العلاقة بين الديانة والمتطرفين يحددها المسلمون أنفسهم

صورة توضيحية

الإسلام والإرهاب
بقلم مارك هيلر

 

مثل زعماء آخرين لدول غربية جربوا الارهاب الاسلامي، فان الرئيس الفرنسي ايضا تشدد في رأيه أن الاعتداءات الاخيرة في باريس ليست نتيجة الاسلام. في المؤتمر الصحفي الذي عقد بعد فترة قصيرة من المذبحة المروعة في مكاتب الصحيفة الاسبوعية، أكد اولاند «ليس هناك أي علاقة للاسلام بالاعتداءات الارهابية». اقوال مشابهة قالها الرئيس جورج بوش بعد اسبوع من اعتداء 11 ايلول في الولايات المتحدة عندما أعلن أمام الجمهور الامريكي المسلم أن «الاسلام هو سلام». هكذا تصرف ايضا رئيس حكومة بريطانيا طوني بلير في 2005 عندما ادعى أنه رغم أن شبكة المواصلات في عاصمة بلاده شهدت اعتداءات ممنهجة من قبل جهات ارهابية اسلامية «ليس هناك شك بخصوص الطبيعة العادلة المحبة للسلام «للاسلام» «.

هذه الاقوال الفارغة أدت الى انتقادات محقة لهؤلاء الزعماء وامثالهم، لأنهم ليسوا مسلمين وليسوا باحثين في الاسلام، وليس لهم أي تأهيل للحديث بشأن جوهر الدين. وأكثر من ذلك، فان الارهابيين الذين يعملون ضد الاهداف الغربية يعلنون بأنفسهم أن العنف القاسي الذي يستخدمونه ضد الاهداف غير الاسلامية يستمد الهامه من الاسلام. هذا الامر صحيح ايضا فيما يتعلق بحركات ارهابية كثيرة – ابتداءً من بوكو حرام مرورا بالدولة الاسلامية وانتهاءً الى طالبان في باكستان وافغانستان – تبدي وحشية غير معقولة تجاه المسلمين الذين انحرفوا عن الطريق الصحيح. نجد في القرآن الكريم والحديث والسيرة النبوية مواد كثيرة تدعم هذا الاعتقاد المشترك للعديد من المسلمين الذين يؤيدون ويصادقون على الاعمال الارهابية ومنفذيها الذين يؤيدونهم، حتى لو لم يشاركوا بأنفسهم بصورة مباشرة في الاعمال الارهابية.

ومع ذلك ليس في موقف معاكس ما من شأنه أن يثبت قلة الاستقامة الثقافية أو حتى الجهل، لأنه في الحقيقة هناك مصادر اسلامية واسعة ترفض، تُدين هذا التصرف، وأن مؤيدي اسلام آخر يستطيعون أن يشيروا الى العديد من الوصايا والاوامر التي تلزم المسلمين باظهار التسامح والتنكر لكل مظاهر الإكراه الديني. إن وجود مصادر متناقضة مختلفة عديدة يشهد على أن تعريف الاسلام «الصحيح»، هو نتيجة اختلاف وجدال بين ممثلي هذه المذاهب.

للشريعة، يوجد على الاقل اربعة مذاهب يختلف الواحد عن الآخر بدرجة تشددها وتساهلها فيما تعطيه لمبنى الشريعة، لكن في غياب مرجعية دينية عالمية معترف بها – توازي اسلاميا البابا القبطي أو الكاثوليكي – يتم الاعتقاد أن هذه الفجوات لم تتم تسويتها بصورة نهائية. بناءً على ذلك فان كل جهد لفهم العلاقة التي ربما تكون قائمة بين الارهاب والاسلام، سيكون اكثر نجاعة اذا تركز بصورة أقل في ما تقوله الكتابات والمصادر، واذا تركز أكثر في ما يفكر به المسلمون ويعملونه.

ايضا هنا النتائج ذات وجهين. حيث أنه بدون انتخابات أو استطلاعات تشمل جميع المسلمين أو استطلاعات للرأي العام صادقة في اوساط العالم الاسلامي، فان الاستنتاجات المرتكزة على التصريحات وطبيعة سلوك المسلمين ستبقى بالتأكيد في نطاق الانطباعات فقط. الانطباعات تبين أنه في حين أن معظم الارهابيين (وضحايا الارهاب) هم مسلمون، فان معظم المسلمين غير مشاركين ولا يدعمون الارهاب. اضافة الى ذلك يصعب قول شيئا مهما، على الاقل الافتراض القوي حول القوة النسبية للأقلية والاكثرية في هذا النطاق.

على خلفية الحقيقة فان النقاش حول العلاقة المؤكدة بين الارهاب والاسلام ليس عمليا، فانه يُنصح الزعماء الغربيون على الاقل من اجل النزاهة الثقافية، الابتعاد عن حقل الالغام الديني الايديولوجي هذا.

مع ذلك هناك اعتبار آخر وأكثر ارتباطا بالمهمة المتوقعة من زعامة سياسية، وهو الحذر السياسي. الزعماء السياسيون – أكثر من الافراد العاديين – يجب أن يتمعنوا في التداعيات التي ستكون في اقوالهم. للادعاء بأنه لا توجد علاقة حقيقية بين الاسلام والارهاب، ليس هناك ضعف استراتيجي أو عملي. الادعاء المعاكس مقابل ذلك يستدعي ردا عنيفا لما يشكل في نهاية الامر اقوالا عقيمة. اذا كان هذا الاعتبار الوحيد فانه كان بالامكان الادعاء (في حالات كثيرة يدعون ذلك حقا)، بأن رفض الاعتراف بالحقيقة فقط بسبب الخوف من الرد، هو عمل مسالم يجب عدم الموافقة عليه. لكن التمسك بحقيقة غير مفهومة بحد ذاتها من شأنه أن يؤدي بعدد كبير من المسلمين الذين يعارضون اليوم الارهاب، أو على الاقل يتحفظون منه، الى التحول الى مؤيدين داعمين للارهاب وهكذا يقومون بتشويه النقاش الاسلامي الداخلي. كذلك اولئك الذين يدعون وجود علاقة قوية بين الاسلام والارهاب سيصمتون عندما يسأل السؤال الذي يصعب منعه: «ما العمل ازاء ذلك؟». بعد كل هذا هناك طرق عديدة لمحاربة الارهاب، لكن ليس هناك أي طريقة لمحاربة الاسلام.

فقط المسلمون أنفسهم يحددون قوة أو ضعف العلاقة المخمنة بين الاسلام والارهاب. لكن يمكن للزعماء السياسيين الغربيين التأثير في هذا النقاش. مهما كانت «الحقيقة» المتملصة بشأن العلاقة بين الاسلام والارهاب، وبالتحديد نفي وجود هذه العلاقة بصورة علنية – يقوم الزعماء الغربيون بالشيء الصحيح.

نظرة عليا مقال

حرره: 
س.ع