هل كانت هناك حرب؟

حرب على غزة

تعيش إسرائيل بين هدوء وآخر غافلة عن أسباب المواجهات العسكرية التي تنشأ بين الفينة والأخرى

بقلم: جدعون ليفي

عجّ ميناء تل ابيب بالناس مرة اخرى في نهاية الاسبوع. ووجد في سوق الفلاحين مهرجان صارخ للطعام الهندي وملأ آلاف الاسرائيليين اماكن التهام الطعام، وقاموا بحملات شراء للاشياء وتجولوا في أمن قبالة الأمواج المتحطمة. أكانت حرب؟ لا يوجد اتفاق الى الآن لكنها أصبحت قد نُسيت؛ ولم تكد تمضي خمسة ايام بعدها حتى اختفت كأنها لم توجد. إن الصحف تعتصر آخر حكايات البطولة، وبيوت الثكل يغلب عليها الحزن الى الأبد، والجرحى يُشفون، والمصدومون يُنعشون؛ وما زال الخوف موجودا في الجنوب فالصيف لم ينقض بعد لكن اسرائيل تبتهج مرة اخرى.
خرست الصافرات واختفى المحللون وعادت السخافات. وعادت اسرائيل الى فقاعتها التي تصيب بالغباء. هل تقولون «الجرف الصامد»، ماذا كانت تلك؟ أكانت قبل «عمود السحاب» أم بعد أمطار الصيف؟ وقد تلاشى ضيق لحظة وخوف صغير دفعة واحدة. وما الذي كانت تريده؟ الهدوء. وما الذي استطاعت أن تطلبه؟ سنة اخرى أو سنتان من الانكار والكتم للحقيقة والوهم والحياة الكاذبة وعدم الفعل في الأساس. وقد طلبت الجموع هذا بأكبر مظاهرة للحرب وهو الهدوء للجنوب والهدوء لاسرائيل. الهدوء؟ من ذا يؤيد الارهاب ومن ذا لا يريد الهدوء؟
قد يكون هذا طلب الاسرائيليين الأكثر نفاقا وقبحا. إنهم يريدون الهدوء وليمضِ الضجيج ولا سيما اسبابه الى الجحيم. ولتُخنق غزة ولتطأطيء الضفة رأسها، فالشيء الأساس أن يكون عندهم هدوء. ولم يُقتل القتلى عبثا بل قُتلوا لاجل الهدوء؛ ولم تتراكم الانقاض عبثا بل لاجل الهدوء. وحياة عشرات الجنود وألفي فلسطيني – كل ذلك لاجل الهدوء – اللاشيء. والعزلة الدولية والخروق في الديمقراطية والاضرار بالاقتصاد هنا؛ وآلاف المعوقين والجرحى ومئات الآلاف ممن لا يملكون بيتا والكراهية هناك – كل ذلك لخدمة الهدوء لإسرائيل.
كانت تلك حربا اختيارية، وكان يمكن أن نعلم ذلك فورا بعد حملة الصيد المتوحشة التي أعلنتها اسرائيل في مواجهة حماس في الضفة على إثر قتل الشبان الثلاثة. وكانت ايضا حرب عبث ويمكن أن نعلم هذا الآن. فهي لن تأتي اسرائيل بأي انجاز سوى تدمير الانفاق التي كُشف عنها فجأة وبالغوا في الحديث عن خطرها. لا شيء. فالقتلى قُتلوا والقاتلون قتلوا لضمان طرفة عين اخرى من الهدوء لاسرائيل. وهذا هو الثمن الذي دفعته، وقد دفعت غزة أضعافا مضاعفة لتمكين الاسرائيليين فقط من التجول في ميناء تل ابيب.
كان يجب التمكين من فتح المعابر والافراج عن السجناء قبل أول رشقة، وربما كان يمكن منعها بذلك. لكن اسرائيل التي تبرهن دائما على أنها لا تفهم سوى القوة، مستعدة لتلك التنازلات بعد أن تضع الحرب أوزارها فقط لا قبيل نشوبها أبدا. وهي مستعدة ايضا لمنح المنظمات العنيفة وحدها انجازات. فالتفاوض مع حماس أكثر جدية من كل المحادثات التي أجرتها مع السلطة، وقد حصلت حماس من اسرائيل على أكثر مما أعطته لمحمود عباس.
إن الهدوء عفن لأن اسرائيل تريده فقط لاحراز بضع سنوات اخرى من دفن رأسها في الرمل. أهدوء في اسرائيل وحصار لغزة؟ لا يوجد شيء كهذا. وفي الهدوء التالي ايضا لن تحرك ساكنا: فغزة ستُنسى والضفة ستختفي وسيُنكر الحصار والاحتلال. وبعد سنة أو سنتين حينما تسقط القذائف الصاروخية مرة اخرى ستستيقظ اسرائيل متفاجئة ومتذمرة وغاضبة تقول كيف يتجرأون؟ كيف يتجرأون على فعل ذلك بها مرة اخرى؟ وكيف يتجرأون بوقاحتهم وفي نفس الوقت بالضبط الذي نتجول فيه في الميناء – الموجود لاسرائيل وغير الموجود (ولن يوجد أبدا) لغزة. لأن هذا هو هدف اسرائيل الوحيد وهو الحفاظ على الوضع القائم وتقديس الهدوء، أما الفلسطينيون فليذهبوا الى الجحيم.
نرجو عدم المضايقة بين الساعة الثانية والرابعة ولا أبدا، فالحسناء نائمة.

هآرتس 

 

حرره: 
م.م