العربية السعودية بعد عبد الله

الملك عبد الله

يوئيل جوجانسكي

من الممكن أن يكون للعربية السعودية ملك جديد في سنة 2015، إن الاستشفاء الطويل لحارس النفط والاماكن المقدسة الإسلامية، عبد الله بن عبد العزيز، يثير المخاوف بشأن استمرار استقرار هذه الدولة المركزية والسياسة المستقبلية لها، في الوقت الذي تواجه فيه تحديات كبيرة سواء من الداخل أو من الخارج

وأيا كانت هوية الملك ـ فانه سيواجه تحديات ليست بسيطة. وكما يبدو، فان العالم العربي موجود الآن في أصعب أوقاته، وهناك تأثيرات على المستوى العربي للإستقرار السياسي في العربية السعودية. إن عائدات النفط والغاز كانت حتى الآن أداة، قامت دول الخليج باستخدامها، من اجل تشكيل المشهد الشرق أوسطي. وذلك، طبقا لمصلحتهم الجيواستراتيجية (وأحيانا الطائفية). وإذا استمرت اسعار النفط على حالها لفترة طويلة، فسوف تتآكل تدريجياً الأحتياطات السعودية (حوالي 750 مليار دولار) ومعها امكانية تزويد اللاعبين المختلفين.
يسود في العربية السعودية وخارجها رأي يقول بأن الاستقرار السياسي فيها مرتبط ارتباطا وثيقا بصحة الملك وباستمرار الحاكم السعودي الذي يقف على رأسها على قيد الحياة. بناءً على ذلك، فإن الإستشفاء الطويل للملك عبد الله بن عبد العزيز، كحارس النفط والاماكن المقدسة الإسلامية، يثير المخاوف بشأن استمرار استقرار هذه الدولة المركزية والسياسة المستقبلية لها، في الوقت الذي تواجه فيه تحديات كبيرة سواء من الداخل أو الخارج.
تحاول الأسرة المالكة، أن تظهر أن الامور تسير على ما يرام، ولكن هنالك درجة من عدم الوضوح بخصوص الوضع الصحي وقدرة الملك عبد الله على القيام بمهامه. لقد ذهب الملك للإستشفاء في 31 كانون الاول 2014 من اجل إجراء «فحوص طبية». وبالقرب من سريره في المستشفى في الرياض يتواجد طوال الوقت افراد عائلته، أي قيادة الدولة، وبعثات من الدول المجاورة التي جاءت لتطمئن على صحته. بعد فترة الاستشفاء، أصدرت وكالة الأنباء السعودية بيانا جاء فيه بأن الملك يعاني من التهاب رئوي وقد احتاج إلى «تنفس صناعي» مؤقت. إن عدم التأكد من حالة الملك الصحية تزيد التشويش في العربية السعودية ويشكل أرضية للتقارير المتناقضة بهذا الخصوص في وسائل التواصل الاجتماعي في المملكة.
المصلحة العليا للعائلة المالكة السعودية هو استمرار الحكم في أيديها. لهذا، هناك أهمية كبيرة لنقل مقاليد الحكم في المملكة بصورة سلسة قدر المستطاع. ولكن، خلال أقل من سنة عُيِّن ثلاثة أولياء للعهد -الامر الذي أكّد مسألة ذات أهمية فورية: طالما لم يتم تعيين ولياً للعهد من بين أحفاد إبن سعود، فإن موضوع الوراثة، أي، القدرة على اعطاء جيل جديد من القادة ادارة الشؤون الحاسمة للمملكة، سيؤثر على استقرارها.
إن العرف السائد منذ عهد إبن سعود، والد عبد الله ومؤسس المملكة السعودية الحديثة، هو أن التاج ينتقل بين أبنائه ـ أي شقيق عبد الله من أبيه، وليّ العهد ووزير الدفاع سلمان. عملية نقل التركة/السلطة جرت حتى الآن بصورة سلسة. وحقيقة وجود ولي عهد لعبد الله مجرّب متمثلا بشخصية سلمان من شأنها تقليل المخاوف من الصراع على العرش الذي يؤدي إلى فراغ في الحكم. ولكن، سلمان البالغ من العمر 80 عاما، والذي يتوقع أن يأخذ على عاتقه تسيير الشؤون اليومية للمملكة، يقوم بأداء عمله بصورة جزئية. فقد اجتاز جلطة دماغية ويعاني كما يبدو من مشاكل أخرى. وعندما سيعيّن سلمان كملك، أغلب الظن، ستكون تلك هي أقصر فترة حكم لملك سعودي حتى الان.
من أجل تأمين استقرار الحكم فقد عيّن عبد الله في آذار 2014 الأمير مقرن، يده اليمنى والذي يبلغ الـ 70من العمر، وهو أصغر أبناء بن سعود، الباقي على قيد الحياة، كوليّ ثانٍ للعرش. هذا التعيين، الذي أشار إلى تفضيل الاستمرارية على اختيار التطور، أجّل ايضا نقل القيادة في المملكة ليد جيل أحفاد إبن عبد العزيز مقرن، هو طيّار حربي في تأهيله المهني، كان في الواقع حاكماً لمنطقة المدينة ورئيساً لجهاز الاستخبارات، ولكن طريق العرش كانت مليئة بالعقبات: العديد من إخوته لأبيه يعارضونه، بالأساس لذاته. ونظراً للحالة الصحية لسلمان، فمن المعقول أن يتولّى مقرن وظيفة الملك فعلياً. واذا نجح في التغلب على المعارضة الداخلية، فانه نظراً لصغر عمره نسبيا وصحته الجيِّدة يستطيع مقرن أن يحكم لفترة طويلة. ولكن ليس من المستبعد أن يقوم سلمان، كملك، بتعيين ولي عهد آخر بدلا من مقرن.
الأسرة الحاكمة تريد منع التأثير السلبي للصراع على السلطة على الاستقرار في المملكة. «الدستور» الصادر سنة 1990 قرر أن التاج يمكن أن ينتقل إلى جيل أحفاد ابن سعود ايضا، وهكذا فإن تشكيل «مجلس البيعة» سنة 2006، والذي وظيفته مساعدة الملك القادم في اختيار ولي العهد وفي ترتيب الاجراءات لنقل السلطة ـ وضع الاساس لنقل تركة السلطة للجيل القادم من الأمراء، ولكن بصورة مبدئية فقط. فعلياً، العملية من الممكن أن تكون معقدة ومقترنة بصراعات قوى جديدة داخل العائلة.
مسألة تَرِكة السلطة في العربية السعودية تبدو وكأنها جزء من مسلسل مكسيكي، ولكن حسب المعايير التي عفا عليها الزمن هذه، تسير هذه المملكة ذات الحكم المطلق، والتي تسيطر على اكبر احتياطي للنفط في العالم والتي تقع في حدودها الأماكن المقدسة الإسلامية.
ترتيبات التركة في السعودية شُكلت طبقا للمبادئ التي خلفها ابن سعود بمقتضى الحاجات الخاصة بالمملكة للظروف والبنية السياسية التي تبلورت فيها. إن نقل السلطة داخل نفس الجيل ساعدت بدرجة ما على استقرار الحكم طوال السنوات السابقة. ولكنها خلفت مشكلة، نابعة من شيخوخة الوارثين المحتملين، وهكذا تحول الصراع على الحكم الدائر من خلف الكواليس إلى صراع يشمل العديد من الأمراء.
كم هو مهم هوية الملك القادم؟ كقاعدة عامة يبدو أنه في المواضيع المتعلقة بالأمن القومي ليس هناك خلاف جوهري بين كبار الأمراء. ولكن السياسة السعودية كانت في الماضي مرتبطة ارتباطا وثيقا بصفات وآراء الملك. على الرغم من أن القرارات يتم اتخاذها كقاعدة عامة من خلال التشاور والسعي نحو الاتفاق بين الذين يحتلون الوظائف الكبيرة في العائلة السعودية، فان الملك هو الذي يأخذ القرار الأخير. إن غياب عبد الله سيُنهي فصلا مركزيا في تاريخ العربية السعودية. عبد الله تولى الحكم منذ 2005 ولكنه كان الحاكم الفعلي في السنوات العشرين الماضية منذ أن اجتاز أخوه فهد جلطة دماغية وأصبح من الصعب عليه أداء مهامه.
عبد الله أجرى اصلاحات ليست قليلة (بالمفاهيم السعودية)، وخاصة في مجال مكانة المرأة. من الجدير بالذكر أن مبادرة السلام العربية التي تعرض على إسرائيل (مقابل تنازلات) «علاقات طبيعية» مع العالم العربي والإسلامي هي ثمار مبادرته. ليس من الواضح إلى أي حد تشكل هذه المبادرة إملاءا على إسرائيل أو قاعدة للمفاوضات، والى أي حد يستطيع العالم العربي، في وضعه الراهن، أن يدعمها.
اضافة إلى ذلك فان عبد الله استطاع قيادة المملكة في بحر من الاضطرابات والثورات التي تعصف بالعالم العربي في السنوات الاخيرة. بالتدريج، ومنذ بداية التأرجحات الاقليمية فقد نفذ عبد الله سلسلة من التعيينات المهمة، يمكن أن ذلك كان سبب خوفه من التأثيرات على استقرار المملكة. لقد قام بترقية إبنه متعب، المسؤول عن الحرس الوطني، بوظيفة وزير في مجلس الوزراء (في هذا السياق طلب عبد الله من مقرن، مقابل تعيينه، أن يُعين في المستقبل متعب كولي للعهد).
اضافة إلى ذلك، فقد عين عبد الله ابنه الثالث، عبد العزيز، نائبا لوزير الخارجية سعود الفيصل. الفيصل، الذي يتولى هذا المنصب منذ 1975، يعاني ايضا من مشاكل صحية والتقدير هو أنه لدى ذهابه سوف يتولى عبد العزيز مكانه، كما عين عبد الله ابنه مشعل كحاكم للمنطقة الأكثر أهمية للإسلام، والثاني في أهميته بالنسبة للمملكة، مكة. أما إبنه السابع، تركي، فقد عينه حاكما للعاصمة الرياض.
هذه التعيينات تضع في يد الأسرة المالكة مرشحين جديرين وذوي خبرة، من جيل أحفاد ابن سعود، الذين بامكانهم في المستقبل تولي وظائف مركزية. ولكن هذا في الأساس محاولة من جانب عبد الله أن يعطي لأبنائه أفضلية في الصراع المستقبلي على التركة. مرشح آخر يتم ذكره كثيرا كصاحب احتمالات عالية، إلى جانب متعب، لتولي العرش هو محمد بن نايف، وزير الداخلية السعودي. على الرغم من أن انجازاته في مجال الحرب ضد الإرهاب هي أمر مختلف فيه، فان له علاقات طيبة ويحظى بتقدير كبير من نظرائه في الغرب.
يمكن أن يكون للعربية السعودية ملك جديد في 2015. ولكن أياً كانت هويته، فانه سيواجه تحديات ليست قليلة. العالم العربي يمر الآن في أصعب أوقاته، وسيكون للاستقرار السياسي في العربية السعودية بالتأكيد تأثيرات على مجمل العالم العربي. إن عائدات النفط والغاز كانت حتى الآن أداة استخدمتها دول الخليج من اجل تشكيل المشهد الشرق اوسطي: بمساعدتها تدعم العائلات الحاكمة هذا النظام وتثير القلاقل لدى نظام آخر. وذلك طبقا لمصلحتهم الجيواستراتيجية (واحيانا الطائفية). اذا بقيت اسعار النفط في مستواها الحالي لفترة طويلة فسوف تتآكل تدريجيا الاحتياطات السعودية (حوالي 750 مليار دولار)، ومعها امكانية تزويد اللاعبين المختلفين ـ مصر والاردن وكذلك ايضا المواطنين السعوديين أنفسهم.

نظرة عليا 

 

حرره: 
م.م