على كفة الميزان

على كفة الميزان

زمن برس، فلسطين: «فقط الا بيبي!»، «إما نحن أو بيبي!»، «إما بيبي أو هم!» تملأ مثل هذه الشعارات الفضاء الان.
منذ بداية عصر التلفزيون، فقدت الافكار قوتها. فلا تستطيع الشاشة الصغيرة ان ترينا مفاهيم كالاشتراكية، الفاشية أو الديمقراطية. فهي ترينا «رؤوس تتحدث». ولهذا السبب تتركز السياسة الان كلها حول الناس. يبدو وكأن الانتخابات الحالية تتركز كلها حول مسألة بسيطة واحدة: بيبي ـ نعم أم لا؟.
حسن أن برزت قضية جائزة اسرائيل لتذكر بان هذا خطأ. خطأ مصيري. على كفة الميزان يوجد الكثير، الكثير جدا.
مع رئيس الوزراء تنتخب ايضا تشكيلة الحكومة. يتقرر من سيكون وزير الدفاع، وزير المالية، وزير العدل وغيرهم. وينتخب (بشكل غير مباشر) المدراء العامون والموظفون الكبار. وينتخب (بشكل غير مباشر جدا) رئيس الاركان، المفتش العام للشرطة، المستشار القانوني للحكومة ومراقب الدولة. كما ينتخب ايضا الفائزون بجائزة اسرائيل. تؤثر الحكومة على تشكيلة لجنة انتخاب القضاة في محكمة العدل العليا وتعيين رئيسها (انظر قضية غرونيس).
مع بيبي تأتي ميري ريغف، المرأة واسلوبها. تأتي كل عصبة الاكونيسيين، الاردانييين، اللفينيين، والحوتوبيليات، مع مشاريع القوانين المعربدة، التي تدفن الديمقراطية. كما يأتي ايضا رجال الهوامش الفاشيون، الكهانيون، العلنيون والخفيون. وحتى هذه هي قائمة جزئية جدا. فعلى كفة الميزان يوجد الكثير، الكثير جدا.
يوجد السلام (اذا كان مسموحا لنا أن نذكر هذه الكلمة الفظة). السلام، ليس كمفهوم مبسط، بل كموضوع عملي جدا: اذا كان الابناء والاحفاد سيعيشون او يموتون في حملات عابثة عديمة الغاية. اذا كانت مدننا وقرانا ستكون عرضة لمئات الاف الصواريخ التي حولنا. اذا كانت رعنانا ستبدو مثل غزة اليوم.
على كفة الميزان يوجد شريان الحياة الذي يربط الدولة بالولايات المتحدة ـ حاجة وجودية، طالما استمر النزاع بين دولة اسرائيل وبين العالم العربي والإسلامي.
توجد عليها المستوطنات، دولة الابرتهايد، الحرب الخالدة («لا شريك»). توجد الفجوة الاقتصادية والاجتماعية، الفقر المدقع لقسم كبير من السكان، عربدة الفساد لاصحاب المال، النقص في الشقق للشباب، غلاء المعيشة، التكافل الذي كان ذات مرة لدينا، الرحمة.
على كفة الميزان توجد الثقافة العبرية الجديدة (جائزة اسرائيل) وجيل كامل تجعله آلة التعليم لحم للمدافع. توجد ايضا العلاقات التي بين مواطني الدولة وبين أنفسهم ـ الشرقيون والغربيون، يهود وعرب، نساء ورجال، قدامى ومهاجرون جدد. وباختصار: على كفة الميزان يوجد طابع دولة اسرائيل على مدى الاجيال. طابع الدولة التي نريد ـ او لا نريد ـ العيش فيها. نريد ان نخلفها للابناء والاحفاد. ليس أقل.
امام هذا الحسم المصيري، يتقزم ويصبح سخيفا الصراع الخاص بين بيبي وبوجي. والحسم هو بين دولتين مختلفتين. الدولة العنصرية، الضامة، الابرتهايدية التي يحلم بها اليمين المتطرف ويدفعها إلى الامام كل يوم وكل ساعة، او الدولة المنفتحة، الانسانية، الديمقراطية، التي حلم بها هرتسل وجابوتنسكي، وايزمن وبن غوريون، ليس أقل. كل هذا يكمن في بطاقة الورق الصغيرة، التي أنا وأنتِ وأنتَ ندفعها إلى داخل صندوق الاقتراع، احيانا بخفة رأي، دون تفكير زائد، فقط كي نؤدي واجب مبسط ما.
وعليه، أولا، هيا نصل جميعنا إلى صندوق الاقتراع، وبعد أن نصل، نتردد للحظة خلف الستار. نقف صامتين. نأخذ نفسا عميقا. نفكر مرة اخرى. وكأن كل شيء يتعلق بي، وبي فقط، يتعلق مصير الدولة بأسرها.
ليس لنا دولة اخرى.

هآرتس
أوري افنيري