بين شارلي وبيتار أورشليم

صورة توضيحية

الاصرار على السخرية من النبي محمد مدانة لأنه ليس كل ما هو مسموح بالقانون مقبول أخلاقيا
بقلم شلومو أفينري

هز التطوران المنكران في باريس وعن حق اوروبا وسيؤديان إلى استعداد أشد وأكثر نجاعة في مواجهة الإرهابيين الجهاديين. ولكن الفظاعة تستوجب ايضا بحثا متوازنا وغير حماسي في طبيعة الخطاب العام في المجتمع الديمقراطي.

ان الديمقراطية الليبرالية ملزمة بالدفاع عن حرية التعبير حتى عندما تكون هذه ماسة. ولكن السؤال ليس دستوريا او قانونيا فحسب – فله ايضا جانب اخلاقي، يرتبط بمسألة الانضباط الذاتي. فليس هناك من شك في حق رسامي الكاريكاتير من «شارلي ايبدو» في أن يسخروا بكل من يطيب لهم ان يسخروا منه. ولكن السؤال هو اذا كان مناسبا ان يفعلوا ذلك عندما يدور الحديث عن المس باقلية دينية لم تجد بعد مكانها في المجتمع الفرنسي – وبغير قليل بسبب هذا المجتمع الذي رغم مبادئه السامية، دحرها إلى هوامشه.

يشكل المسلمون نحو 10 في المئة من سكان فرنسا. ولكن كم منهم يوجدون كأعضاء في البرلمان، وكم منهم وصلوا إلى مواقع رفيعة المستوى في الاكاديمية، في الاقتصاد أو في سلك الدولة. فواضح أن فرنسا فشلت فشلا ذريعا في استيعاب مهاجريها المسلمين. مثل هذا الفشل لا يبرر القتل، ولكن لا يمكن تجاهل السياقات الاجتماعية، التي تدل على فجوة هائلة بين مبادىء الجمهورية الفرنسية السامية في المساواة وبين الواقع الاجتماعي البشع فيها.

جرت في الاسابيع الاخيرة – وعن حق محاولة للاشارة إلى التقاليد الفرنسية بعيدة السنين في التفكه اللاذع والمتطرف في الخطاب السياسي الفرنسي: فقد ذكرت التعليقات اللاذعة ضد ماري انطوانيت عشية الثورة الفرنسية، الاوصاف الحادة ورسومات عن مظالم الحكم المطلق والكنيسة الكاثوليكية.

كما اشير إلى ان «شارلي ايبدو» تنكل بكاريكاتيراتها ليس فقط بالنبي محمد بل وبالكاثوليكيين، باليهود وبالتأكيد بقادرة الحكم في فرنسا. كل هذا صحيح، ولكنه خارج الموضوع. فمن يراجع اعداد شارلي ايبدو سيجد أن عدد الكاريكاتيرات المناهضة للمسلمين التي تسخر وتهزأ بالمسلمين وبالنبي محمد أكبر بلا قياس.
وفضلا عن ذلك فان كل ديمقراطية وليبرالي ملزم بان يعترف بانه يوجد فارق بين نشر كاريكاتيرات حادة ضد الكنيسة الكاثوليكية وضد الاسرة المالكة في القرن الثامن عشر، وبين نشر كاريكاتيرات ضد رموز الاقلية الإسلامية في بلادهم، اليوم. فالسخرية من الكنيسة الكاثوليكية في عهد فولتير كان تعبيرا عن الشجاعة، اما السخرية بالنبي محمد، في دولة ما بعد المسيحية العلمانية فهي بالذات خطوة متزلفة للناس. فمن كان يسخر في حينه بالكنيسة الكاثوليكية والملكية كان يخاطر بالحبس والنفي؛ اما من يسخر اليوم بالمسلمين، بالنساء المحجبات او بالنبي محمد، فيحظى بالتصفيق من النخبة الثقافية والاجتماعية.

تمثل «شارلي ايبدو» بالفعل، التقاليد العلمانية الجمهورية الفرنسية. ولكن لا يمكن تجاهل ان الهوس المناهض للإسلام لديها يمثل ايضا وجها بشعا للمجتمع الفرنسي: فتحت ستار العلمانية الراديكالية تختبىء احيانا كراهية الاجانب والعنصرية. وهكذا ايضا في كتابات ميشيل فالبك، ولا سيما في كتابه «الاستسلام»، الذي مع كل علمانيته الجمهورية فان ينز عداء للإسلام والمسلمين، ويستند إلى تيارات عميقة جدا في المجتمع الفرنسي. واليهود بالذات ملزمون في أن يكونوا حساسين لهذه الظاهرة، والتي تمثلها مارين لا بن حتى وهي تتبنى مبادىء العلمانية الجمهورية.

فغير قليل من منتقدي الإسلام اليوم في فرنسا هم الابناء والاحفاد الروحانيين (ان لم يكن البيولوجيين لمن كانوا في الثلاثينيات من القرن الماضي لا ساميين. اليهم استند في حينه نظام فيشي، الذي تعاون مع النازيين وكان مسؤولا عن طرد يهود فرنسا وارسالهم إلى الابادة – الموضوع الذي فعلت الجمهورية الفرنسية ما بعد الحرب العالمية الثانية هي ايضا كل شيء كي تخفيه وتتنكر له.
ينبغي بالطبع التأييد لحق محرري «شارلي ايبدو» في السخرية: السؤال هو هل جدير السخرية بالمسلمين في ظل عرضهم بشكل مفعم بالنظرة المسبقة، واكثر من ذلك هل جدير السخرية بنبيهم. هذا ليس موضوع حرية تعبير، بل موضوع ضبط للنفس واعطاء احترام لمن يختلف عنك في دينك، في لباسك، في مأكلك، في لغتك وفي اسلوبك. من الصعب ايجاد الكثير من الحب للانسان الاخر والمختلف في «شارلي ايبدو».

من هذه الناحية، يجدر طرح السؤال الصعب: ما هو الفرق بين الكاريكاتورات التي تعرض محمد كإرهابي وبين مؤيدي بيتار اورشليم الذي يهتفون: «محمد مات» أو «الموت للعرب» في اثناء المباراة مع فرقة أبناء سخنين؟ فمؤيدو بيتار هم ايضا يعبرون عن حقهم في حرية التعبير، أليس كذلك؟ بالطبع يوجد فرق: مؤيدو بيتار اورشليم لا يقتبسون فولتير ومعظمهم لم يتربوا بالضبط في حضن التنور العلماني الفرنسي في القرن الـ 18؛ كما أنهم ليسوا مثقفين. ولكن هؤلاء واولئك يعبرون، باسلوب مختلف وبمستوى مختلف – عن انعدام التسامح والكراهية للآخر.

ان القتل في باريس كان وسيبقى مقيتا، وينبغي الامل في أن تستيقظ الحكومات في اوروبا من سباتها وان تحسن معالجة الإرهاب الإسلامي ومخاطره. ولكن يوجد اليو ملايين المسلمين في اوروبا وكانت محقة المستشارة انجيلا ميركيل التي قالت ان الإسلام هو اليوم جزء من المانيا – ومن اوروبا؛ ونحن يمكننا ان نضيف: بالضبط مثل اليهود. صحيح انه يوجد إرهاب اجرامي يرتكب باسم الإسلام (لم يكن أمرا كهذا في اوساط يهود اوروبا)، ولكن ملايين المسلمين في اوروبا ليسوا جديرين بالسخرية وبالهزء على ايمانهم. ومثلما اولئك من مؤيدي بيتار اورشليم ممن يهتفون «محمد مات» ينبذون عن حق كعنصريين، ثمة أساس عنصري جدير بالشجب ايضا في الاصرار على السخرية من النبي محمد. ليس كل ما هو مسموح حسب القانون، جدير من ناحية أخلاقية.

الديمقراطية الليبرالية ليست فقط منظومة حقوق: فهي تستوجب أيضا الاعتراف بالاختلاف، الاستعداد للعيش مع الاخر ومحاولة لخلق التكافل الذي يتضمن ليس فقط من يفكر بالضبط مثلك. وفوق كل شيء: هي واجبة الضبط الذاتي، ولا سيما تجاه الاقليات. فرنسا ليست متميزة اليوم – مثلما لم تتميز في الماضي – في مواجهتها لمن يختلف عن النموذج الجمهور العلماني: التعددية لم تكن ابدا جزء من جيناتها. كما ان مؤيدي الانعتاق لليهود في اثناء الثورة الفرنسية اصروا على منحه لليهود كأفراد وليس لليهود كجماعة.

ما يستوجب الان ليس فقط حرب طاحنة وناجعة ضد الإرهاب وضد كراهية الاجانب الفظة الخاصة بـ لا بن ومؤيديها، بل وايضا تنمية الضبط الذاتي: سهل اكثر بكثير السخرية من الاخر ومن الاجنبي من ضبط الذات. ومع كل الصدمة للقتل والحاجة لمكافحة القتلة وايديولوجيتهم، لعله ليس مناسبا ان نكون كلنا شارلي.

هآرتس

 

حرره: 
س.ع