مجددا في هذه العملية. واذا شعروا بالخجل من النسائية مثل الخجل من الشرقية والعربية، فانهم يبدلون خزانة بأخرى. يسهل على الليكود تبني المثليين لأنه يغلق بذلك بوابة خزانة العرب.
مع ذلك، فان المجتمع الاسرائيلي يطور الحساسية من الخجل ويفضل الفخر (التصويت القاطع مع الزوجين المثليين في برنامج «المنافسة على الميلون» يثبت ذلك).
أحد الائتلافات الثقافية المهمة في اسرائيل هو بين المثليين والشرقيين وبالتحديد بين اللوطيين والنساء الشرقيات. يبدو أن اللوطيين الشرقيين مثلا نجحوا في جسر الهوة وفي نفس الوقت الحفاظ على الهوية الجنسية الخاصة بهم والربط بين الانوثة الشرقية.
الرموز الاسرائيلية الكبيرة ولا سيما الشرقية منها هي أيقونات ثقافية في المجتمع المثلي (مرغليت سمعاني، دانا انترناشيونال، ميري فكسل، بطلة المسلسل التلفزيوني «أحاد هعام 101» وغيرهن).
التعبير الشعوري على ذلك هو احتفالات المثليين الناجحة مع توجه عربي فظ، بل واستفزازي. مثال على ذلك يمكن ايجاده في اغنية «هنا ليست اوروبا»، وهي تعاون بين عريسا وسمعاني، وقد أثارت الكثير من الصدى بسبب الانتقاد الذي وجهته لـ «احتجاج برلين» الذي يميز الاسرائيليين الذين ملوا الحياة في الشرق الاوسط ويحلمون باوروبا. المتحدثة في الاغنية تبرهن على الاوروبية الوهمية الخاصة بها: «عدتِ إلى البيت مع عطر شانيل، لكن إلى شارع بن يهودا، لا تتشوشي». يتبين في نهاية المطاف أنها «أتعرف عليك من بُعد، عميقا في الداخل، أنت ابنة الله، أنت لست من لندن أو امستردام، أنت من بات يم». أي أنه رغم التقمص على أنها امرأة من العالم الكبير إلا أنها ما زالت امرأة شعبية محافظة تؤمن من اعماق قلبها باله اسرائيل.
الاخلاق الاساسية للفخار لدى المثليين ترتكز في اسرائيل على الشرقية، حيث أن المثليين يخجلون من هويتهم ويخجلون من الاشكناز المسيطرين، ومن هنا الاغنية «مسموح أن تكون لوطي وأن تكون ايضا امرأة شرقية محافظة».
المغزى الحقيقي للخزانة هو القدرة على الخروج منها. وقد يكون هذا هو مغزى الهوية التي ليست سوى الخروج والتغير.
تتصف اللغة العربية بالقرب بين الاختلاف والتغير. كل ما يتغير هو مختلف ايضا، وكل مختلف يتغير. الحزانة هي امر اخلاقي لكل موضوع، وهي الدرس الذي يجب استخلاصه في شهر الفخار. اغنية الشاعر الوطني الفلسطيني محمود درويش تصرخ: «سجل أنا عربي»، وبهذا فهو يعبر عن الهوية. وبناء البيت القومي لليهود جاء على حساب هذه الهوية.
«أنا عربي» هو الطابو الاكبر لمجتمعنا، الذي يجب أن يستبدل الخروج من الخزانة. «أنا لوطي»، أنا عُمري، وعندي شيء لأقوله لكم: أنا كباقي الاسرائيليين، عربي.

هآرتس

 

حرره: 
م.م