قبيلة اسمها الليكود

نتنياهو

في طفولتي كنت نصيرا متحمسا لفريق كرة القدم «هبوعيل رمات غان». صرخت بأعلى صوتي في كافة ملاعب الفريق. عندما كنا نسجل هدفا، كانت روحي ترفرف إلى مستويات عليا من السعادة الروحية. اذا دخل في مرمانا هدف كان قلبي يرزح تحت ثقل وكأنني شاهدت تفسيرات النبوءة الاربع للكارثة التي تخيم على الملعب في غفعاتايم. بعد ذلك قل اهتمامي بكرة القدم. وصارت الالعاب تبدوا لي عديمة الجدوى ومرفوضة إلى حد ما، وخصوصا عندما أنظر إلى الجمهور المستثار، والذي انتميت إليه ذات مرة. فريقي احتل مكانا عديم القيمة في مكان ما من الفئة الثانية، ولم اعد احفظ اسماء لاعبيه ومدربيه، وتحول إلى ذكرى بعيدة. ومع ذلك، بعد نهاية اسبوع من اللعب، فإن المعلومة الاولى التي افتش عنها في الجريدة تتعلق بمصير فريقي: هل تغلبنا على فريق «هاكوح حيلزون» ام هزمنا لا سمح الله، امام «مكابي شبلوليا»، والذين سرقوا منا الفوز جزافا لان الحكم كان إبن زانية.
هذه الظاهرة الغريبة يدعونها الانتماء القبلي. هذه عصبية ليست ذات ارتباط بشيء اي كان. مضمون الفوائد القبلية، إذا وجد شيء كهذا، لا يقدم ولا يؤخر. هذا ولاء يستندعلى مشاعرالانتماء، وليس على عدالة الطريق. فيما مضى عبر ابناء القبيلة الواحدة عن انتمائهم من خلال وجود أب قديم مشترك، أمَّن لهم أواصر القربى، وفي حالة غياب أب إنساني، حل مكانه حيوان (طوطم). القبلية هي الظاهرة المشتركة لكافة الثقافات القديمة. اما المجتمعات المعاصرة فقد غيرت دوافعها عبر التكتل في مجموعات من مؤيدي الفرق الرياضية، وكهنة الدين، او تتبع شخوصا كاريزمية. الرغبة في الانتماء تشير إلى افضلية التطور التي تنص على العيش ضمن مجموعات.
حزب الليكود هو نوع من القبيلة، لقد فاز في الانتخابات وسوف يفوز مجددا طالما لم يغير منافسوه اسلوبهم الدعائي. ذلك أن الليكود نجح في منح ناخبيه مشاعر الانتماء. لم اسمع ابدا شخصا ما يقول انه انتخب الليكود لانه متأثر من سياسات نتنياهو الاجتماعية. مقابل ذلك سمعت عشرات التصريحات التي تقول «انا ليكودي بالدم». هذا انتماء، يا أهبل، وليست سياسات.
لذلك، القول بأن إدارة مقرات رئيس الوزراء وسارة نتنياهو سوف تترك اثرا على الناخبين هو مثل يؤثر بي القول ان لاعب الفريق المفضل لدي تهرب من ضريبة الدخل.
هل هذا كاف كي اكف عن الاهتمام بفريقي؟ ما العلاقة بين هذا وذاك؟ ذات الامر يحدث في القضايا الاكثر جدية: هل وصل الوضع السياسي للدولة درجة من الانحطاط لم يسبق له مثيل؟ صحيح. وماذا يعني؟ هل نسبة كبيرة من سكان الدولة يعيشون تحت خط الفقر بمن فيهم الأولاد، في حين أن السياسة الحالية لا تفتح أمامهم حتى ولو شقا من الامل؟
هزة خفيفة في الجناح. هل وسائل القتال الحديثة تتسرب إلى ايدي اعدائنا وتعرض فرص بقائنا في ميدان القتال المستقبلي للخطر، ولهذا فإن املنا الوحيد موجود فقط في السلام؟ هل هذا كلام جاد؟ كل شيء سيكون بخير. الضغط الخارجي لرئيس الولايات المتحدة باراك اوباما أو أي كان غيره لن يغير نتائج الانتخابات. الضغط على الفريق المتحكم داخل الليكود سيؤدي فقط إلى رص الصفوف. صدق نتنياهو، من وجهة نظره،عندما قرر الذهاب إلى واشنطن لتلقي البصاق.
كي نفك العلاقة بين قيادة الليكود وبين ناخبيه لا يجب ان نسير في طريق العقل، ولكن في طريق العاطفة. لا داعي للإشارة في كل مرة إلى فشل الحزب على وجه التقريب في كافة المجالات. الخطوة الاولى يجب ان تكون دراسة المسيرة التي دفعت كل هذا الجمهور من بيت اسرائيل كي يلتف حول الليكود، وارتبطوا معه بروابط الانتماء. في اعتقادي بأن الخطوة الحاسمة تغذت من شعور التمييز، والذي ولد في زمن حكم ماباي التاريخية. فالتضامن الذي وجد طريقه نحو الليكود ليس تضامنا لاناس قوميين. فعلى الرغم من ان الليكود حزب قومي، وقادته شديدو القومية، لكن الناخبين القوميين الحقيقيين يتسربون خارجه، إلى الحواف المؤيدة للفاشستية.
تضامن المضطهدين لا يحمل كذلك طابعا توراتيا. يوجد لليكود طابع توراتي، صحيح، لكن البذرة الصلبة للأصولية الدينية تجد لها بيوتا اكثر دينية خارج الليكود. الشخصية الانسانية لمؤيدي الليكود هي شخصية انسان عادي عزَّ عليه ان المجتمع تنكر له واحتقره، وهكذا ولد لديه الشعور ـ غير الصحيح ـ بأن صعوباته جاءته من الآخرين، الشبعانين، الماباينكيم، النخبة، أولئك الذين لهم كافة طيبات البلاد ولا يريدون مشاركة احد.
لكن الحياة عبارة عن عجل يدور وهناك ما انعكس: الليكود المعاصر هو ماباي التي كانت ذات مرة. زعاماته «اشكنازيم لطفاء»، ينظرون إلى بسطاء الشعب باعتبارهم خطرا ثقافيا. على رأس الحزب يقف شخص لا يخجل من طلب ان يبنوا له غرفة نوم في رحلة قصيرة بالطائرة إلى لندن، وبتكلفة كان بوسعها اعالة الله أعلم كم عائلة. شركاؤه الإئتلافيون يخضعون للتحقيقات بتهم سرقة أموال الجمهور ناهيك عن التشهير. الليكود تحت زعامته تحول إلى زمرة من لاحسي بوظة الفستق، هم بذلك يعكسون صورة مرآه مشوهة لمجموعة عجائز ممن يجبرون على الاختيار بين الطعام والدواء، وأمهات خارج الزواج يائسات، والاهمال التام في منظومة الصحة والتعليم والرفاه الاجتماعي. يدفعون كي يحصلوا عليها من احترامهم الانساني، في أملهم بحياة طيبة وبالدم. لقد ان الاوان لبناء حلف مظلومين جديد.

٭ بروفسور عضو مركز فدرمان لابحاث العقلانية في الجامعة العبرية
هآرتس
أورئيل بروكاتشيا٭