واقع استراتيجي جديد في الشرق الأوسط

خارطة الشرق الأوسط

ليست إسرائيل في مركز الصراع الجاري الآن في المنطقة بل هي في هامشه

بقلم عاموس هرئيل

وُصف الشرق الاوسط بتعميم في خطبة رئيس الوزراء المنمقة في الجمعية العمومية أول أمس أنه منطقة مشحونة بالاخطار اسرائيل في مركزها. والذي يحرص على نفسه يبتعد ويجب على اليهودي على العموم أن يفكر مرتين قبل أن يخرج من بيته. وفي العالم بحسب ما يرى نتنياهو، يوجد الاسلام في كل مكان، والكثرة الغالبة منه متطرفة باحثة عن فريسة. وايران هي «الدولة الاسلامية»، أي داعش، أي حماس – وكلها معا وكل واحدة على حدة مصممة على محاربة الغرب وعلى رأس حربته اسرائيل. ولا توجد الطاقة الايجابية الكامنة من وجهة نظر اسرائيل في سلام ممكن مع ذلك المنكر المعروف للكارثة أبو مازن بل في وعد غامض قليلا بتحالف مصالح مع دول سنية معتدلة مثل مصر والاردن.
إن تنويعات اللون الاسود الخمسين التي يصفها رئيس الوزراء في المنطقة موجودة حقا، ويوجد قدر كبير من الحق في تحذيره المجتمع الدولي ألا ينسى التهديد الذري الايراني بسبب الاهتمام الجديد بتهديد أقل خطرا من قبل منظمات الجهاد السنية وعلى رأسها داعش. فايران من وجهة نظر اسرائيل عدو أكثر ضراوة واشكالية بكثير لا بسبب المشروع الذري فقط بل بسبب المساعدة الواسعة التي تمنحها لمنظمات ارهاب وحركات تآمرية في أنحاء الشرق الاوسط كله. بيد أن حديثا مع مصدر أمني رفيع المستوى قبل خطبة نتنياهو ببضع ساعات بين صورة للواقع الاستراتيجي في المنطقة مختلفة شيئا ما. قد تكون أقل تساوقا وأقل اقناعا من الوجهة الدعائية لكنها أكثر تركيبا.
ليست اسرائيل بحسب هذا التوجه مركز الشأن الاقليمي: لا لأن حل الصراع الفلسطيني لم يعد يعتبر مفتاحا تُرتب به كل مشكلات الشرق الاوسط بل لأن ما يحدث خارج حدودها في السنة أو في السنتين الاخيرتين (وهو نتيجة متأخرة لانفجار الربيع العربي) أصبح منذ زمن شأنا أكبر كثيرا صلته باسرائيل الى الآن هامشية جدا. فحرب الحياة والموت بين الشيعة والسنيين المتطرفين تؤثر تأثيرا كبيرا لا في الحدود القديمة التي حددها اتفاق سايكس بيكو فقط بل تغير تماما حياة عشرات ملايين البشر الذين يسكنون المنطقة بين لبنان وحدود العراق مع ايران.
هذا صراع تاريخي واسع النطاق لا تظهر نهايته في الأفق. وقد ازداد حدة بسبب صعود داعش الهائل التي دخلت الفراغ الذي خلفه ضعف نظامي الحكم في العراق وسوريا. ولولا أن المنظمة انساقت مع غوغائيتها وألاعيب حربها النفسية وأصرت على إعدام ثلاثة صحافيين وعمال مساعدة غربيين بين نهاية آب ومنتصف أيلول فلربما كان يمكنها أن تستمر على ذبح آلاف الشيعة والعلويين واليزيديين دون تشويش.
لكن نجاح داعش خاصة أساء إليها، فنشر الأفلام الفظيعة التي فيها قطع الرؤوس أيقظ الغرب من سباته وأفضى الى انشاء الحلف الدولي الجديد بقيادة امريكية. وهكذا تقرر لأول مرة هجمات جوية غربية في داخل سوريا وفي العراق بعد ذلك. وما لم تفعله ثلاث سنوات ونصف من الذبح الفظيع الذي قام به نظام الاسد لمواطني المعسكر العدو في سوريا حتى ولا الهجوم الكيميائي الفتاك في آب من العام الماضي، فعلته ثلاثة أفلام قصيرة ضحاياها مواطنون من الولايات المتحدة وبريطانيا. وفي نظرة من اسرائيل نرى أن الهجوم الجوي على داعش يؤتي أول الثمار وينطوي ايضا على احتمال نتائج أفضل.
إنسحبت قوات التنظيم تحت الضغط المستعمل عليها من عدة مناطق في سوريا ما عدا المنطقة الكردية التي رد فيها الحلف متأخرا. وأصبحت داعش تلائم نفسها بالتدريج مع الظروف الجديدة وتضائل الوجود العسكري الظاهر بغية تقليل التعرض لاصابات من الجو. وعلى كل حال لن يكون الهجوم الجوي كافيا لابعاد داعش عن مواقعها أو لتقوية منظمات المعارضة التي هي أكثر اعتدالا في سوريا، في حربها لنظام الاسد. ويأملون في اسرائيل أن يكون القصف مبشرا بتغيير توجه امريكي وأن تُعطى منظمات كالجيش السوري الحر نتيجة ذلك مساعدة أكبر وإن يكن ذلك بتأخر كبير.
وفي غضون ذلك أتمت منظمات المتمردين في الجولان السيطرة على 90 بالمئة من الحدود مع اسرائيل ما عدا جبل الشيخ والجيب الدرزي في القرية المجاورة «الخضر». وبقيت العصابات المسلحة التي هي أكثر اعتدالا مخلصة لما يمكن أن يُفسر أنه التزام لاسرائيل ومنعت في أكثر المناطق وصول المنظمة التي هي أكثر تطرفا، أي جبهة النصرة، الى الحدود نفسها. وهذا وضع سيّال لكن جهاز الامن لا يلاحظ فيه الآن خطرا مباشرا.
ما هو مكان اسرائيل في كل هذه الصراعات؟ تُظهر اجهزة الامن المختلفة اجماعا على رأي وهو أن اسرائيل يجب أن تحذر الانجرار الى صراعات ليست لها. وعليها أن تستمر على السلوك بمسؤولية وأن توحي بالحزم في مواجهة محاولات المس بأرضها، لكن يجب أن تدرك أنها لا تُملي المجريات الاقليمية. والسلوك الحكيم يعني انشاء أحلاف دائمة، ومؤقتة احيانا، مع دول بل مع منظمات محلية، ويجب فعل كل ذلك عن ادراك أن المجريات التي تجري الآن ستظل تزعزع المنطقة فترة طويلة بعدُ.

هآرتس 

حرره: 
م.م