البرلمان البريطاني يعمل في صالحنا

علم بريطانيا وإسرائيل

دولة للفلسطينيين مفيدة لنا لأنه يلغي فكرة الدولة الواحدة للشعبين
بقلم سيفر بلوتسكر

قرار مؤيد لاسرائيل بوضوح اتخذه الاسبوع الماضي البرلمان البريطاني: اعتراف رمزي بدولة فلسطينية ذات سيادة. ردود الفعل عليه في البلاد توزعت بين اليمين السياسي الذي رفضه باحتقار وبين اليسار السياسي الذي رأى فيه صفحة رنانة لسياسة الحكومة.

ولكن معنى القرار لا يوجد على الاطلاق في مجال الجدال العادي بين اليسار واليمين. مكانه في مجال بحث دولي آخر، أكثر اهمية من ناحية اسرائيل ومستقبلها: ما هو جوهر النزاع الاسرائيلي الفلسطيني؟ هل هذا نزاع حدود بين كيانين سياسيين أحدهما احتل أجزاء كبيرة من الآخر أم نزاع بين مجموعتين سكانيتين قوميتين تسيطر فيه الواحدة على الاخرى؟.

بقدر ما يرى العالم السياسي فيه النزاع كصراع على السيطرة بين مجموعتين قوميتين في بلاد واحدة، هكذا سيتعاظم الطلب من المجموعة اليهودية في «بلاد اسرائيل الكاملة»، التوقف عن الابرتهايد تجاه المجموعة الفلسطينية ومنحها حقوق مواطنة كاملة ومتساوية من اجل «الغاء» الدولة اليهودية آجلا أم عاجلا، ويبدو أن عاجلا.

في المقابل فان النهج الذي يرى في تقسيم البلاد بين دولة يهودية ودولة فلسطينية حقيقة ناجزة، حين يكون الطلب من الدولة اليهودية هو أن تتقلص، تنسحب وتعطي مكانا لوجود دولة فلسطينية قابلة للوجود – فيتناسب والرسالة الصهيونية عبر الاجيال.

إن احتلال اراض هو أمر قابل للحل من خلال حدود متفق عليها. وقمع الاقلية يمكن حله من خلال منح الحقوق الكاملة للاقلية. الحل الاول يمكن أن يحافظ على اسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية. أما الحل الثاني فلا يمكنه، والتأييد المتعاظم له يعرض مجرد وجودنا للخطر.

إن التغيير في الموقف من النزاع الاسرائيلي الفلسطيني بدأ في «مؤتمر دربن» سيء الصيت في جنوب افريقيا في 2001، والذي عُرفت فيه الصهيونية كحركة ابرتهايد. ومع أنه في القرارات الرسمية للمؤتمر لم يجد هذا تعبيرا له، ولكن هذا كان هو الفهم الذي ساد دون عراقيل في المداولات وفي التصريحات. والانتفاضة الثانية، التي تعاظمت في موعد قريب من مؤتمر دربن، فسرها المشاركون من المنظمات غير الحكومية كثورة فلسطينية ضد قمع اليهود وليس كحلقة في الكفاح الفلسطيني لاقامة دولة مستقلة.

الانسحاب الكامل من غزة، والذي قاده اريئيل شارون، لقاءاته مع أبو مازن وخطاباته في الامم المتحدة أسكتت لبضع سنوات الانتقادات بصيغة الابرتهايد على اسرائيل، ولكن في نهاية العقد السابق عادت لتنطلق، تعاظمت وتعززت. ومطالبة اسرائيل بقبول مبدأ الارض مقابل السلام والانسحاب الى حدود 1967 كادت تختفي من المدونات، المواقع الالكترونية ومنشورات اليسار الغربي والفلسطينيين الشباب. وحل محلها، كما أسلفنا، المطالبة بـ «التوقف عن الابرتهايد» بمعناه السياسي – اقامة دولة ثنائية القومية. وفي نفس الوقت يتغير المزاج في الجمهور الفلسطيني. فلم يسجل أي فرح هناك في أعقاب تصويت البرلمان البريطاني. والنخبة الشابة فوق والجمهور الاسلامي تحت لم يعودوا يرون في تحقيق حق تقرير المصير السياسي الهدف المنشود. مثقفو رام الله ومصلو غزة يتطلعون الى حلول اخرى. الأوائل يتطلعون الى دولة للشعبين يصبح فيها اليهود أقلية، والاخيرون يحلمون بمملكة اسلامية من البحر المتوسط وحتى المحيط الهندي.

وماذا عندنا؟ عندنا المعركة على «الميلكي» احتلت مكان المعركة على السلام. ولكن حتى عندما ينام السياسيون، فان الساعة السياسية لا تهدأ. تك تاك، تك تاك، فكرة الدولة الواحدة تنتشر وتستقر في الوعي الفلسطيني والدولي. وعليه، فان كل اعتراف من كل دولة اخرى بفلسطين سيادية ومنفصلة عن اسرائيل مبارك من ناحيتنا: معناه هو العودة (غير التاريخية بل المبدئية) الى مشروع التقسيم، الذي بقوته تأسست الدولة الصهيونية التي تسمى اسرائيل.

لا يوجد ما يدعونا الى القلق من قرار البرلمان البريطاني، حتى لو كانت دوافعه مشكوك فيها؛ والعكس هو الصحيح، كلما كثرت مثل هذه القرارات، لا ينبغي لنا أن نخاف من فتح سفارة فلسطين في لندن. هذه مصلحة لنا، أن تستقر سفارة فلسطين في لندن على مقربة من سفارة اسرائيل. على ألا تكون فقط مكانها.

يدعوت

حرره: 
س.ع