قيود إعمار غزة

غزة

عميرة هاس

سيضطر الفلسطينيون في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية الى أن يرتبوا امورهم هذا الاسبوع بثلث حكومة مصالحتهم لأن ثلاثة وزراء سيحجون وسافر ثلاثة آخرون الى خارج البلاد بمهام مختلفة، وسيكون اربعة آخرون من اعضاء الحكومة في نيويورك.

يفترض أن يشارك رئيس الوزراء ووزير الداخلية رامي الحمدالله، ووزير الخارجية رياض المالكي، ووزير المالية شكري بشارة ومحمد مصطفى نائب رئيس الوزراء ووزير الاقتصاد، في الجلسة التي تعقد كل سنتين للجنة ارتباط الدول المانحة للسلطة الفلسطينية. وستكون تلك في الاساس جلسة اعداد لمؤتمر الدول المانحة الكبير المتوقع عقده في القاهرة في 12 تشرين الاول (ودعت السلطة الفلسطينية اليه ممثلي 80 دولة)، وموضوعه الرئيس اعمار قطاع غزة.

أتم فريق برئاسة محمد مصطفى في الاسبوع الماضي تقدير كلفة الدمار في قطاع غزة وكلفة اعماره وتبلغ 4 مليارات دولار. وتم التقدير بتعاون مع يو.إن.دي.بي (برنامج الامم المتحدة للتطوير) وقام به فريق من 200 شخص اكثرهم من غزة انتشروا في أنحاء القطاع وفحصوا في كل حي ومنطقة. وكان في مجموعات الفحص المختلفة ممثلون من المساجد المحلية ممن يعرفون المجتمع المحلي جيدا، لكن كان بعضهم ايضا من رجال حماس أو مقربين من حماس.

أنشئت لجنة ارتباط الدول المانحة التي هي من ثمرات اتفاقات اوسلو في 1993 بصفة جهاز ينسق توزيع اموال المساعدة الدولية لتطوير المناطق الفلسطينية المحتلة لتهيئتها لتصبح دولة مستقلة الى جانب اسرائيل. واستمرت اللجنة على اللقاء الدائم حتى حينما طوي أمل الدولة والتطوير في الفترة الانتقالية. وتشتغل اللجنة بدل تحديد اهداف التطوير منذ سنين باخماد الحرائق: العجوزات المالية في الميزانية الفلسطينية ومساعدة المحتاجين للمساعدة الذين تزداد اعدادهم.

وكالعادة أرسلت اربعة تقارير رئيسة تلخص التطورات في السنة الماضية الى المشاركين قبيل الاجتماع: تقرير السلطة الفلسطينية المسمى هذا العام «بناء الأمل من جديد»، وتقرير صندوق النقد الدولي، وتقرير البنك الدولي وتقرير الامم المتحدة اليونسكو.

تجتمع هذه التقارير الاربعة الاقتصادية السياسية التي تختلف بصياغتها وتأكيداتها على أمرين متوقعين وهما أن اعمار قطاع غزة ممكن فقط بمساعدة كثيفة من منح دول العالم، ولا تستطيع تنفيذه سوى مؤسسات السلطة الفلسطينية بمشاركة منظمات دولية مختلفة وشركات خاصة مفوضة ومهنية. بل يؤكد صندوق النقد الدولي والبنك الدولي أن الدول المانحة لا يجب عليها أن تفكر فقط في تغطية نفقات اعمار غزة بل أن تستمر ايضا في دعم ميزانية السلطة الفلسطينية.

تقضي كل التقارير بأنه لا يمكن اعمار غزة دون رفع الحصار أو تسهيل التنقل على الاقل. ويقضي تقرير الامم المتحدة وتقرير السلطة الفلسطينية وتقرير البنك الدولي وإن يكن بصورة تعريضية، بأنه لا يمكن اعادة بناء الاقتصاد الفلسطيني كله دون إزالة القيود التي تفرضها اسرائيل على تطوير المنطقة ج في الضفة، وتذكر التقارير الثلاثة ايضا حكومة المصالحة واستمرارها على أداء عملها شرطا ضروريا للاعمار.

إن ذكر المنطقة ج وحكومة المصالحة في سياق اعمار غزة واعادة بناء الاقتصاد يحول التقارير من تلخيصات اقتصادية سياسية الى علم خيالي. فقد بينت اسرائيل في أحد الميادين أن طلبات الاتحاد الاوروبي والبنك الدولي في شأن المنطقة ج لن تجعلها تغير سياستها الاساسية فيها. وفي الميدان الثاني لا تقوم حكومة المصالحة الآن إلا على الورق فقط.

سيلتقي هذا الاسبوع في القاهرة وفد من كبار قادة فتح مع كبار قادة حماس للتباحث في علاقاتهم التي ساءت مرة اخرى منذ كانت الهدنة في القطاع، ويتوقع أن يتناولوا موضوع رواتب العاملين في القطاع العام المدني في القطاع، وهم نحو من 27 ألف شخص عُينوا في مدة ولاية حماس. وقد أقر اتفاق القاهرة في نيسان 2011 الذي تقوم حكومة الوحدة عليه خطة وجدولا زمنيا لحل مشكلة الرواتب. ولم تُتح حماس لحكومة المصالحة وقتا للعمل بحسب تلك الخطة واتهمتها بأنها تتخلى عن العاملين.

يقول شخص رفيع المستوى في السلطة الفلسطينية إنهم في حماس جعلوا موضوع الرواتب ازمة على عمد. وقال لصحيفة «هآرتس» إن الاتجاه الى وجود طريقة لدمج هؤلاء العاملين ودفع رواتبهم اليهم، ومع ذلك يعارض صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بشدة زيادة عدد عاملي السلطة، وهذا تناقض لم يتضح بعد كيف يُحل.

حتى لو تجاوز الفلسطينيون عقبة الرواتب فان حكومة المصالحة لا يمكن أن تعمل من القاهرة. لأنه تبين أن الوزراء القادرين على السفر الى نيويورك ومكة وبروكسل لا يستطيعون أن يقطعوا السبعين كيلومترا بين رام الله وغزة لأن اسرائيل تمنعهم من ذلك.

ألغت اسرائيل عند انشاء حكومة المصالحة في حزيران مكانة الشخصيات المهمة للوزراء تعبيرا عن معارضتها لتلك الحكومة، ولا يؤثر ذلك في حرية انتقال الوزراء الذين يخرجون من الضفة عن طريق جسر اللنبي الى الخارج، لكن الغاء مكانة الشخصيات المهمة يعني منع دخولهم الى القطاع وخروجهم منه عن طريق حاجز إيرز.

لم توافق اسرائيل في الاسبوع الماضي مثلا لوزيرة التربية الفلسطينية، خولة شخشير، على أن تسافر الى القطاع لتشارك في أحداث افتتاح السنة الدراسية فيه. ولم يجب متحدث منسق عمليات الحكومة في المناطق عن سؤال صحيفة «هآرتس» المتعلق بالمنع. وكان لاسرائيل حليف فيما يتعلق بسفر الوزيرة باعتباره عملا غير مرغوب فيه، وهو زياد ثابت نائب الوزيرة الذي عُين في فترة حماس وقال إنها لم تنسق زيارتها معه. وتم فهم ذلك الامر حتى دون تفصيل أنه تهديد فحواه أنه لن يُمكنها هو وقوات حماس التي ما زالت تحكم القطاع بالفعل من الدخول والتجول في المدارس.

إن مسألة التنسيق بين الوزراء في رام الله ونوابهم وأمناء سر المكاتب الحكومية في القطاع مقدمة صغيرة: ففي رام الله يقولون إنهم يريدون التنسيق لكن موظفية حماس العليا لا تُشركهم في المعلومات ولا تبلغهم عن أمر الاعمال التي تتخذها، وفي غزة يقول موظفون كبار من فترة حماس إن الوزراء يتجاهلونهم وينسقون أنشطتهم مع كل أحد سواهم. والوجود المادي للوزراء في القطاع لو كان موجودا لسهل حل هذه الازمة الصغيرة. قيدت مصر الى الآن دخولهم الى غزة عن طريق رفح لكن حتى لو أمكن ذلك فسيكون سفرا غير منظَّم وغير منظِّم.

وافقت اسرائيل في الاسبوع الماضي لـ 35 من رجال الاعمال على الخروج من القطاع ليلاقوا في رام الله الرئيس الفلسطيني محمود عباس. وينبغي أن نخمن أنهم ليسوا من مؤيدي حماس وإلا ما كانوا حصلوا على تصاريح خروج ومرور. لكنهم خرجوا خائبي الآمال من اللقاء ومتشككين في احتمالات الاعمار. وانطبع في نفوسهم أن عباس غير متمسك بحكومة المصالحة مع حماس.

وقال شخص في الحكومة في رام الله إن العكس هو الصحيح فحماس معنية بالاستمرار على حكم قطاع غزة وحدها وأنها تريد أن تستعمل حكومة المصالحة غطاءً فقط للانفاق على الاعمار. وقد بدأت تدفع رواتب «موظفيها» وتوزع الاموال ايضا على من تم تدمير بيوتهم – هذا مع اموال المساعدة التي تحولها السلطة الفلسطينية، ويُقدر رجال أمن في السلطة الفلسطينية أن حماس نجحت منذ انتهت الحرب في أن تُدخل الى القطاع بضع مئات ملايين الدولارات للانفاق على اعمالها.

وهكذا يعمل في القطاع جهازان الاول لادارة حماس القديمة والثاني لحكومة المصالحة. وقد كتب البنك الدولي عن ذلك في تقريره أن «وضع الازدواج الحالي للادارة (في قطاع غزة) الذي ينشيء ترتيبات معقدة لتقديم الخدمة للجمهور لا يمكن بقاؤه».

وذكر صندوق النقد الدولي في تقريره أن الدول المانحة لم تفِ بالتزاماتها لاعمار القطاع بعد الرصاص المصبوب بسبب القيود التي فرضتها اسرائيل في الاساس، ويتحدثون في الامم المتحدة عن ترتيبات جديدة افضل وافقت اسرائيل عليها لادخال المواد الخام ومواد البناء. لكن يصعب أن نرى حكومة المصالحة تتغلب على الشكوك بين جزئيها دون أن نطلب الانتقال الحر للوزراء والموظفين بأقصر الطرق وأكثرها منطقا.

هآرتس