التهديد الوجودي الجديد

التهديد الوجودي

يشعر معظم الاسرائيليين ـ وعن حق ـ بان التهديد الوجودي الحقيقي الذي يحوم فوق رؤوسهم هو أسعار السكن. وبالفعل، فان دولة غير قادرة على أن تسمح لشبابها بشراء شقة معقولة بثمن معقول هي دولة مفلسة.
السؤال من هو المذنب أكثر ـ ايهود اولمرت، بنيامين نتنياهو، يئير لبيد او اوري ارئيل ـ ليس سؤالا مثيرا للاهتمام. السؤال هو كيف يحتمل ان قرابة عقد من الزمان لم تتمكن الساحة السياسية من مواجهة مشكلة اساسية يعرفها الجميع ويشعر بها الجميع.
السؤال هو لماذا لم تنجح اسرائيل السمينة والشبعة لسنوات الالفين في أن تعمل ما عملته اسرائيل الجوعى للخمسينيات ـ ان تبني لمواطنيها مئات الاف الشقق. خلافا للتقرير السابق لمراقب الدولة، فان تقريره الحالي هو تقرير هام جدا يعنى بموضوع حرج. والحكومة الجديدة التي ستقوم هنا قريبا ستكون ملزمة بان تبادر إلى مشروع وطني يقدم جوابا شاملا وجذريا لازمة السكن.
يشعر بنيامين نتنياهو ـ وعن حق ـ بان البرنامج النووي الإيراني هو التهديد الوجودي الذي يتعين على اسرائيل أن تخاف منه. لقد كان نتنياهو من اوائل من فهموا بانه اذا ما تحولت إيران إلى نووية فانها ستلقي بظلال جبارة على مستقبل اسرائيل ووضع النووي الإيراني في رأس جدول الاعمال الامني والدولي. والخيار العسكري الذي دفعه إلى الامام كان بقدر لا بأس به نجاحا سياسيا: فقد أجبر الغرب على اتخاذ سياسة حازمة تجاه إيران في عامي 2011 ـ 2012.
ولكن، بعد ست سنوات من دخول نتنياهو مكتب رئيس الوزراء، فان السطر الاخير هو الفشل. فلما لم يكن نتنياهو سخيا في الموضوع الفلسطيني وسحق الشرعية الدولة لاسرائيل ـ فان العالم لم يعد ينصت لاقواله الصحيحة في الموضوع الإيراني. ولما لم ينجح نتنياهو في العمل مع الادارة الامريكية بل عمل ضد الادارة الامريكية ـ فان الادارة الامريكية تفضل اليوم طهران على القدس. ليست إيران هي المنعزلة ـ بل اسرائيل.
والسبب في ان رئيس الوزراء يوشك على القاء خطاب تحذيري ويائس في الكونغرس الامريكي هو انه نفسه يعرف بانه خسر في اللعبة. عندما تكون القوة العظمى الشيعية هي قوة عظمى على حافة نووية يرحب رئيس الولايات المتحدة بها ـ فان التهديد الإيراني حقيقي، قريب ويجمد الدماء أكثر من أي وقت مضى.
ولكن يحدق باسرائيل اليوم تهديد وجودي جديد لا يعطي لا الجمهور الاسرائيلي ولا رئيس الوزراء الاسرائيلي الرأي فيه. فمنذ تأسست حرصت الصهيونية على أن يكون لها تحالف مصالح مع قوة عظمى. بداية كانت هذه بريطانيا، بعد ذلك فرنسا، بعد ذلك الولايات المتحدة، وفي نفس الوقت حرصت الصهيونية على أن تكون تتماثل مع القوى التقدمية في العالم ـ المؤمنون بالديمقراطية، بالعدالة الاجتماعية وبحقوق الانسان.
هذان المبدآن في السياسة الصهيونية سمحا لاسرائيل بان تنشأ، تعيش وتزدهر. ولكن في السنوات الاخيرة تآكل هذان المبدآن. اسرائيل نتنياهو وبينيت تخدم اعداءنا وتسحق صخرة وجودنا: الحلف مع الغرب. اذا لم تتحقق قريبا انعطافة دراماتيكية في السياسة الاسرائيلية، فمن شأننا أن نكتشف بان افضل اصدقائنا يديرون لنا ظهر المجن. لا، لن يكون تسونامي سياسي. سيكون تسلل تدريجي ومواظب للمياه العكرة إلى داخل السفينة الاسرائيلية، التي من شأنها ان تنزلها إلى القاع رويدا رويدا.
ان الحركة المتسعة التي تتخذ لها شعارا «الا بيبي» تفعل كل شيء كي تستخلص الحد الاقصى من تقرير المراقب وتعظيم التهديد الوجودي الداخلي. اما الحركة المتقلصة التي تتخذ لنفسها شعار «فقط بيبي» فتفعل كل شيء كي تستخلص الحد الاقصى من الخطاب في الكونغرس وتعظيم التهديد الوجودي الإيراني. ولكن حان الوقت لان يفتح مواطنو اسرائيل عيونهم ويروا جبل الثلج المتعاظم للتهديد الوجودي الجديد. لن يكون لنا مستقبل اذا لم نستأنف على الفور الحلف القيمي والاستراتيجي مع الولايات المتحدة والعالم الحر.
هآرتس
آري شفيت

حرره: 
ز.م