«داعش» يعيد ترسيم خريطة الشرق الأوسط

«داعش»

تسفي برئيل

استقبال صاخب كان أنتظار وزير الخارجية جون كيري عندما هبط يوم الاربعاء في بغداد. فقد انفجرت سيارتان مفخختان في قلب العاصمة العراقية فخلفتا ما لا يقل عن 11 قتيلا. فالسيارات المفخخة والعبوات الجانبية هي اخبار عادية في العراق. كما أن اختطاف سيدة اعمال كردية لدى خروجها من البنك في وسط البصرة على ايدي ملثمين لا يثير انفعالا كبيرا. اكثر اثارة للاهتمام منه هو قرار مجلس محافظة البصرة منح عائلات الشهداء المدنيين المتطوعين الذين قتلوا في اثناء قتالهم ضد الدولة الاسلامية داعش قطعا من الاراضي لبناء بيت عليها ومنحة بنحو 21 الف دولار.

لقد اصبح المتطوعون المدنيون جزءا لا يتجزأ من قوات الدفاع العراقية التي تعمل ليس فقط في الجبهات الساخنة التي يعمل فيها داعش بل وايضا في المدن كحراس مسلحين. والى جانب الجيش والشرطة والمتطوعين، يوجد لكل حركة سياسية ميليشيا مسلحة خاصة مهمتها في الايام العادية حماية زعماء الحركة ومنع مقاتلي الميليشيات الاخرى من السيطرة على مراكز القوة. وتتمتع هذه القوات المستقلة بتمويل مباشر يأتي من ميزانيات الوزارات الحكومة التي يترأسها وزراء من الحركات السياسية التي «في حوزتها» توجد ايضا ميليشيات. ومن هنا تنبع ضمن امور اخرى الخلافات السياسية على توزيع الحقائب كثيرة الميزانيات، الخلافات التي من شأنها أن تمس بتشكيلة الحكومة الجديدة بل وتؤدي الى حلها اذا لم يتوفر حل سريع لمطالب الحركات والطوائف في العراق.

وهكذا مثلا هدد حسين الشهرستاني بعدم المشاركة في الحكومة الجديدة التي حظيت هذا الاسبوع بعد جهد سياسي هائل على مصادقة البرلمان، اذا لم يتسلم حقيبة ذات مغزى، كحقيبة النفط الهامة التي تسيطر على معظم مداخيل الدولة. الشهرستاني، خبير النووي الذي تعلم في جامعات الغرب، كان وزير النفط حتى 2010 ومؤخرا قام باعمال وزير الخارجية زيباري الكردي، تلقى حقيبة التعليم العالي والبحث العلمي ذات الميزانية الهزيلة. مع مثل هذه الحقيبة لا يمكن بناء مخزون مؤيدين أو تمويل قوات حراسة خاصة.

الاكراد، الذين لم يشارك ممثلوهم في التصويت في البرلمان على اقرار الحكومة، وافقوا على تأييدها شريطة أن في غضون ثلاثة اشهر يجري رئيس الوزراء مفاوضات جدية على مطالبهم. اساسها، اعادة الدين الذي على الحكومة للاكراد الذين يزعمون أنه يصل الى 8 مليار دولار، وكذا الموافقة على أن يكون بوسع الاكراد تصدير النفط الذي يوجد في اراضيهم دون قيد. ولا يخفى تهديدهم بالانسحاب. فمثلما قاطعوا حكومة نوري المالكي يمكنهم أيضا أن ينسحبوا من الحكومة الجديدة. ليس للاكراد مشكلة مبدئية مع الحقائب التي تلقوها. فرئيس الدولة، فؤاد معصوم، كردي، وزير الخارجية السابق زيباري عين في منصب نائب رئيس الوزراء، والمال يوجد للاكراد ايضا بشكل مستقل.

ولكن بؤرة الصراع السياسي الان هي حول تعيين وزير الدفاع ووزير الداخلية. من يعين في هذين المنصبين سيقف على رأس القوة العراقية التي ستنضم الى الائتلاف الدولي الذي ينظمه الرئيس اوباما قبيل الهجوم على داعش. وتبين هذا الاسبوع أن رئيس الوزراء العراقي ليس مستقلا تماما في اختيار الوزراء المرشحين لهذين المنصبين.

وهكذا مثلا سعى الى أن يعين هادي العامري في منصب وزير الداخلية. ولكنه اصطدم بفيتو امريكي على اعتبار ان العامري ترأس منظمة «بدر» التي تعتبر الذراع العسكري لحزب المجلس الاسلامي الاعلى الشيعي، وتعيينه قد يعرقل التعاون من جانب السنة. ولكن فضلا عن هذا التفسير الرسمي، فان العامري يعتبر مقربا جدا من الحرس الثوري الايراني، صديقه الطيب هو قاسم سليماني، قائد كتائب القدس، والعامري مشبوه في نظر الامريكيين في أنه ساعد في نقل السلاح والذخيرة من ايران الى نظام الاسد. وهكذا شطب اسمه عن جدول الاعمال. ويواجه التدخل الامريكي ولا سيما السفير الامريكي في العراق، سيتوارت جونز، في عملية التعيينات، انتقادات لاذعة يوصف فيها السفير أنه «المندوب السامي». ولكن لا يبدو ان واشنطن تتأثر بهذا الانتقاد عندما تكون ايران ايضا متعمقة في السياسة العراقية، ومع أن الولايات المتحدة وايران تنفيان وجود تعاون بينهما، الا انه ليس صدفة أن كلتيهما تؤيدان التعيينات التي اجراها العبادي.

ومع أن الحكومة العراقية اقرت في البرلمان، الا ان الترقب المتحفز لان تعمل على دمج السنة في الهامش السياسي وبالتالي تجندهم في الصراع ضد داعش، لم يتحقق بعد. ومع ان قادة القبائل السنية يبلغون عن تشكيل ميليشيات مسلحة في محافظة الانبار حيث تسيطر قوات داعش بل وعن مواجهات مسلحة مع القوات الاسلامية، الا انه على حد قول قائد محافظة الانبار، ليس لدى هؤلاء المتطوعين سلاح مناسب لمواجهة الغزاة.

توريد السلاح هو مشكلة صغير، الاخطر والاهم منها هي مسألة الثقة التي ينبغي للقبائل السنية ان يعطوها للحكومة الجديدة. فالسنة، الذين اختبروا من قبل خيانة حكومتهم لهم، يطالبون الان بضمانات دولية الا يتعرضوا للظلم. والمفارقة هي ان هذه القبائل السنية نفسها والتي يعول عليها العراق ودول الائتلاف أساسا في المعركة البرية ضد داعش، هي ذات القبائل التي قاتلت ضد الامريكيين في بداية سنوات الاحتلال. كما أن بعضا من الميليشيات الشيعية المطلوب تجندها هي ذات الميليشيات التي قاتلها الجيش العراقي في العام 2008، والدم السيء بينها وبين الحكومة لم يطهر بعد.

في ضوء جملة الخصومات والمواجهات السياسية الداخلية، يبدو أنه سيكون من الاسهل تجنيد تأييد دول المنطقة، بما فيها ايران، من تجنيد القوات العراقية التي تناثرت الى كل صوب مع سيطرة داعش في شهر حزيران. غير أن بناء الائتلاف العربي هو الاخر والذي اجتمع قادته في السعودية امس، يشبه ربط المقطورات بقطار يقوده رأسان مختلفان.

هكذا مثلا امتنعت السعودية عن دعوة ايران الى الاجتماع لان ايران طلبت ان يدعى الرئيس بشار الاسد هو الاخر بصفته القوة الاهم في سوريا والتي يمكنها أن تقاتل داعش. وتعارض الولايات المتحدة ذلك لانها لا تزال تتمسك بسياسة اسقاط الاسد. كما أن للسعودية تخوف شديد من أن يؤدي اشراك ايران الى افلات قيادة الخطوة ضد داعش من يدها، ومنح ايران بطاقة دخول شرف الى الشرق الاوسط العربي. ويثقل الموقف السعودي على الولايات المتحدة التي ترى في ايران ليس فقط قوة حيوية في الحرب، بل وايضا دولة ترى الحاجة الى اقامة حكومة عراقية تهديء من شكاوى السنة.

ان هذا الاقتراب بين ايران والولايات المتحدة يزعج السعودية. فهي تقدر أن هذا هو تغيير استراتيجي قد يهددها اكثر مما يهدد داعش. والمقالات التي تنشر في الايام الاخيرة في وسائل الاعلام الامريكية والتي يتعاظم فيها النداء الى اشراك ايران في الحرب ضد داعش بل والارتباط مجددا بالاسد تقرأ بعناية في السعودية ايضا. وهذا الاسبوع ظهر نبأ في احدى صحف الخليج يقول ان السعودية تفكر باستئناف العلاقات الدبلوماسية مع سوريا. وقد نفي النبأ نفيا باتا، ولكن ليس غنيا عن الذكر ان الملك عبدالله في خطوة مفاجئة، استأنف في العام 2010 علاقاته مع الاسد بعد فترة طويلة من القطيعة بينهما.

ان ميليشيات الثوار التي تؤيدها السعودية لا تنجح في تحقيق انجازات حقيقية على الارض وهذا الاسبوع تلقت احدى هذه الميليشيات «احرار الشام» ضربة شديدة حين قتل كل قادتها في انفجار كبير في محافظة ادلب. كل هذا من شأنه أن يدفع السعودية الى اعادة التفكير بمواقفها تجاه الاسد. والنتيجة هي أن داعش بالذات الذي يتطلع الى شطب خطوط الخريطة السياسية التي خلقتها حدود الدول القومية في الشرق الاوسط، من شأنه أن يحدث الان خريطة سياسية جديدة قد تكون أهميتها تفوق حتى مجرد الصراع ضد التنظيم.

 

هآرتس