على أسوارك يا مدينة داوود

مدينة القدس

«جمعية إلعاد» اليمينية تدير الحفريات الاثرية في اسرائيل دون اهتمام لقبور المسلمين
بقلم: نير حسون

من يغادر ساحة حائط المبكى عن طريق باب المغاربة ويتوجه شمالا بإتجاه الحديقة القومية مدينة داوود سيشاهد جداراً من القصدير مزين برسومات لشخصيات كاريكاتيرية. ومن خلفه حفرة ضخمة. هذه الحفرة موجودة في المنطقة التي كانت تسمى ذات يوم موقف جفعاتي والتي تم حفرها تدريجيا خلال السنوات السبع الاخيرة. وتعد هذه الحفرية الاثرية الاكبر في مدينة القدس في السنوات العشر الاخيرة والاكبر على الاطلاق في اسرائيل. هدف الحفرية كان إقامة مركز تاريخي، مبنى مكون من جزئين سيستخدم كمركز للزوار، ومتحف ومدخل إلى الحديقة القومية مدينة داوود.
المبادر إلى المشروع هي جمعية إلعاد (إلى مدينة داوود)، جمعية يمينية تدير الحديقة القومية مدينة داوود وتسعى إلى تهويد سلوان. قصة خلق وتعميق هذه الحفرية أكثر وأكثر إلى داخل ارض القدس هي قصة العلاقة الوثيقة بين جمعية المستوطنين إلعاد وبين سلطات الدولة وفي مقدمتها سلطة الآثار. لقد اثمرت حفريات موقف جفعاتي عن معطيات كثيرة ومثيرة، ومن بينها بيت سكني من طابق واحد من ايام الحشمونائيم، وقصر من فترة المعبد الثاني، وفيلا كبيرة من الفترة الرومانية ومطمورة من الذهب منذ عهد البيزنطيين. ولكن مجموعة من مئات الوثائق الداخلية لسلطة الآثار، التي وصلت إلى ملحق «هارتس»، اظهرت ان الحفريات كشفت عن شبكة من الروابط المعقدة بين جمعية إلعاد وبين سلطة الآثار. شبكة علاقات لا يمكن التأكيد من خلالها من يقود من.
الوثائق كشفت، فيما كشفته، التوجه الحاد في سياسة سلطة الاآثار – من المعارضة الشديدة لاقامة مبنى في المكان، إلى داعم متحمس إلى مخطط البناء؛ حقيقة ان الحفريات تمت بدون خطة واضحة للحماية؛ ومن خلال إحتجاج لكبار علماء الآثار داخل سلطة الطوارئ ومن دون الادلاء بكل الحقيقة امام المحكمة العليا حول الاهداف من وراء الحفريات؛ الوثائق تظهر ايضا موضوع تفكيك المقبرة الإسلامية ووجود قبور يهودية في المكان; وكذلك حقيقة ان دافع الضرائب هو الممول الرئيسي لهذه الحفريات وليس جمعية إلعاد.
جمعية «عيمق شافيه» – مجموعة من علماء الآثار الذين ينتقدون الاستخدام السياسي الذي تقوم به جمعيات المستوطنين والدولة في ابحاث الآثار – تلقت الوثائق في اعقاب التوجه وفقا لقانون حرية الحصول على المعلومات. يجب الاشارة إلى نقطة في صالح سلطة الآثار بالحقيقة على عكس باقي السلطات الاخرى، وهي عدم وضعها صعوبات بخصوص تسليم الوثائق، والتي قد تتسبب في إحراجها. «هذا يثبت ان ليس لدينا ما نخفيه» حسبما يدعي مصدر في السلطة، «ولكي يحكم الجمهور».
منذ بداية الصيف كانت هناك ايام معدودة غاب فيها اسم سلوان عن العناوين الرئيسية في الاخبار. الحي هو احد الاماكن الوطنية الصعبة في القدس. حيث لم يمر يوم تقريبا خلال الاشهر الثلاثة الاخيرة دون رشق بالحجارة، وإلقاء الزجاجات الحارقة او المواجهة مع قوات الشرطة والاعتقالات الليلية. قبل شهر ونصف فاجأ العشرات من الشبان اليهود سكان سلوان، عندما قاموا عند منتصف الليل بالدخول إلى 25 شقة جديدة تم شراؤها من قبل الجمعية بواسطة شركة مسجلة خارج البلاد. وفي اليوم التالي وصل إلى المكان وزير الاقتصاد نفتالي بينت، الذي اعلن بشكل احتفالي ان «في مدينة داوود – التي كانت تسمى سابقا سلوان – يوجد اليوم اغلبية يهودية. وهو ما يعني بقاء مدينة داوود إلى الابد في ايدي دولة اسرائيل انه حدث تاريخي».

كم من العظام او القبور؟

وفقا للحسابات التي اجراها غرينبيرغ، فإن حفريات موقف جفعاتي هي الحفريات الاكبر التي تمت في اسرائيل على الاطلاق. فقد تم لغاية اليوم القيام بـ 2000 يوما من الحفريات، وفقا لحساباته. ولغرض المقارنة، الحفريات الاثرية الاسطورية في متسادا بإدارة يغئال يادين استمرت 350 يوما فقط. المعدل الوسطي لفصل الحفريات العلمية ( الذي تم اعداده من قبل مراكز الابحاث الجامعية) تستمر ليس أكثر من 30 يوم حفر في السنة. اي ان الحفريات في جفعاتي تعادل 65 فصل حفر اكاديمي. وحسب إدعاء غرينبيرغ، الحفريات تتم في معدل سريع ومن يدفع الثمن هم علماء الآثار، بشكل خاص اولئك الذين لا تهتم بهم جمعية إلعاد. على سبيل المثال، في الطريق إلى اسفل، إلى الطبقات اليهودية والتوراتية، فكك الذين يقومون بالحفر الطبقات الاثرية من العهد الإسلامي في البلاد. بالإضافة إلى إزالة المقبرة الإسلامية من القرن الحادي عشر.
اظهرت الوثائق انه في شباط 2008 كشف مدير الحفريات الدكتور دورون بن عامي، إلى مدير منطقة القدس باروخ، عن وجود عظام في المنطقة. في حين ورد ذكر القبور في الوثائق بعد ذلك بثلاثة شهور. وكتب باروخ بمذكرة داخلية: «طلبت منه وقف الحفر في المناطق التي تم العثور على العظام فيها، وطلبت منه الحفاظ على الهدوء إلى ان يتم جمعها» وتبين من المذكرة ان باروخ تأثر بوجود عظام متفرقة ومتناثرة في المكان، حيث تبين ان الحديث يدور عن ما لا يقل عن مئة صندوق من العظام. واشار باروخ «فوجئت من الارقام». ووفقا لتقديرات بن عامي، التي ظهرت لاحقا في المذكرات، انها بقايا لعشرات من البشر. ومع ذلك اكد بن عامي ان ليس لدية معلومات انثروبولوجية لتقدير ذلك. واشار ايضا انه فيما عدا احداث متفرقة، لم يتم إيجاد هياكل عظمية كاملة بما يبدو انه قبر، بل عظام متناثرة، كما لم يتم إكتشاف معطيات اثرية تشهد على وجود قبور منظمة. على اية حال لقد تم إخلاء صناديق العظام وبعد حفظها لمدة طويلة داخل اوعية في منطقة الحفريات تم اعادة دفنها.
إخلاء العظام البشرية من مواقع الحفريات الاثرية ليس امراً استثنائيا. طالما لايتم الحديث عن عظام يهودية – او ما تعتقد اوساط متدينة انها يهودية. مثل هذه المواقع تتحول بأغلبها إلى مناطق مواجهة عنيفة بين المتدينين المتطرفين وبين علماء الآثار. وتبين من الوثائق التي وصلت إلى «عيمق شافيه» تبين انه في موقف جفعاتي تم الكشف عن قبور يهودية، الا ان الامر لم يصل إلى علم الجمهور. وفي نهاية نقاش تم في العام 2006 قال بن عامي: «اطلب الافادة عن العثور على قبور يهودية في المنطقة وحسب علمي تم العثور على قبور في الجزء الذي بدأنا الحفر فيه الآن». فيما عدا موضوع انه بإمكان نشطاء عترات قديشا العثور على هذه القبور، فإن لها اهمية علمية. يقول غرينبيرغ «احد الاسئلة الهامة هي فيما اذا كان في القدس في القرن التاسع احياء مشتركة يهودية- توراتية- إسلامية، وهل تم الكشف في المكان مقبرة يهودية إسلامية؟».

دوائر الفلوس

الادعاء الذي تم تداوله عبر البريد الالكتروني، والذي بموجبه قيل ان إلعاد هي الكل بالكل، وكذلك صاحبة الرأي، يعود كخط ثاني في جميع الوثائق. الجمعية تملك كروتا قوية في قضية موقف جفعاتي: هي صاحبة الارض وهي ممولة الحفريات. الارض كانت في الاصل بملكية فلسطينية وتم بيعها للجمعية في العام 2002. بخصوص التمويل، فإن الصورة معقدة. صحيح الوثائق تصادق ان إلعاد تمول الحفريات وبمبالغ كبيرة. ولكن تبين ايضا منها انه يبدو ان إلعاد تستخدم ذلك عمليا كقناة لنقل الموازنات الحكومية لصالح الحفريات وتقريبا هي لا تدفع شيئا من جيبتها الخاصة لهذا الغرض.
حفريات بنسق كبير كهذا على مدار سنوات طويلة هو عمل باهظ جدا. غرينبيرغ وأنه ويدار، العاملة في «عيمق شافيه» ومديرة الحسابات اداروا حسابات مختلفة وتوصلوا إلى كلفة تقديرية بحوالي ثلاث ملايين شيكل في السنة. إلعاد تمول الحفريات منذ العام 2007 (قبل ذلك كانت تمول من قبل شركة حكومية تدعى شركة تطوير شرقي القدس). ووفقا لتقديرات غرينبيرغ فإن مجموع حفريات إلعاد في مدينة داوود تصل إلى نحو 10٪ من ميزانية مشاريع سلطة الآثار. ولكن الوثائق تظهر ان الاموال التي تقوم إلعاد بنقلها إلى السلطة من اجل تمويل اعمال الحفر هي بمعظمها اصلها اموال حكومية. وفي معظم الاحيان لا تدخل في حسابات الجمعية بل يتم تحويلها مباشرة إلى سلطة الآثار. التي تسجل لصالح ديون إلعاد لدى السلطة. في السجلات المحاسبية يظهر ان»نقل قنوات إلعاد». على سبيل المثال في السنوات 2011 إلى 2013 حولت الوزارات الحكومية المختلفة 26.3 مليون شيكل لسلطة الآثار كتمويل غير مباشر مقابل الحفريات ومخططات التطوير لشركة إلعاد. كما لا يرى مدراء الحسابات في سلطة الآثار ايضا الاموال التي تصل من إلعاد كأموال خاصة للجمعية. وتظهر في وثائق حسابات الجمعية الجمعية كمن يمول الحفريات، ولكنها تعتبر كجهة حكومية».
من الصعب الفهم من هذه الوثائق، من هي تلك الوزارات التي يصل منها التمويل. الفحص اظهر ان وزارة الثقافة والرياضة (التي هي وزارة هيئة سلطة الآثار) قامت بتحويل المبلغ الاعلى – 11.5 مليون شيكل، وصلت على ما يبدو من وزارة السياحة، عن طريق الشركة الحكومية للسياحية وكذلك مبلغ 7.3 مليون شيكل من مصادر حكومية إضافية لم يتم الكشف عنها.
يجمل غرينبيرغ «مخزون الآثار في القدس محدود جدا». ما بقي يشكل جزءاً صغيرا مما كان ويجب المحافظة على ذلك بأي ثمن». يجب الحفر ببطء قدر الامكان وليس تحت الضغط. يجب عدم التصرف وكأننا ما زلنا في العام 1967 نحضر مع الجرافات ونزيل حطام حي المغاربة (الحي حيث يوجد اليوم حائط المبكى) وكأنه لا يوجد اهتمام لاي شخص في هذا المكان الا من قبل إلعاد وسلطة الآثار».
رد سلطة الآثار: «السلطة هي الجسم المهني والقانوني الدائم بكل ما يتعلق بإدارة الحفريات الاثرية في دولة اسرائيل. الحفريات في موقف جغعاتي، التي تدار من قبل طاقم كبير من علماء الآثار المهنيين، مستمرة منذ حوالي 11 سنة. الحديث يدور عن الحفريات الاثرية التي تمت في البلاد واستمرت لأطول وقت في الجيل الاخير. اكتشف في المكان بقايا مثيرة، والتي تلقي الضوء على فترات طويلة من تاريخ القدس بدءا من ايام المعبد الاول ولغاية العصور الوسطى. موجودات الحفريات في جفعاتي معروضة امام كل من له اهتمام بمعرفتها: ولغاية الآن تم نشر معلومات كثيرة عن تفصيلات الحفر، وفي هيئات علمية وشعبية على حد سواء. كما اي حفريات اخرى، كذلك ان موقع حفريات جفعاتي مفتوح للزيارات الاكاديمية. ويخصص المبادرين للمشروع (إلعاد) لصالح عملية الحفر في موقف جفعاتي موارد كثيرة. التي تمكن من تنفيذ اعمال الحفر، بالاضافة لتقديرات باقي الباحثين المرافقين، الذين يضعون حفريات موقف جفعاتي في الصف الاول للابحاث الاثرية في العالم .
تحويل موازنات الحفر للباحثين هي تحت المسؤولية الوحيدة والمطلقة لسلطة الآثار، وهي تم فقط بناء على تقديرات دقيقة ومهنية، وللمبادر لا رأي له في هذا الموضوع، ولا لمعدل الحفريات او عمل الباحثين. فسلطة الآثار تدير الحفريات في جميع اسرائيل، وفي جميع فصول السنة، بما في ذلك ايام الشتاء الماطرة . والحديث يدور عن مشاريع تحظى بالقبول سواء في اسرائيل او في العالم .

هآرتس

حرره: 
م.م