عائلة البيك ما بين التشرد ولحظات الرعب عقب الصاروخ "الإرشادي"

منزل مدمر في غزة

سناء كمال

(خاص) زمن برس، فلسطين: أصبح منزل عائلة أبو يوسف البيك في شارع النفق في مدينة غزة أثراً بعد عين، بعد أن قصفته طائرات حربية في نوع (F16) بعدة صواريخ فدمرته بشكل كامل لتشرد أفراد عائلته المكونة من 40 فرداً، وأصبحوا لاجئين بعد أن كانوا آمنين في منزلهم.

زمن برس زارت الأسرة "المنكوبة" في بيت الملجأ الذي يعود للعائلة حيث يسكن فيه أكثر من 85 فرداً للإطلاع على أوضاعهم الصعبة التي يعيشونها في هذه الأيام الصعبة، فحالهم لا يسر صديق.

وتروي أم يوسف (65 عاما) لزمن برس ما جرى:" في منتصف رمضان كنا نصلي صلاة التراويح في المنزل، بعد أن ذهب الرجال إلى المسجد، ولكن يومها ظل ابني وهو لأول مرة يجلس بالبيت، ونحن سجود في أواخر الصلاة سمعنا صوت انفجار كبير فوق السطح، لم نتوقع أن يكون بيتنا ظننا في البداية أنه استهداف لأحياء قريبة منا ولكن ابني راح يصرخ وينادي بيتنا بيتنا".

سباق مع الموت زاد من حالة من الهلع والخوف الذي انتاب أفراد العائلة خاصة وأنهم لا يعلمون إن كانت دقيقة أو اثنتين تفصل بينهم وبين الموت فالسباق بدأ فعليا مع سقوط الصاروخ الإرشادي، فراحوا يركضون بسرعة فائقة حفاة لم يستطيعوا أن يأخذوا شيئا معهم كل ما أرادوه أن ينجوا من الموت.

هي لحظات وربما لا تتعدى الدقائق لكنها حملت في طياتها العديد  من الأحداث التي ترويها كافة أفراد العائلة ولكل واحد منها لديه روايته إن تجمعت معا سطرت كتاباً كاملاً  عن "الإجرام الإسرائيلي". وتقول أم يوسف لزمن برس:" ما إن سمعنا صوت الانفجار الاول حتى أمسكت بي ابنتي أنسام وتشنجت بين يدي، لم تستطع الحراك لكنني صرخت أقول لها لنهرب".

وتضيف:" لحظات صعبة كان علي أن اجمع كافة أبنائي بما فيهم ابنتي المعاقة، التي رفضت أن تهرب دون أن ترتدي حذائها، ومن شدة التوتر ظننت أنها هربت معنا لكنها كانت بالبيت تبحث عن حذائها، ونحن هربنا حفاة دون أن نرتدي شيئا باقدامنا".

ركضوا بالشارع الذي يقطنون فيه الذي خلا  من المارة ومن السكان، فراحوا يطرقون أبواب الجيران، لكنهم لم يفتحوا لهم، وظلوا يركضوا لمسافة تزيد عن 500 متر لحين فتح أحد الأبواب دون استئذان دخلوا بسرعة طالبين النجدة والأمان من القصف.

ثوان معدودة على الأصابع حتى سمع صوت انفجار قوي هز أركان الحي بأكمله، وبالتزامن مع صوته صرخت الأم وبناتها صرخة قهر وألم، فأحلامهم قصفت، وأمانهم اندثر، وحياتهم دمرت، فوقعن مغشي عليهن.

وتقول أم يوسف لزمن برس:" بنيت بيتي لعشرين عاماً متواصلة، بثواني دمرت إسرائيل حياتي وشردت عائلتي وبتنا لجوءاً لدى الأقارب بعد أن كانوا يلجأون إلينا من أجل الاختباء فيه من شدة الأمان الذي يتمتع فيه بيتنا، فنحن لم نتبع لأحد من أي من الفصائل لا فتح ولا حماس ولا حتى جهاد إسلامي على الرغم من احترامنا لهم ولكن ما ذنبنا ليحدث لنا هذا" .

واضطرت العائلة إلى اللجوء إلى المنزل القديم الذي تركوه منذ 3 سنوات، بعد أن اكتمل بناء منزلهم، وكانوا قد تركوا المنزل القديم، بسبب الازدحام الشديد فيه، لكنهم اليوم عادوا إليه ليزيدوا الازدحام ازدحاماً.

أنسام (19 عاماً) كانت تحضر لحفل تخرجها من الجامعة بتخصص علوم اجتماعية والصحة النفسية، لكن شهادتها اندثرت مع منزلها كاملة، ولا تعرف أين يمكنها أن تجدها، فأحلامها أيضا اندثرت كما تقول لزمن برس.

وتقول أنسام:" هدموا أحلامنا ودمروا حياتنا، اليوم أنا لاجئة في بيت لا أعرف كيف يمكنني البقاء فيه، بعد أن كنت أتحكم ببيتي ولكن اليوم لا شيء من ذلك".

وبعد محاولات عديدة في اقناع أنسام التي لم تر منزلها بعد تدميره لأنها تخشى أن يغمى عليها وهي ترى أحلامها ميتة أمام عينيها، رافقتنا وكانت صدمتها قوية جداً، تسمرت أمام منزلها وتحجرت الدموع في عينيها وكأنها تبحث عن بقايا أحلامها تستطيع من خلالها تنميتها وبنائها من جديد.

وحاولت مع اختها الكبرى سماح التي رافقتها أن تتعدى الحجارة المتناثرة في كافة محيط منزلهما، لعلها تستطيع الوصول إلى غرفتها لكن الدرج سقط ما إن بدأت قدماها تعلوه، فحرمها من الوصول إلى الطابق العلوي.

سماح هي البنت الكبرى للعائلة لجأت إلى بيت عائلتها مع زوجها وأطفالها بعد استهداف العديد من المواقع الأمنية القريبة من منزلها لعلها تجد أمانا في ذلك المنزل.

وتقول سماح:" لم أعلم أن المكان الوحيد الذي كنا نظن أننا سنكون بأمان يشردني وأهلي بعد استهدافه وهو آمن"، وتنظر سماح إلى المنزل وهي تتحسر عليهِ كأنها تستجمع ذكرياتها فيه وتعاود القول:" شو ذنب أمي وابوي الكبار بالسن، شو ذنبهم يهدموا شقا عمرهم اللي كانوا يحرموا حالهم من الأكل مشان يأمنوا مستقبلنا لكن هيك فجأة يروح منا".

انهارت سماح بالبكاء ولم تستكمل الحديث معنا فحاول زوجها تهدئتها ولكنها راحت تقول:" لم كل هذا الدمار، ماذا يريدون منا، أين سنعيش وكيف سنربي أبنائنا، إسرائيل مجرمة لا تفرق بين عسكري ولا بين مدني، كلنا سواسية بالنسبة لهم".

ولم تتوقف معاناتهم عند هذا الحد لأنه كلما سمعوا أصوات انفجارات قريبة من منزلهم في الشمال الغربي للقطاع، يركض أفراد العائلة بسرعة إلي أسفل الدرج، ويقول محمد البيك:" نحن نخاف كثيرا على أطفالنا فلا أمان نعيشه كل غزة مستهدفة في هذا الوقت كل ما يسير على الأرض".

أما الطفل مهند فما زال يروي ما رآه في عملية القصف وببراءة الطفولة يروي لنا كيف هربوا:" كنا بالبيت وصار قصف على البيت، وشردنا كلنا وصرنا ندق على البواب لكن الجيران ما فتحوش النا، وبعدين سمعنا صوت قصف كبير لما دمروا بيت ستي".

وتقاطعه جدته لتقول:" في هذه الأثناء كانت سيارة والدته أسفل المنزل، لكن مهند راح يصرخ وهو يبكي ما بدنا السيارة بس بدي بابا يضلوا عايش بدي اياه يضلوا عايش".

ومع حلول أيام العيد تتوسط أم يوسف أفراد عائلتها الذين يحاولون مواساتها ضاغطين على جراحهم التي لم تندمل بعد، ولكنها راحت تبكي وتتذكر أيام العيد الماضي، حين كانت تقدم الضيافة للمعيدين.

حرره: 
م.م