على طريق التهدئة

التهدئة

جهود حثيثة تبذل بين إسرائيل وحماس من أجل منع الجولة العسكرية القادمة
سمدار بيري

علق ملثمون في يوم الاحد ليلا يافطة كبيرة على مدخل بيت القاتل حسن سلامة في مخيم خانيونس للاجئين. إلى جانب صورة سلامة الذي حكم 46 مؤبدا بسبب تخطيطه لعمليتين انتحاريتين في الحافلة رقم 18 في القدس، رُسمت ساعة. وبدلا من الأرقام وضعت أسماء الجنود الاسرائيليين الذين تم خطفهم على يد الذراع العسكري لحماس، والذين في اغلبيتهم تم قتلهم. المكان المخصص للساعة الواحدة سجل اسم آفي ساسبورتس، وايلان سعدون في المكان المخصص للساعة الثانية، ورونين كرماني في مكان الساعة الثالثة، وفي مكان الساعة الرابعة جندي حرس الحدود نسيم طوليدانو، وفي الخامسة شاحر سيماني، وفي السادسة نحشون فاكسمان، وفي السابعة ساسون نوريال، وفي الثامنة جلعاد شليط، وفي المكان المخصص للساعة التاسعة كتب اسم مقاتل غولاني اورون شاؤول، الذي قتل في عملية الجرف الصامد، والذي لا يعرف مكان قبره. مكان الارقام الثلاثة الاخيرة ـ الساعات 10، 11 و12 ـ وضعت علامات سؤال باللون القاتم، المخطوفون الذين سيأتي دورهم.

اسم الملازم هدار غولدن، ضابط في وحدة جفعاتي، الذي قُتل في الجرف الصامد وتم اختطاف جثته إلى داخل نفق في رفح، لا يظهر على الساحة. لكن رجل اعمال من غزة، تحدثت معه، قال إن هناك اتصالات من اجل اعادة جثته كجزء من اتفاق تهدئة. «في اللعبة الوحشية التي تحدث الآن، يمكن الافتراض أن الذراع العسكري يبعث الاشارات بأن الجثة ستستعمل كورقة مساومة من اجل اطلاق سراح أسرى»، قال، «يتذكرون في حماس ايضا أن غولدن هو من أقرباء وزير الدفاع موشيه يعلون، ويعرفون ايضا أنه منذ الجرف الصامد، رفض يعلون كل الاقتراحات التي صدرت من غزة».
أهمية اطلاق سراح الاسرى بالنسبة لحماس كجزء من أي صفقة مستقبلية، يمكن التعرف عليها من العنوان المسجل في بداية اليافطة: «تعهدنا بالدم، جيل بعد جيل، ولتشل أيدينا اذا تنازلنا عن الأسرى»، سلامة نفسه الذي تلطخت يداه بدم عشرات الاسرائيليين، لن يساعده هذا. ففي صفقة شليط تم تصنيفه كـ «ممنوع اطلاق سراحه»، ورغم تهديد حماس، إلا أنه سيخرج من السجن في تابوت، كما يقول مصدر أمني اسرائيلي رفيع المستوى.
«الساعة التي توجد قبالة بيت حسن سلامة تتكتك فوق رؤوس قادة حماس في القطاع والخارج، وعلى رأسهم خالد مشعل. يقول البروفيسور مخيمر أبو سعدة، محاضر في العلوم السياسية في جامعة الازهر في غزة «على خلفية الشائعات حول صفقة التهدئة بين اسرائيل وحماس، فان علامات السؤال الثلاث جاءت لتقول إن هناك خيار آخر، ويمكن أنهم يُعدون لنا المفاجآت».
ومن اجل منع مفاجآت كهذه وتأجيل المواجهة القادمة بقدر الامكان، فان هناك شخصيات رفيعة تعمل من وراء الكواليس: الدبلوماسي القطري محمد عمادي، رئيس لجنة اعمار غزة الذي يعمل باسم وتكليف من أمير قطر الشيخ تميم؛ نيكولاي ملدانوف، وزير الخارجية البلغاري الأسبق، المبعوث الشخصي لرئيس الامم المتحدة للشؤون الفلسطينية؛ موسى أبو مرزوق، النائب السابق لخالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحماس؛ الجنرال يوآف مردخاي، منسق الاعمال في المناطق.
خلال زيارته في الدوحة في الشهر الماضي، كشف لي موظف رفيع المستوى في وزارة الخارجية القطرية عن أنه توجد لقاءات سرية بين الجنرال الاسرائيلي والوسيط القطري. «عمادي حل ضيفا عند يوآف في اسرائيل مرتين ـ ثلاث. والتقى يوآف مع عمادي مرة اخرى في احدى الدول العربية»، هذا ما كشفه الموظف القطري. «في هذه اللقاءات تم التوصل إلى تفاهمات حول الحاجة الملحة لاعمار غزة، وعلاج الشؤون الانسانية ومنع الجولة العسكرية القادمة. كان مهما لنا التوضيح للجنرال بأننا نريد المساهمة في اعمار غزة وعدم تمويل الإرهاب. لا أحد يريد صواريخ على اسرائيل. حماس ضعيفة ومتعبة».
يتضح الآن أن الرسائل حول رغبة قيادة حماس (السياسية وليس العسكرية)، هي تبني التهدئة بعيدة المدى مع اسرائيل. هذا ما صدر من غزة بعد شهرين من الجرف الصامد. في المرحلة الاولى كانوا رجال اعمال محليين سُمح لهم الخروج من القطاع والدخول إلى اسرائيل، تم اختيارهم لنقل الرسائل الضبابية، لكنه تم تجاهلهم في الطرف الاسرائيلي.
بعد شهر تم اعطاء هؤلاء الوسطاء «خطة الشروط العشرة» لوقف اطلاق الصواريخ، وقد تم صياغة وثيقة حول التهدئة المتدحرجة «مدة عام» والقابلة للتمديد خمسة اعوام اذا استجابت اسرائيل لمطالب حماس. مصدر اسرائيلي قال إن حماس تدرس هذا الامر بشكل منظم.
«وضعت خطة لاعادة بناء الاحياء المدمرة، تحدثوا عن الضائقة واليأس عند من لا منازل لهم، وقدموهم كطاقة كامنة ووضعوا قائمة لمصادر التمويل. واضافة إلى ذلك طلب اقامة مطار وميناء وفتح المعابر إلى مصر واسرائيل دون قيود».
المحاولة الثانية رفضت ايضا من مكتب رئيس الحكومة والكرياه في تل ابيب. لكن المصدر الاسرائيلي يقول إن حماس لم تتراجع عن ذلك. «لقد بدأت باحاطة كل دبلوماسي غربي وكل شخصية اجنبية زارت القطاع، وتوجهت إلى الاتحاد الاوروبي ومبعوث الامم المتحدة، وعملت على تعديل قائمة الشروط العشرة، وطلبت من الوسطاء القول لاسرائيل: اذا لم تردوا بالايجاب، لا يمكن وقف الجولة القادمة من المواجهة العسكرية».

خضار وفواكه من غزة

في هذه الاثناء، وبعد أن بدأت اسرائيل بفتح الاغلاق بالتدريج (خرج في الاسابيع الاخيرة من القطاع نحو ألف شخص يوميا)، وبعد أن حصلت قطر على الموافقة لنقل الاموال والأدوات إلى القطاع، وبعد أن حصل نحو 92 ألف شخص من غزة على مواد البناء ـ وسجلت على اسمهم لمنع نقل هذه المواد لبناء الانفاق الإرهابية ـ الجانب الاسرائيلي مصمم: «لا مفاوضات، مباشرة أو غير مباشرة. لا يجب الجلوس وانتظار الاتفاق».
الهدوء يسود أكثر. «حماس تمنع المنظمات الإرهابية من التحرش باسرائيل»، يقول المصدر رفيع المستوى. «واسرائيل تكافئها بالربط مع الغاز الاسرائيلي ومشروع التحلية. تم وضع انبوب آخر للمياه، وخط كهربائي اضافي من اسرائيل».
في يوم السبت الماضي خرج أبو مرزوق من غزة إلى قطر لاطلاع خالد مشعل على المستجدات وعرض الوثيقة التي صاغها الوسيط البلغاري ملدنوف. وليس هناك أي بصمة اسرائيلية على الوثيقة التي تتضمن آخر اقتراحات التهدئة. الحديث لا يدور عن تهدئة لمدة خمس أو عشر سنوات كما نشر بل عن معادلة اخرى: أعطونا وقف اطلاق نار كامل من غزة وستحصلون على رفع تدريجي للاغلاق من اسرائيل ومصر وامتيازات اقتصادية منها تصدير الفواكه والخضار إلى اسرائيل على حساب الضفة الغربية. وكلما صمد هذا الحل على ارض الواقع، كما يقول ذلك المصدر، فانه يمكن تمديده ومنح الغزيين امتيازات بسبب «حسن السلوك».
أهم أسس التهدئة على طريق الاتفاق هو اقامة مطار في غزة. في هذا السياق يجب التمييز بين القيادة السياسية لحماس في غزة التي تبحث عن قنوات تؤدي إلى قصر الملك سليمان في السعودية ومكتب الرئيس السيسي في القاهرة، وبين الذراع العسكري المصمم على الصلة مع إيران. وقد تحدثوا في الذراع العسكري أنه لن تكون «تفاهمات» أو «اتفاقات» طالما أن اسرائيل تعترض على اقامة الميناء البحري في غزة وترفض اطلاق سراح أسرى حماس. من غير ميناء ليس هناك ما نتحدث عنه. وفي المقابل يقول ضابط رفيع المستوى في الجيش الاسرائيلي: «ميناء؟ لم نصب بالجنون بعد. في هذه المرحلة لن يحدث هذا».
اذا تم الاتفاق مبدئيا على اقامة ميناء، فيتوقع أن ينشأ خلاف حول الرقابة عليه حتى لا يتحول إلى قناة اساسية لتدفق السلاح إلى القطاع. حماس تقترح رقابة حلف الناتو بتنفيذ قوة تركية (تركيا عضو في الناتو). اسرائيل لن توافق على التدخل التركي، وهي ستصمم على أن تكون هي المسؤولة عن الرقابة والمتابعة من خلال «أعين الكترونية» على كل ما يخرج من ويدخل إلى ميناء غزة، كما يحدث في المعابر الاخرى.
«صحيح أن الطرفين، اسرائيل وحماس، يريدان منع الجولة القادمة من المواجهة»، يقول مراقب اجنبي يتابع تبادل الرسائل بين القدس والكرياه في تل ابيب، القاهرة، الدوحة، اسطنبول ومكتب رئيس الامم المتحدة في نيويورك. «لكن رغم التقارير والشائعات، ليس مضمونا نجاح هذا الامر». حسب تقديره حتى اذا تم التوصل إلى تفاهمات فمن الصعب تحقيق الاتفاق. «ليس هناك سبب للطقوس والاحتفالات»، يقول المراقب الاجنبي. «ستستمر اسرائيل في اعتبار حماس منظمة إرهابية، وحماس بدورها لا تنوي الاعتراف بوجود دولة اسرائيل».
تحدثت مع مصدر اسرائيلي ووجدت أنه أكثر تفاؤلا: «حماس تبذل الجهود الكبيرة الآن لمنع المنظمات الفاعلة من الاطلاق ضد اسرائيل، واسرائيل تزيد كمية مواد البناء لاعمار غزة، وتزيد تصاريح العبور من غزة إلى الضفة. نحن نعمل تحت عنوان «المساعدة الانسانية» و»تحسين مستوى الحياة» في أعقاب الدمار الذي تسببت به عملية الجرف الصامد. وبفضل التفاهمات قام مبعوث قطري بنقل ملايين الدولارات لدفع الرواتب واقامة حي جديد يشمل 48 مبنى متعدد الطبقات، سيسمى باسم الشيخ حمد آل خليفة، والد الزعيم القطري.
حسب هذا المصدر الاسرائيلي، «حماس دخلت في حالة من الفوضى بسبب احتمال حصول داعش على الدعم والتأييد في القطاع. والعلاقة بين حماس ونظام السيسي في مصر وصلت إلى درك أسفل. في الايام الاخيرة فقط قررت القاهرة رفع الضغط عن حماس، وشطب حماس (السياسية) من قائمة منظمات الإرهاب. ومع شهر رمضان يفتحون معبر رفح، ومصر تعطي قيادة حماس الشعور بالمسؤولية: اذا تم الكشف عن اعمال حفر للانفاق إلى سيناء وتسلل مجموعات إرهابية، سيتم اغلاق كل شيء من جديد».

نقاشات التهدئة في المقاطعة

في الوقت الذي يجلس فيه خالد مشعل وموسى أبو مرزوق في قطر، فان التقارير تطير من فوق رؤوسهم وتؤدي إلى اتجاهات متناقضة. «حصلنا على وثيقة»، يقول اسامة حمدان، المسؤول عن العلاقات الخارجية في حماس، وفي نفس الوقت يُقسم: «لن يكون اتفاق مع اسرائيل قبل اطلاع الفصائل الفلسطينية عليه». نبيل أبو ردينة، المتحدث باسم أبو مازن، يحاول اقناع الجميع بأن فتح لا تعارض التهدئة، لكنها ترفض عمل حماس من تحت الطاولة ومن وراء ظهر أبو مازن. وفورا يتلقى مكالمة من القيادي في حماس، احمد يوسف، الذي يدعي أن «أبو مازن يشوش عن قصد عملية اعمار غزة». ويقترح عليه أن يستقيل ليحل مكانه من هو أصغر سنا وأكثر كفاءة.
في يوم الثلاثاء ليلا تم الاعلان عن قرار أبو مازن حل حكومة الوحدة الفلسطينية. هذه الحكومة لم تعمل، لكن حلها جاء ليعكس خيبة الأمل والغضب لدى رئيس السلطة. وقد ألغى أبو مازن زيارته إلى غزة، وحماس أعلنت أنها لن توافق على وضع اجهزة السلطة الامنية في المعابر. كلما وقفت غزة من جديد على أقدامها، بتمويل من قطر ودفعة من اسرائيل، فان المقاطعة في رام الله ستضعف. «سيقيم أبو مازن الآن حكومة الموالين له، ويطرد كل من هو مقرب من حماس». كما يقول أحد الهامسين في أذن الرئيس الفلسطيني.
«الحياة في غزة تسير في ظل شبهات قوية»، قال البروفيسور أبو سعدة. «نشتبه بمصر أن تغلق معبر رفح، لأنه لا يهمها كثيرا أن تكون خط الخروج الدائم لمليوني شخص من غزة. ونشتبه بأبو مازن أن يشوش نقل رواتب 30 ألف موظف في القطاع. ونشتبه بنتنياهو أن لا يبذل الجهد لتحقيق اتفاق التهدئة، تماما كما لا يبذل الجهد أمام أبو مازن في رام الله». فوق كل ذلك، هناك تساؤل كبير: كيف يمكن الحفاظ على التهدئة وفرضها على الاذرع العسكرية والمليشيات في غزة؟ ما الذي سيهديء كتائب عز الدين القسام؟ ما الذي سنقترحه بدون اطلاق أسرى حماس؟ وبدون اتفاق، فقد تحقق تفاهم واحد بين غزة والقدس: اعادة القاهرة إلى الصورة. فاسرائيل تعتمد على السيسي وتعرف كيف سيعامل حماس. وهي تفضل استبعاد قطر واخراج إيران من الصورة، في أسرع وقت ممكن.

يديعوت 

سمدار بيري

 

حرره: 
م.م