الضابط والوزير

زياد ابو عين

إن تأثيرات الحادثة التي سقط فيها أمس الوزير الفلسطيني زياد أبو عين بعد احتكاك مع جنود الجيش الاسرائيلي وحرس الحدود، ستتضح في الايام القادمة. سيتم دفن أبو عين اليوم بجنازة كبيرة في رام الله، وبعدها ستأتي صلوات يوم الجمعة ويتوقع أن تحدث موجة من مظاهرات الاحتجاج، بمبادرة من فتح والسلطة الفلسطينية. قوة الصدام في نهاية الاسبوع وعدد المصابين نتيجة لذلك ستطلعنا اذا ما كان هناك ازمة يمكن احتوائها من خلال جهود مشتركة للطرفين، أو نقطة تحول ستؤدي الى تصعيد الوضع في المناطق.

تهدئة النفوس ترتبط الى حد كبير باستمرار التنسيق الامني بين الطرفين. قال جبريل الرجوب، أحد البارزين في فتح أمس، إن السلطة ستوقف التنسيق مع اسرائيل. واجتمعت القيادة الفلسطينية في رام الله من اجل نقاش مسألة التنسيق الامني. من المتوقع أن يبادر الفلسطينيون بخطوة احتجاجية شديدة، على الاقل في المجال الكلامي، من اجل الاجابة على توقعات الجمهور في الضفة. ولكن بعد ذلك ستستمر الاتصالات غير الرسمية بين الطرفين لضمان عدم فقدان السيطرة على الوضع بالكامل.

التنسيق الامني أمر ضروري لمنع التدهور، وعمليا فان التواصل اليومي بين الجيش الاسرائيلي و»الشباك» واجهزة الامن الفلسطينية هو أحد الحواجز المركزية أمام الانتفاضة الثالثة في الضفة. اسرائيل والسلطة الفلسطينية تتبادلان المعلومات حول اعمال الخلايا الارهابية لحماس ومنظمات اخرى، وتتقاسمان الأدوار في معالجة الاحداث الجنائية وتنسقان العمل عند المظاهرات والمواجهات، من اجل الاستمرار في السيطرة على الوضع.

وفي كل اسبوع تنقذ اجهزة السلطة بسلام مواطنين اسرائيليين دخلوا خطأ الى المناطق التي هي تحت سيطرة الفلسطينيين. كل هذا قد يتعرض للخطر اذا قررت السلطة تغيير سياسة التنسيق.

اقترحت اسرائيل اجراء تحقيق مشترك للحادث، ويشمل تشريح الجثة بمشاركة مُشرح اسرائيلي من اجل المساعدة في تهدئة النفوس. ونتائج التشريح ستُعلن فقط هذا المساء. وقد عزز الجيش الاسرائيلي من تواجده في الضفة بلوائين، وهم يعتقدون في اسرائيل أن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس يفضل الامتناع عن المواجهة العنيفة.

في بداية ايام اوسلو وعندما كان غادي آيزنكوت الذي تم تعيينه أمس رئيسا للاركان من قبل لجنة تيركل، كان قائد كتيبة في الضفة، وقد أكثروا في حينه من الحديث في الجيش عن الضابط الاستراتيجي. السيناريو الذي تحقق أكثر من مرة اشتمل على حادثة موضعية لقوة عسكرية تؤدي الى تأثيرات استراتيجية – مثل موجة كبيرة من العنف الشعبي الفلسطيني تشوش على استمرار عملية السلام. في كانون الاول 2014 لا توجد عملية سلام يمكن الحديث عنها، ولكن السيناريو بقي موجودا. وايضا للحادثة المحلية في ترمس عيا أمس يمكن أن تكون نتائج ضارة وواسعة. ينبع الخطر من هوية الضحية، ومن حقيقة أن هذه الحادثة تم توثيقها. أبو عين هو شخصية ذات مكانة: وزير ونشيط قديم في فتح وسجين سابق (عضو في خلية قتلت شبان في تفجير دراجة هوائية مفخخة في طبرية في السبعينيات، وأطلق سراحه في صفقة جبريل)، صديقه المقرب مروان البرغوثي، اعتقل معه من قبل الجيش في عام 2002.

رغم ادعاءات رجال السلطة، التصوير لا يوثق القتل. كان أبو عين كبير السن، يُدخن وله مشاكل صحية، وقد وجد نفسه في عملية مواجهة ومزاحمة مع القوات الاسرائيلية، ويمكن أنه استنشق الغاز المسيل للدموع.

لا يظهر في الصور جندي يطلق النار عليه، أو شرطي يضربه بالعصا. لكن مشهد جندي حرس الحدود وهو يُمسك برقبته ويدفعه الى الخلف يكفي بحد ذاته. هذه الصور بُثت أمس بشكل مستمر في القنوات الفلسطينية. الشرطي الذي دفعه هو سائق جيب حرس لحدود. هناك أمور لا تتغير في واقع الضفة: الجيش يستعد من اجل المظاهرة ويضع قائد وحدة ليراقب القوات ويقوم بتهدئة الاجواء، وفي النهاية سائق السيارة العسكرية الذي ينضم الى المواجهة، ودون أن يكون لابسا الخوذة والسترة الواقية يتسبب في حادثة كبيرة.

 

انتخابات في ظل التوتر

 

موت أبو عين قد يعطي مؤشرا حول الاحداث التي قد تقع في الاشهر القادمة، في ساحات مختلفة. الانتخابات للكنيست قد تحدث في ظل التوتر الامني المتوقع في المناطق وعلى الحدود. الانتخابات قد تعطي اغراءً لاعداء اسرائيل لزيادة التوتر الامني في ساحة معينة من اجل وضع حكومة نتنياهو على المحك والتأثير بشكل غير مباشر على نتيجة الانتخابات.

قد تميل الحكومة الاسرائيلية الى التصعيد في المواجهات الامنية نظرا لوجود رياح تغيير سياسي في الاجواء، شهادة اولى على ذلك جاءت بالذات في تصريحين للشخص الاكثر حذرا من بين وزراء الليكود، وزير الدفاع موشيه يعلون، وبطريقة غير معتادة تحدث أول أمس عن مسؤولية اسرائيل عن القصف في سوريا وحذر أن اسرائيل مصممة على افشال تسلح أعدائها في حال تم تجاوز الخطوط الحمراء، هذه هي الشيفرة السرية التي تستخدمها القيادة الاسرائيلية منذ سنين من اجل منع تسلح حزب الله بسلاح متقدم.

رغم أن اعتبارات جوهرية كانت وراء القصف (بخلاف ادعاء اليسار)، فان كلام يعلون بدا وكأنه تحملا للمسؤولية. يمكن بيقين أن تُناقش من جديد سياسة عدم الوضوح التي تنتهجها اسرائيل في الشمال – حيث لا تأخذ المسؤولية بشكل علني ولا ترمز الى ذلك. لكن في هذه المرة تأثر اعلان يعلون من الظروف السياسية: في ظل وضع الليكود المتدني في الاستطلاعات وفي ظل التوقع أن نتنياهو سيضع مكان يعلون نفتالي بينيت.

في اذاعة الجيش بُثت أمس تسجيلات ليعلون هذا الاسبوع في محاضرة في غوش عصيون. ليس سرا أن علاقته مع الجناح اليميني للمستوطنين متوترة.

فقد توقعوا مساعدة أكبر من وزير الدفاع الذي كان يفترض أن يكون واحدا منهم. لكن يعلون وجد نفسه مقيدا باعتبارات سياسية (العلاقات بالولايات المتحدة) وقضائية (اعاقات قانونية)، والآن هو يجب أن يتصالح معهم. يمكن أنه بسبب هذه الامور فان يعلون عاد وانتقد الادارة الامريكية.

وقال لطلاب المعهد الديني إن الرئيس الحالي ايضا لن يجلس في البيت الابيض الى الأبد. وقد مر زمن منذ استطاع اهانة براك اوباما أو وزير خارجيته جون كيري.

يعلون، بسبب التفوهات الموسمية، ورئيسي الاركان بني غانتس ووريثه غادي آيزنكوت – يجب أن يمنعوا التدهور الامني في الاشهر الثلاثة القادمة. عمليات اخرى أو أحداث على الحدود يمكنها حرف النقاش في الانتخابات الى اماكن اخرى.

 

عاموس هرئيل

هآرتس