التشدد في حبس القاصرين

الاحتلال

نير حسون

تشددت النيابة العامة في منطقة القدس في بداية شهر تموز بسياستها نحو موقوفين فلسطينيين من شرقي القدس ومنهم موقوفون قاصرين. فعلى حسب السياسة الجديدة، تطلب النيابة العامة في كل واقعة يشارك فيها فلسطيني برشق الحجارة أو مخالفة اخرى تتصل بأحداث الشغب في الاحياء الفلسطينية، تطلب التوقيف حتى نهاية الاجراءات القانونية. وكانت النتيجة أن بقي عشرات القاصرين من الفلسطينيين موقوفين مدة شهر أو شهرين قبل بدء محاكمتهم. وكما نشر في صحيفة «هآرتس» تم في الشهرين الاخيرين توقيف 260 قاصرا في العاصمة.

إن 58 قاصرا فلسطينيا على الاقل ما زالوا موقوفين الى اليوم بسبب الاحداث في شرقي المدينة بحسب معطيات جمعها المحامي محمد محمود الذي يمثل عددا كبيرا من الموقوفين. وعلى حسب ما يقوله محامون وعاملون اجتماعيون، للتوقيف تأثير حاسم في احتمالات الادانة وامكانات اعادة تأهيل الفتيان. وفي حالات كثيرة يعترف الفتيان بالمخالفات القانونية لتقصير مدة توقيفهم فقط.

يُبينون في النيابة العامة أن السياسة لا تفرق بين العرب واليهود، ومع ذلك تميل المحاكم في الاكثر الى الاستجابة لطلبات تغيير توقيف الموقوفين اليهود وترفض الاقتراحات المتعلق بالموقوفين الفلسطينيين. وقد قيل في مباحثات داخلية في النيابة العامة إن تلك ليست خطوات عقاب بل وسائل لمنع المشتبه فيهم من العودة للمشاركة في الاخلال بالنظام.

بدأ تغيير السياسة بعد قتل محمد أبو خضير في 2 تموز بقليل، ففي الايام الاولى بعد القتل أُحصي في القدس عشرات أحداث اخلال بالنظام كل يوم. واستعملت الشرطة سياسة الاحتواء وتوثيق العنف وعمليات توقيف في ساعات المساء. وقد أُحصي 260 موقوفا قاصرا بين الموقوفين الـ 760. وقد قُدم في اكثرهم لوائح اتهام منها في مخالفات شغب أو هجوم على شرطي أو تعريض انسان للخطر في النقل العام. ويُقدم مع لائحة الاتهام على نحو آلي ايضا طلب توقيف حتى نهاية الاجراءات القانونية، ويُقدم الطلب على كل مشتبه فيه تزيد سنه على 14. ويقضي قانون الفتيان بأنه لا يمكن تمديد التوقيف حتى نهاية الاجراءات لقاصرين تحت سن الـ 14. وقد كتب في طلبات التوقيف في الاكثر أن «خطر المدعى عليه زائد بسبب التوتر القائم أصلا».

ويُبينون في النيابة العامة أن السياسة ليست موجهة على مشتبه فيهم فلسطينيين بل على كل من يُشتبه فيه بمخالفة عنيفة. بيد أن المشتبه فيهم الفلسطينيين يعتبر تسريحهم أصعب لعدة اسباب منها أولا أنه مع بدء الاخلال بالنظام عُرفت أحياء شرقي القدس جميعا بأنها «مكان المخالفة».

وبسبب حقيقة أن أحداث الشغب انتشرت في الأحياء كلها، رفض أفراد النيابة العامة والقضاة على إثرهم اطلاق سراح القاصرين المشتبه فيهم الى حي آخر خشية أن يعودوا للاخلال بالنظام، وليس للموقوفين الفلسطينيين بخلاف الموقوفين اليهود الذين لهم عائلات، ليس لهم في الاكثر أقرباء خارج القدس ولا قدرة اقتصادية للعائلة على ارسال الفتى الى مكان آخر، وهكذا تُرفض اقتراحات الاطلاق في أكثر الحالات. وثانيا وبخلاف حال الموقوفين اليهود، يوجد القليل جدا من المؤسسات القادرة على أن تضم اليها مشتبها فيهم من العرب بمخالفات أمنية الى أن تنقضي مدة التوقيف.

وثالثا لا تعمل طريقة التقييد الالكتروني (قيد يوضع في رجل المشتبه فيه يحدد مكانه) في شرقي القدس. وقد قدم شخصان مطلعان على هذا الشأن تفسيرات مختلفة لذلك الاول بسبب مشكلة تقنية هي نشر الهوائيات التي تراقب القيد الالكتروني. والسبب الذي قدمه الشخص الثاني أن القيد الالكتروني مشروط بقدرة الشرطة على الوصول الى المشتبه فيه في كل لحظة. والعنف الكبير والحاجة الى قوة كبيرة لدخول أحياء شرقي المدينة لا يُمكنان من استعمال القيود.

وهكذا يحدث أن يبقى مشتبه فيهم كثيرون حتى ممن تعتبر جنايتهم هذه هي الاولى وحتى لو كانت المخالفة غير خطيرة، مدة اسابيع بل مدة اشهر احيانا في الاعتقال. ويقول محامون إنه بعد أن طرأ في الاسبوعين الاخيرين هدوء نسبي على بعض أحياء شرقي القدس من حيث عدد الاحداث وشدتها، بدأت المحاكم تستجيب أكثر لطلبات الاطلاق.

إن ط. وهو قاصر في الـ 16 من عمره من حي شعفاط، هو قريب محمد أبو خضير وكان زميله في المدرسة وليس له ماض جنائي، وقد شارك بحسب لائحة الاتهام بحادثة رشق بالحجارة واحدة في يوم القتل أو في اليوم الذي تلاه. وتم توقيفه بعد الحادثة بشهر وأوصى ضابط الاختبار الذي أجرى تحقيقا بعد توقيفه، باطلاق سراحه. وطلبت المحامية ليئا تسيمل التي مثلته في المحكمة نظر المحكمة في ذلك بقولها «كان ذلك ردا لمرة واحدة على حادثة مخيفة. والمرء لا يُحكم عليه في حزنه وإننا لنتفهم هذا السلوك عند كل واحد آخر، وأنا أُذكر بالعفو العام الذي أعطي لمن تم اجلاءهم عن قطاع غزة…». لكن ممثلة النيابة العامة اعترضت على توصيتها باطلاق سراحه زاعمة أن شعفاط «مكان اشكالي» وأن المشتبه فيه «يتأثر باصدقائه ويشارك في احداث الشغب مرة ثانية». وقبلت القاضية شارون لاري بادلي من محكمة الصلح في القدس موقف النيابة العامة وقضت بأن الحداثة لا يمكن أن تكون «مانعا من التوقيف…، ولأن النفوس لم تهدأ فلا مكان لأمر بالافراج عن المدعى عليه».

إن المشتبه فيهم اليهود في مقابل ذلك يُطلق سراحهم في الاكثر حتى حينما تنسب اليهم مخالفات أشد كثيرا برغم طلب النيابة العامة توقيفهم حتى نهاية الاجراءات. فعلى سبيل المثال أمرت المحكمة العليا أمس باطلاق سراح اربعة متهمين قاصرين يهود من سكان المناطق تم اتهامهم باحراق مقهى في قرية دورا، كان جزءا من عمليات «شارة الثمن» ليحتجزوا في بيوتهم. وفي حادثة اخرى أفرجت المحكمة اللوائية عن 11 متهما من 12 متهما يهوديا بقضية عملية التنكيل في نفيه يعقوب حيث جرح شابان فلسطينيان أحدهما جراحه بليغة الى أن تنتهي الاجراءات القضائية. وفي هذه الحال أكثر المتهمين بالغون متهمون بمخالفات شديدة ولواحد منهم على الاقل ماض جنائي بمخالفة مشابهة.

سيكون لقرار التوقيف تأثير شديد في متابعة القضية وفي احتمالات الادانة واحتمالات اعادة تأهيل الفتى. ويتحدث المحامي محمود عن أنه يوجه موكليه احيانا الى الاعتراف بالمخالفات لتقصير مدة توقيفهم. «إنها مخالفات العقوبة عليها ثلاثة اشهر وهم احيانا يقضون ثلاثة اشهر واذا لم يعترفوا يحدد موعد مداولة بعد شهر ولهذا يتطوعون بالاعتراف»، يقول محمود.

«في الوقت الذي يطلق فيه سراح القاصر لاحتجاز منزلي يصبح المسار كله آنذاك مسارا مختلفا أقل تأهيلا»، تقول عناف شوهم، مديرة قسم الاحداث المحامية العامة في القدس. «بعد الاحتجاز في المنزل يعيدونه على نحو عام الى الدراسة ويشارك في ورشات تأهيل ويأتي الى المحكمة في ذروة مسار اعادة التأهيل. واحتمال أن تعيده المحكمة الى السجن بعد ذلك ضعيف. واذا كان القاصر موقوفا فان الايدي تكون مكبلة. لا أعرف يهودا كثيرين يوقفون حتى انتهاء الاجراءات بل يطلق سراحهم في مرحلة ما ويغير ذلك الصورة كلها».

وجاء عن النيابة العامة في منطقة القدس ردا على ذلك أن: «قرار النيابة العامة في الآونة الاخيرة على طلب توقيف قاصرين تم اتهامهم بمخالفات شغب وهجوم على رجال شرطة يلائم حكم المحكمة العليا الذي يقضي بأنه ينبغي في الاوقات التي يزداد فيها التوتر الامني، أن يؤمر ايضا بتوقيف قاصرين في الظروف المناسبة. وفي الاشهر الاخيرة منذ كان خطف الفتيان اليهود الثلاثة وقتلهم وقتل الفتى أبو خضير، أفضت أحداث الشغب لاسباب قومية وعنصرية احيانا الى طلبات توقيف لمشاغبين يهود قاصرين ومشاغبين عرب قاصرين. ونُبين أنه في الحالات التي الحديث فيها عن فتيان دون سن الـ 14 لم تقدم النيابة العامة طلبات توقيف حتى نهاية الاجراءات. ويجوز أن نذكر أن النيابة العامة في منطقة القدس تعمل بتنسيق مع شرطة المنطقة مع حرص على تنفيذ تعليمات القانون ومنح القاصرين حقوقهم المحفوظة لهم بحسب قانون القاصرين».

هآرتس

حرره: 
ز.م