مأساة المنتصرين

مأساة المنتصرين

يوم الاربعاء هبط رئيس الوزراء وحاشيته في الجناح 4 – أي قاعدة سلاح الجو حتسور. وكانت تلك واحدة من المحطات في حملة طويلة، حملة كانت لها صلة ضعيفة بما حدث خلال القتال، لكن لها صلة قوية جدا بما سيحدث لرئيس الوزراء قريبا في الجهاز السياسي واستطلاعات الرأي العام. ولم تكن حملة انتصار بل حملة تسويق. كان نتنياهو في سنيه الاولى في السياسة يعرف كيف ينظر الى نفسه من الخارج نظرة سخرية واعية، وكان قادرا في تلك السنوات على أن يدرك مبلغ شبه احتفال رئيس وزراء اسرائيل بالنصر باحتفال اسماعيل هنية رئيس حكومة حماس في غزة، بالنصر. فما فعلته أيديهما يغرق في البحر وهما ينشدان الاناشيد.

ويصاحب رئيس الاركان بني غانتس نتنياهو ويعلون في حملة تسويقهما. واذا كان عنده انتقاد للمسؤولين عنه فانه يحذر أن يعبر عنه. كان هنا من وجهة نظره نجاح كبير حتى فيما فعله الجيش الاسرائيلي في غزة، وربما وفي الأساس فيما لم يُدع الى فعله. وبعد انتهاء نتنياهو من برنامجه ذاك قفز لزيارة وحدة الطيران 105، وهي من الوحدات التي أكثرت القصف في غزة. ورمزها عقرب – عقرب سوداء في وسط أحمر. والطائرات هي إف 16 دي، وهي طائرات حربية ذات مقعدين. ولقيني في ذروة لقاء مع ج. قائد الوحدة. وقال رئيس هيئة الاركان: «أنت تلقى هنا تفوق دولة اسرائيل النسبي».

لا يحتاج الى رفع صوته لاظهار حضوره مثل كثير من الرجال الضخام. وهو يكتفي بجمل قصيرة تُقال بأدنى نغمة. وحينما تطول الجمل يميل الى التلفظ بها سريعا وكأنما يريد أن يتحرر من ثقل زائد. وعيناه الزرقاوان ذكيتان وماكرتان، وحينما يضحك تضحكان معه، وهو يُذكرني بموشيه ليفي الراحل، رئيس الاركان الثاني عشر للجيش الاسرائيلي الذي كان مثله رجلا ضخما وجاء مثله من مستوطنة ومن الارض، وكان فيه مثله خمسون لونا مختلفا من اللون الرمادي.

«أعتقد أن انجازات هذه المعركة ضخمة»، قال لمجموعة الضباط التي اجتمعت في غرفة قائد وحدة الطيران. «لم يحدث شيئان هنا الاول أننا لم نتخل عن أي كنز استراتيجي حددناه لأنفسنا؛ والثاني أننا لم نتجاوز غلاف مصالحنا. لنفرض أنني كنت أقف الآن في وسط غزة. لو كان الحديث عن لبنان لكانت هناك مشكلة فلبنان ليست لي، وقد احتللتها وسأخرج منها لكن ماذا أفعل في غزة.

«كنا نستطيع أن ندخل دخولا أعمق في نطاق عمل بري أوسع. وكان ذلك لو حدث لأفضى الى اتفاق وقف اطلاق نار وكنا سندفع ثمنا باهظا ونحصل على الشيء نفسه».

وهو يشعر بكآبة الجمهور لكنه لا يقبلها. ويقول: «للناس أحلام لا صلة لها بالواقع».

«حسنا فعل المستوى السياسي الذي قبل توصياتنا ولم يأمر بعملية اخرى»، قال، «فليست الحرب سياسة، نحن لا نساير حماقة عملياتية من اجل شيء سخيف».

وهو يعلم أن العملية انتهت الى ازمة كبيرة في الساحة الدولية، واسرائيل توصف بأنها قاتلة مدنيين ومشتهية للدمار. وليس لها نفس التأييد ونفس الدعم اللذين كانا لها في عمليات سابقة، ولا يدهشه ذلك.

«إن ما أصابنا 10 بالمئة فقط مما كان يمكن أن يصيبنا لو اتجهنا الى عملية اخرى»، يقول: «وسيعلم العالم أن اسرائيل فعلت ذلك بأقل الصور فظاعة. وأنا أصر على ذلك من جهة اختصاصية، وأنا سأُبين للعالم كيف يعمل الآخرون وكيف عملنا نحن.

«كان هنا عدم تناسب في كل مقياس في طريقة تفكير المستوى السياسي؛ وسلوك وسائل الاعلام؛ وسلوك المجتمع المدني. وقد قُتل منا 5 مدنيين و65 جنديا، وقُتل منهم أكثر من 2100 ولا يحتج أحد في غزة».

زار كيبوتس ناحل عوز في الصباح الذي قتل فيه دانييل تريغرمان إبن الـ 4 سنوات بقذيفة هاون. وترك في غرفة الطعام قصاصة بخط يده: «أُجلّكم على اختلاف طريقكم». وشمل ذلك ويشمل استقرار رأي العائلات على المغادرة الى الشمال ويشمل الانتقاد القاسي الذي قذف به الرفاق الحكومة والجيش الاسرائيلي. ويقول: «إنهم اشخاص رائعون وأنا لا أجادل انتقادهم».

لم تكن بلدات غلاف غزة محمية بقدر كاف، كما يعترف. وسيزيدها الجيش الاسرائيلي الآن عناصر أمن.

وهو يثني على الطيارين لقدرتهم على التكيف مع واقع متغير. ويقول: «عندك حرب وهذا ما أعددته وهذا ما استعملته، ثم تلقى الواقع». والواقع في غزة يعني قصف مناطق مكتظة بالمدنيين. وقد جئت لأحدث الطيارين في ذلك.

 

اذا كان الهدف قذراً

 

«دمار وقتل»، قال أحد كبار الضباط في «أمان». «هكذا تنتهي الحروب». وأوجز بهذه الجملة الواحدة المعضلة التي صاحبت العملية العسكرية من بدايتها. كيف نقتل وندمر بقدر يضطر حماس الى أن تكف، لكن لا بقدر يثير العالم على اسرائيل. ويكثر الساسة أن يستعملوا كلمة الاخلاق في هذا السياق، فالجيش الاسرائيلي هو الجيش الاكثر اخلاقا في العالم، كما يكرر يئير لبيد القول وكما يقول آخرون. وحينما يدخل الجيش الاسرائيلي معركة متمتعا بمعلومات استخبارية دقيقة وبحرية عمل في الجو والبحر وبقوة نيران ضخمة وبحماية من اصابة الصواريخ وبسلاح مُحكم وتواجهه منظمة ارهاب معزولة محاصرة – يمكن الاكتفاء بذلك. فحينما يكون الفرق في القوة العسكرية كبيرا جدا وحينما يكون مجال المداورة غير محدود، لا يجب علينا أن ننسب الى أنفسنا ايضا تاج الأخلاق.

ندعي أننا آرنولد شفارتسينغر والمهاتما غاندي ايضا، ويصعب على ناس خارج اسرائيل قبول هذه الازدواجية. ويُذكرهم ذلك بالمقولة المشهورة المنافقة بصورة عجيبة التي قالتها غولدا مئير وهي أنها لن تغفر أبدا للعرب أنهم جعلونا نقتلهم. وقد قام سلاح الجو بعمل مدهش جدا مجتهدا أن يمتنع عن قتل مدنيين. والحديث في الحقيقة عن اجراء غير عادي جراحي لا يفعله ولن يفعله اسلحة جوية اخرى – كالامريكيين مثلا. وقُتل مدنيون برغم ذلك. فعلى حسب معطيات نشرتها منظمة حقوق انسان يوجد بين الـ 2100 قتيل في قطاع غزة 518 ولدا و296 امرأة؛ وجرح أكثر من 10 آلاف، وتضرر نحو من 10 آلاف منزل، ودُمر نحو من 2800 بيت سُويت بالارض. ويُختلف في سؤال كم من الرجال الذين قُتلوا ينتمون الى حماس، وهم في «أمان» يفحصون الآن قوائم القتلى محاولين التوصل الى عدد موثوق به. ونفذ سلاح الجو الاسرائيلي 5800 هجوم في خمسين يوم قتال، وهذا كثير جدا دونما مقارنة بعمليات سابقة. وكان الخبراء بالقانون من قسم القانون الدولي موجودين في غرفة عمليات سلاح الجو لكن لم تكن حاجة اليهم في الحقيقة. «لم نبلغ أبدا الى حال اشكالية من جهة القانون الدولي»، يقول ضابط في مقر قيادة سلاح الجو. «كنا نقف دائما قبل الاستشارة القانونية».

تم كل هجوم بمصاحبة طائرة صغيرة بلا طيار صورت منطقة الهدف. وكان عمل الطائرة الصغيرة بلغة سلاح الجو «أن تنظف» الهدف. فاذا كان الهدف قذرا – هل يوجد مدنيون قربه – كانت المهمة تُلغى.

وشاهدت أفلاما صورتها الطائرات الصغيرة. نرى في واحد منها نقاطا سودا تتحرك قرب الهدف. «قد يكونون أولادا»، يقول شخص ما بجهاز الاتصال فتتابع الطائرات الى مهمة اخرى. وفي فيلم آخر صُور شمال غزة قرب الساحل نرى ميدانا فيه 11 منصة اطلاق تحت الارض. وفي طرف آخر مدرسة حل فيها مئات اللاجئين ومن الطرف الآخر عيادة. واهتم «الشباك» بابلاغ كل المنازل بالهاتف أن منطقتهم مستهدفة للقصف وتم تأجيل القصف الى الليل ونفذ فقط بعد أن تأكدوا أنه لا يوجد ناس في المنطقة.

وأنا على علم تام بحقيقة أنهم يُرونني أفلاما اختيرت بعناية وربما لا يُرونني أفلاما اخرى، فهذه قواعد اللعبة. والصور مدهشة برغم ذلك. إنها رفح في يوم الخميس الماضي في الساعة الثانية والنصف بعد منتصف الليل، والمهمة قصف البيت الذي يوجد فيه اثنان من كبار قادة حماس. وكانت طائرات إف16 تنتظر فوق البحر والقنابل الاولى التي تم اطلاقها ذكية، كل واحدة تزن طنا واحدا، فانهار المبنى بعضه على بعض واستمر القصف بين ثانيتين الى ثلاث وبقيت البيوت حوله سالمة ما عدا النوافذ.

 

اشخاص صالحون

 

عاد ج. قائد الوحدة الجوية 105 الى سلاح الجو الاسرائيلي بعد بضع سنوات في الحياة المدنية. و50 بالمئة من طياريه من رجال الخدمة الاحتياطية. ويقول ج. «يجب عليهم تقديم كشف حساب للاصدقاء والعائلات. ربما توجد اماكن في الجيش يقولون فيها لا يهم، تعالوا نتحدث عن ذلك حينما ينتهي كل شيء، لكن الامر عندنا يثور منذ أول يوم، فهذه هي قيمنا.

«قلت لهم لا أحب قولهم إننا الأكثر اخلاقا وينتهي النقاش. أريد أن تسألوا اسئلة وأن تعترضوا على كل شيء. وأخذتهم الى بئر سلاح الجو كي يروا مسار الموافقة على هدف ما.

«صحيح أن الطائرة الصغيرة بلا طيار تنظف الهدف لكن الطيار مسؤول آخر الامر. وهكذا نرى أنفسنا. ولم تقع حالة رفض واحدة».

عاد ثلاثة طيارين من طلعة تدريب فوق البحر والتقينا قرب الطائرات. ولنسميهم أ. وب. ود. فأما أ. فرجل خدمة احتياطية عاد الى وحدة الطيران بعد أن قضى سنتين خارج البلاد وهو فضي الشعر. «حينما حاربت في لبنان في 2006 كانت المعضلات مشابهة جدا»، يقول. «فحينما يوجد في سلاح الجو نظام كامل يعمل كي تكون الاهداف ذات صلة بالواقع ويكون المس بالمدنيين في أدنى حد فذلك كافٍ».

وسألته: ماذا تعتقد في مقالة مراسل صحيفة «هآرتس» جدعون ليفي في بدء العملية التي اتهم بها الطيارين بعدم الاكتراث بحياة المدنيين وكان عنوانها «السيئون الى الطيران».

قال أ: «غضب والداي وألغيا اشتراكهما. واعتقدت أن الاشخاص الذين كتب عنهم ليسوا هم الاشخاص في وحدتي، فهو لا يعلم ما الذي يتحدث عنه. وفرحت آخر الامر لأنه وضع أمامي مرآة نظرت فيها فرضيت عما رأيته».

قلت: ومع ذلك كله قُتل الكثير من الاولاد والنساء. فقال أ: «حينما نقطع الاشجار يتطاير الدُقاق». وسألته: هل تعلم من قال هذا قبلك؟

فقال: «لا». فقلت إنه «ستالين»، فارتدع وطلب قائلا: «أُمح، أُمح أنني قلت ذلك». ولم أمحُه. إن هؤلاء الطيارين اشخاص رائعون لكن يوجد حد لما استطيع فعله من اجل الصورة عنهم.

«طرت في الجو عشرات المرات»، قال ب. وهو طيار في الخدمة الدائمة. «ومن بين 20 طلعة جوية عدت في 10 منها مع الذخيرة لأن المهمة ألغيت بسبب وجود مدنيين، ورأيت كيف كانت تجري الامور في مقر القيادة. فقد كان رجل من «الشباك» يتحدث الى البيت بالهاتف وكانوا يتحققون عشر مرات من أن الهدف هو الهدف الصحيح».

وقال د. «قضيت ثلاثة ايام أنظر في فيلم فيديو لأنه كان يُرى فيه شخص يسير في طريق قرب بيت هاجمته طائرتان لنا. وكان النقاش في سؤال هل كان من الصحيح التنفيذ، أولم يكن يمكن أن يُسلك سلوك مختلف. والمضحك هو أن ذلك الشخص لم يصب في هذه الحال فقد أظهر الفيلم أنه قام وتابع السير بعد القصف».

 

انتصار المال

 

في أحد ايام العملية الاخيرة أصاب الجيش الاسرائيلي من الجو صراف اموال من حماس. وأظهرت الصور أوراقا مالية تتطاير في مكان الانفجار، واغتيل صرافان آخران بطريقة مشابهة. وتبين أن حماس نجحت خلال المعركة في أن تهرب الى داخل غزة مالا نقدا بمقادير كبيرة. ويتحدث أحد التقديرات عن عشرات ملايين الدولارات، ومن الصواب أن نفرض أن المال هُرب من سيناء من أحد الانفاق التي لم يعثر عليها الجيش المصري.

كانت الضائقة الرئيسة التي جرت حماس الى الحرب هي المال، وقد أغلقت كل القنوات التي كانت تستخدم لنقل المال من الخارج ومنها قناة الانفاق. ولم يحصل العاملون في حكومة حماس من المسلحين وغير المسلحين على رواتبهم منذ شباط. فقد نجحت اسرائيل وأبو مازن اللذان أرادا اضعاف سلطة حماس، نجحا كثيرا جدا.

وهنا في ذروة الحرب على الخصوص جاء المال، لكن لم تكن توجد الآن طريقة للدفع الى الناس ولتمكين المال من العمل والانتشار.

وهكذا كان للمال مرة اخرى دور مركزي في التحول من القتال الى الهدنة، فقد تعطلت الصرافات الآلية في غزة ولم يعد المال النقد موجودا. وحينما ضاق الامر على الناس بدأوا هنا وهناك مقايضة المنتوجات بالطعام. وزاد الضغط على قادة حماس المحليين فزادوا الضغط على خالد مشعل ليقبل شروط الهدنة. لم يكن المال وحده سببا للحرب ولم يكن المال وحده سببا لوقفها، لكن كان له دور حقيقي في مفترقات الحسم.

 

مرحلة الأبراج

 

قصف سلاح الجو الاسرائيلي في اسبوع القتال الاخير اربعة مبان متعددة الطوابق ثلاثة في غزة وواحدا في خانيونس (تحدثوا في الجيش الاسرائيلي عن خمسة لكن الخامس كان مركزا تجاريا منخفضا في رفح).

وذكّرت الصور بالقصف المراقَب لفندق ساندس في لاس فيغاس، فقد بدأ الانهيار من الطوابق العليا نازلا بالتدريج الى أسفل حتى الارض، ولم يبق سوى سحابة غبار وكومة ضخمة من مواد البناء، وأمر الجيش الاسرائيلي السكان بالجلاء، فجلوا جميعا ومعهم رجال حماس ايضا. وعلى حسب تقارير الجيش الاسرائيلي لم يُقتل ولم يُصب أحد.

لا شك في أن الكوارث التي هي من فعل يد الانسان تُحدث تأثرا. فمن المؤثر أن نرى عقارا محسوسا بهذا القدر ونفيسا بهذا القدر يصبح غبارا في غضون ثوان.

ويُخيل إلي أن في الولايات المتحدة قناة كاملة من قنوات الكوابل تقتصر على كوارث من هذا النوع. ويبدو أنهم تأثروا في غزة ايضا، فعلى حسب معلوماتنا الاستخبارية زاد قصف المباني المتعددة الطوابق عمق ادراكهم في غزة أن اسرائيل مستعدة للافراط وأنه حان الوقت للتوقف. وسمت حماس آخر اسبوع من القتال «مرحلة الأبراج».

في الجيش الاسرائيلي سموا المباني المتعددة الطوابق «أبراج ارهاب». وحينما سألت ما الذي كان في تلك المباني يسوغ هذا الاسم المؤثر، وهل أطلقت منها قذائف صاروخية، وهل سكنها قادة الذراع العسكرية، أُجبت اجوبة عامة مثل: كانت هناك غرف عمليات، أي مكاتب، وربما كانت توجد ايضا مخازن سلاح. فسألتهم: اذا كان الامر كذلك فلماذا لم نضرب الابراج في الاسبوع الاول، فأُجبت بالصمت.

اذا كان قصف الابراج قد أسهم في الدفع قدما بهدنة فليُبارك. ويُحتاج مع كل ذلك الى ملاحظتين مُشككتين تتعلق الاولى بالسكان الذين سكنوا في المباني وهم من الطبقة المثقفة المدنية في القطاع. إن انتقالهم من شقة تطل على البحر الى السكن في الشارع لم يُحبب إليهم الاسرائيليين بصورة خاصة؛ وتتعلق الثانية بموافقات المستوى السياسي. إن تفجير مبنى متعدد الطوابق فارغ ليس صورة انتصار بالضبط، لكنه صورة مع كل ذلك.

 

نهاية المجلس الوزاري المصغر

 

إنتهت عملية الجرف الصامد دون قرار من المجلس الوزاري المصغر. وقد اتخذ نتنياهو ويعلون القرار وأرسلا رئيس مجلس الامن القومي يوسي كوهين ليبلغه للوزراء، فاحتج الوزراء لأنه لماذا يوجد مجلس وزاري مصغر اذا كانوا يتجاوزونه حينما يتخذون أهم قرار في عملية عسكرية. واستل لهم كوهين رأيا استشاريا مريبا للمستشار القانوني للحكومة يهودا فينشتاين، فانتهت بذلك القضية.

والحقيقة هي أن الوزراء يجب أن يشكروا نتنياهو، فقد أتاح لهم فرصة ذهبية للحصول على نقاط من جمهورهم دون أن يدفعوا أي ثمن.

وقد أعلن اربعة منهم وهم ليبرمان وبينيت وأردان واهارونوفيتش، وهو نصف المجلس الوزاري المصغر، أعلنوا أنهم يصوتون معترضين. ولو أنهم فعلوا ذلك لتحملوا مسؤولية مباشرة عن استمرار القتال وعن كل قتيل آخر في غلاف غزة. ولا يصعب أن نتخيلهم في اثناء التصويت وكل واحد منهم ينظر بمؤخرة عينه الى رفيقه آملا أن يمتنع الآخر، وأن يُمكّنه بذلك من أن يكون بطلا دون أن يتحمل مسؤولية.

كان نتنياهو يستطيع أن يحاول اقناعهم، وكان يمكنه أن يقول: «وضعت أمامكن اقتراحا مصريا قبل بضعة اسابيع، لم يكن فيه نزع السلاح وكان فيه ذكر ميناء فرفضتموه وطلبتم تعديلات. وضوئل الاقتراح المصري بطلب منا، فلا نستطيع أن نبيح لأنفسنا أن نقول لا للمصريين».

ثم كان يتابع قوله ويقول ما البديل؟ اذا استعملنا قوة اخرى فسنحصل آخر الامر على اتفاق الهدنة نفسه.

ثم لا تستطيعون أن تعارضوا اقتراحا يقف من ورائه رئيس الوزراء ووزير الدفاع وهيئة القيادة العامة ورئيس «الشباك»، فهذا غير مقبول وغير مسؤول.

من النتائج التي صاحبت نهاية العملية الغاء المجلس الوزاري المصغر في واقع الامر؛ فنتنياهو يراه عدوا؛ ويعلون يتهم وزراءه بتسريب الأنباء (وهو يفعل ذلك، يقول أحد الوزراء، برغم أنه يعلم أن التسريب الاكبر الوحيد خرج من مكتب عضو المجلس الوزاري المصغر بنيامين نتنياهو).

ومن المؤكد أن يؤتى بهذه القضية لتناقش في لجنة فحص اذا أنشئت، وإن لم يكن ذلك ففي المحكمة العليا لأن مكانة المجلس الوزاري المصغر حددها القانون، وعلى حسب توصيات كل لجان التحقيق في الشؤون الامنية من لجنة أغرينات الى لجنة فينوغراد. وقد تحول خلال العملية الى فكاهة إذ كانوا يجمعونه كل يوم في البدء لنقاشات مشحونة بألواح العرض، لكن لا بدائل عنها. ولم يكن الوزراء يستطيعون الاستعداد ولم يكونوا يستطيعون الاستشارة ولم يُجمع اعضاؤه ألبتة في آخر اسبوع.

وكانت نقطة الانكسار في التباحث في الهدنة المؤقتة إذ سأل الوزراء اليمينيون كيف ستؤثر الهدنة في تدمير الانفاق، فكان الجواب: تأثيرا طيبا فقط. فستستمر القوات على العثور على الانفاق وتدميرها بلا عائق.

وتبين آنذاك أنه حينما توجد هدنة يعود المدنيون ويعود رجال حماس معهم، وحينما نعالج الانفاق يطلقون النار وحينما يطلقونها يجب أن يُرد عليهم بالنار. وهذه بايجاز حكاية تورط قوة جفعاتي في رفح. وشعر وزراء المجلس الوزاري المصغر بأنهم ضُللوا، فقد باعوهم هدنة لم تكن موجودة.

أضرت حرب لبنان الثانية ضررا شديدا باولمرت وحكومته، وقد استمرت على ولايتها ثلاث سنوات اخرى لكن الجمهور لم يردها. ووجد رئيس المعارضة نتنياهو ومساعده نفتالي بينيت سبلا ظاهرة وخفية لتأجيج النار. وكانت ميزة نتنياهو على اولمرت أنه لم يوجد قبالته من يكافئه، إن كثيرين في الجهاز السياسي ضاقوا به ذرعا، لكن لا يبدو أن أحدا الآن قادر على أن يحل محله.

إن المواجهات العسكرية تدفع الناخبين على نحو عام الى اليمين، ويبدو أن هذا سيحدث ايضا بعد هذه المواجهة. فقد خسر نتنياهو نقاطا من الرأي العام لكن الليكود لم يضعف.

يجب على الاسرائيليين أن يوجهوا أنظارهم الى الخارج والداخل، فاسرائيل في الحضيض من علاقاتها الخارجية، وتبدأ المشكلة من الرأي العام في الغرب وفيه الرأي العام اليهودي في الولايات المتحدة. واسرائيل تخسر الحزب الديمقراطي الذي كان دعامتها طوال سني الدولة، وهي تخسر الشباب.

بذل مارتن اينديك الذي كان مبعوث وزير الخارجية الامريكي محاولة لم تنجح للدفع بالتفاوض قدما، بذل هذا الاسبوع مقابلة صحافية قلقة جدا لمجلة «فورن بوليسي».

وصف فيها نتنياهو بأنه شخص مغرور لا يستدخل في نفسه التحولات السياسية والسكانية في الولايات المتحدة ويبحث عن حلفاء في اماكن اخرى، في روسيا والهند والصين.

وتتعمق النظرة الى الداخل بتدهور العلاقات بين اليهود والعرب في داخل اسرائيل، فقد كان هذا صيفا قاسيا من خطف الفتيان الى قتل الفتى الفلسطيني في القدس الى مظاهر العنصرية وعدم التسامح خلال القتال في غزة، وكان صيفا قاسيا على كل من ينظر الى حكومته منتظرا أن تمنحه الأمن والزعامة والرؤيا. ما زال يوجد شهر حتى رأس السنة لكن ليس من الفضول أن نقول اليوم: لتنقضِ السنة ولعناتها.

 

ناحوم برنياع

يديعوت