المستوطنون أيضاً يريدون السلام

مستوطنات

الرغبة في الاتفاق تقربهم من الدولة وعدم الوصول إليه يبقى على الاستيطان
 

بقلم: اساف هرئيل

كيف يمكن تقديس الدولة وفي نفس الوقت الاستيطان على العكس من صلاحياتها؟ هذا هو احد الأسئلة التي طرحت خلال البحث الانتروبولوجي الذي قمت به في أوساط المستوطنين من الصهيونية الدينية.

ان اقامة دولة اسرائيل من وجهة نظر الصهيونية الدينية هو حدث مؤسس في عملية الانبعاث، والحاخام كوك كتب ان دولة إسرائيل هي «اساس كرسي العالم» صحيح ان قدسية الدولة تزعزعت في أوساط الجمهور الصهيوني الديني في أعقاب اتفاقيات اوسلو وخطة الانفصال، والتي تسببت بنشوء توتر بين الموقف الايديولوجي للدولة وبين افعالها الحقيقية، ومع ذلك فان رؤية الدولة كمؤسسة مهمة عميقة دينيا، بقيت قوية بالذات لدى التيارات الرسمية للصهيونية الدينية.
ايام السبت والاعياد، وايضا بيوم القدس والاستقلال، معظم رجال الصهيونية الدينية يصلون من اجل سلامة الدولة، هذه الصلاة تحددت بعد اعلان الاستقلال من قبل الحاخامات الرئيسيين وشارك في كتابتها أيضا الكاتب شاي عجنون، وكتب في هذه الصلاة ان الدولة هي «بداية نشوء الانبعاث» ويطلب المصلين من الله ان يبارك الدولة، ويحل عليها السلام.
نظرا لان السلام هو خاتمة الانبعاث، يطرح سؤال آخر: كيف يمكن السعي للسلام وفي نفس الوقت اقامة المستوطنات؟ مراسيم الاستقلال التي حدثت في ألون شافوت عام 2011 اظهرت العلاقة بين المستوطنات وبين الدولة والسلام. الون شافوت التي تقع في غوش عتصيون هي مستوطنية دينية وحكومية. حيث يتضامن سكانها مع الدولة ويرون انفسهم تجسيدا لها.
بالاضافة إلى البعد الديني الروحاني، لهذه النظرة تجاه الدولة، هناك ايضا اسباب عملية. مثلا التقارب التاريخي بين سقوط غوش عتصيون وبين اعلان الاستقلال، حيث تحول ذلك إلى مركب اساسي في قصة التضحية والانبعاث الاسرائيلي، وعليه فان «العودة» إلى غوش عتصيون بعد حرب الايام الستة 1967 جسدت ليس فقط الطموح الديني بالعودة إلى عرش الوطن التوراتي، وانما ايضا الطموح الصهيوني بالعودة إلى المكان الذي سقط خلال معارك 1948، عموما يميل سكان الون شافوت إلى رؤية أنفسهم سكان مناطق زراعية وليس مستوطنين.
وهذه الهوية الذاتية نابعة من تعريف الون شافوت كقرية زراعية جماهيرية. وتعتمد على رؤية سكانها لانفسهم انهم مختلفون عن المستوطنين، قصتهم تتقاطع مع قصة الدولة وليس مع غوش ايمونيم.
من أجل المراسيم المذكورة أعلاه قبل اربع سنوات، تم تجميع مئات السكان في باحة الكنيس الجديد، انارة خاصة لونت جدران الكنيس بالازرق وبشكل يتناسب مع هذا اليوم القومي. وكان الجمهور على ما يبدو منفعلا جدا. ورغم اهمية الامسية، كانت هناك الكثير من التمتمات، في العرافة كان رجل كبير في السن وشابة فتية، ظهروا محرجين بسبب هذه الاجواء ووجدوا صعوبة في البداية بالنظر إلى الجمهور، واشتملت المراسيم على مزايا اسرائيلية نموذجية، غناء «ماذا ابارك» وايضا «نسيج انساني» و«مضطرين بالاستمرار في العزف» كجزء من العرض الذي عكس تجربة فقدان الاحبة، اضيئت شعلة وكرم من سقط من ابناء القرية الزراعية. وكان ايضا معنى ديني للاحداث.
صلاة «يتذكر» اضيفت اليها اقتباسات الحاخام نحمان من برسلاف ومقاطع من كتاب يشعياهو تمت قراءتها. بعد ذلك رفع العلم لكنه رفض الارتفاع حتى النهاية، واستمرت المراسيم والعلم مرفوع نصف المسافة لفترة من الوقت.
بعد حديث التوراة المختصر ظهر عشرات الاولاد من الروضة الالزامية وغنوا «انا ولدت للسلام الذي سيأتي/انا ولدت للسلام الذي سيظهر/ انا اريد/ أنا اريد ان اكون فيه». هذه الاغنية تعكس التوق الكبير للسلام، توقف سلبي يحول السلام إلى شيء متوقع ومنتظر ـ ليس أمرا يستدعي عمل شيء معين من اجل تحقيقه. وهكذا، وامام جمهور منفعل، جيل شاب آخر من الاسرائيليين تربى على حلم السلام، الذي ينفي حقيقة وجود دور لاسرائيل في ظل غياب السلام.
مع انتهاء عرض السلام عرض فيلم عن تاريخ تلة الحيش، البؤرة الصغيرة لالون شافوت، والذي يحافظ على روح الطلائعية التي ضاعت مع البرجزة وتأسيس المستوطنة الام. يبدأ الفيلم بفترة الاباء قبل 4000 عام، ويستمر إلى معارك 1948 ويصل إلى عام 1998 ايام اقامة البؤرة الاستيطانية وفي الخلفية مقاطع من الارشيف العملياتي لـ «السور والبرج» لفترة الانتداب البريطاني حيث خضوع اسرائيل لسلطة غريبة.
في سياق الفيلم شهادات محلية تهلل للافعال الطليعية، والتحريض على الدولة: «نتنياهو موجود في واي بلانتيشن» و «النقاش هو اسلوب». زمبيش يتصل ويقول: «اسمع، اذا لم تصعدوا هذا الاسبوع لا اعرف متى تستطيعون الصعود» ويضيف: «عملنا بالظلام الدامس.. وفحصنا حتى متى يختفي القمر ويمكن العمل في الظلام» يوم الاحد، إلى أن استفاق الجيش، بعد يوم السبت الساعة12، وبدأوا يفهمون ما الذي حصل حيث كنا في «حيش».
بعد عدة شهادات اخرى من قبل سكان البؤرة الاستيطانية، جاء دور رئيس مجلس محلي غوش عتصيون منذ 2012، دافيدي برل، «عملنا في الليالي».
قال الشخص الذي اصبح فيما بعد رئيس مجلس محلي: «شهر، شهرين، ثلاثة ـ ليلة وراء الاخرى، كانت هنا الشرطة والجيش وبحثوا عنا، احيانا اعتقلوا واحيانا اوقفوا العمل، لكننا كنا مواظبين حتى اصبح هنا ذات صباح 40 كرفان فوق التلة، اما الباقي فهو تاريخ، انظروا ماذا يوجد هنا اليوم».
بعد الفيلم استمرت المراسيم بالرقص والاغاني والتلويح بالاعلام، وانتهت بغناء هتكفا ومفرقعات وتمنيات «الانبعاث الكامل والعيد السعيد».
بعد المراسيم بأيام تحفظ بعض السكان وكجواب على اسئلتي، من الجوانب الغير حكومية في الفيلم، لكن تحفظهم جاء ردا على الاسئلة وبقي شخصيا. لم يفكر احد بالرد على ذلك علنا. كيف يمكن اذن ملائمة الطريقة الحكومية التي تقدس الدولة، مع استعراض قوة فظ يستهتر بصلاحياتها؟
نظرا لان معظم سكان الون شافوت يرون أنفسهم تجسيدا للدولة، فان تقديسها بالشكل المثالي يعني الاستمرار بالاستيطان في الوقت الذي هي لا تستطيع ذلك، وهم متأكدون انهم لا يعملون ضدها. على العكس ـ يساعدونها ويشكلونها على شاكلتهم. بالاضافة لذلك على المستوى الاكثر تأسيسا فان الوصفة تعمل، وقد صادقت الدولة بأثر رجعي احيانا بعض المستوطنات، وفاعلية الطريق هي دليل على صحتها. من خلال فرض حقائق على الارض نجح الاستيطان بتحويل المؤقت إلى الدائم واحداث تغيير تاريخي.
ماذا عن السلام الذي هو الهدف النهائي للانبعاث؟ كيف يمكن السعي للسلام والاستيطان في نفس الوقت؟
الحقيقة ان السلام مرتبط سياسيا بفقدان أرض وسيطرة، تحول تحقيقه إلى مسألة مهددة وغير مرغوب بها. كما ترجم السعي المسيحاني اليهودي إلى ان جاءت الطلائعية الصهيونية بالذات للجانب الروحاني. السلبي، هكذا ايضا السلام الذي هو مهم لكنه خطير. ومن الافضل ان يبقى السلام رمزيا ودون تحقيق، فابداء الرغبة بالسلام هو التعبير عن عدم الحاجة إلى السلام. من هذه الناحية تجسد سكان الون شافوت الدولة: من الاسهل والاكثر أمنا ان ترغب بالسلام بدلا من ان تصنع السلام.
في هذه الايام، حيث تراجع حوار السلام، نحن بحاجة إلى طلائعية حقيقية، تحيي وتجدد مبدأ السلام، وتعمل من اجل تحقيقه. مع النظر إلى واقع غير سهل. سواء خارج «المستوطنات» او بداخلها. الظاهر ان المستوطنات لن تتلاشى، ما العمل اذن؟ أولا يجب الاعتراف بالوضع القائم، ومن المؤكد ان السلام سيبقى كحلم.

هآرتس

 

حرره: 
م.م