إسرائيل لن تهدم بيوت «الحماسيين» اليهود

تشييع شهيد

بقلم: عاموس هرئيل

إن ما يبدو حلا سريعا للغز قتل الفتى محمد أبو خضير من شعفاط هو انجاز مدهش لجسمين تلقيا ضربات كثيرة من وسائل الاعلام في الاسابيع الاخيرة وهما «الشباك» والشرطة. وإن اعتقال الشباب الستة من رجال اليمين المتطرف الذين يُشتبه فيهم أنهم قتلوا يمكن أن يساعد على رد المزاعم التي تُسمع من السلطة الفلسطينية ومن عرب اسرائيل وكأن الدولة غير مبالية بقتل الفتى. وتستحق حقيقة أن الشرطة بخلاف شديد لأدائها في أحداث تشرين الأول 2000، قد نجحت الى الآن في منع خسائر من الأرواح بين المتظاهرين في شرقي القدس والجليل والمثلث، تستحق كامل التقدير ايضا. إن الوصف المزلزل لقتل الفتى يؤجج الغضب وإن مفتاح اطفاء الحريق هو في منع جنازات اخرى.

ما زال أكثر تفاصيل المشتبه فيهم بالقتل في شعفاط تحت أمر حظر النشر. وتبين المعلومات التي خرجت مع كل ذلك – ستة معتقلين منهم أحداث من القدس وبيت شيمش – أن المشتبه فيهم لم يأتوا من مجال الاهتمام الطبيعي للواء اليهودي في «الشباك» ومن شباب التلال وأشباههم في هامش معسكر المستوطنين. فالمشتبه فيهم أقرب الى هامش المجتمع الحريدي، وهم من النشطاء الذين يظهرون هنا وهناك في مظاهرات اليمين المتطرف. ويبين التحقيق أن المجموعة التي تم اعتقالها أمس حاولت أن تخطف ولدا في التاسعة من عمره في شعفاط قبل القتل بيوم في غد الكشف عن جثث الفتية الثلاثة الذين خطفوا وقتلوا من غوش عصيون. وسيضطر المحققون الى استيضاح ما الذي فعلوه في الليلة بعد ذلك قبل أن يخرجوا مرة اخرى الى شعفاط في فجر يوم الاربعاء. لن تكون مفاجأة كبيرة اذا تبين أن المشتبه فيهم كانوا منضمين في تلك الساعات الى الغوغاء الذين أجروا حملة صيد لعمال فلسطينيين في مركز القدس بغرض التنكيل بهم. وهذا هو الجمع الذي تم حثه على العمل بالاشارة والغمز دائما لا بقول صريح قد يفضي على أثره الى تجريم قانوني على أيدي تلك الجماعة من طلاب الحاخام كهانا التي تشارك في كل شيء منذ سنين كثيرة. وهي بالضبط نفس الجماعة التي ستحضر كما يبدو الى المحكمة في الايام القريبة لتأييد المعتقلين ولتشتكي من المطاردة القاسية من السلطات.
في الاسبوع الماضي في جنازة الفتية الثلاثة المخطوفين تحدث رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عن هاوية اخلاقية فاغرة فاها بيننا وبين الفلسطينيين. ويبين ما نشر الى الآن عن صورة قتل أبو خضير أن هذه الهاوية رُدمت سريعا. فمن ذا يعرف أن يحكم اخلاقيا أيهما أشد قتل برصاص لثلاثة فتيان غير مسلحين مع أناشيد الفرح بعده أم ضرب الضحية وصب البنزين عليه واحراقه بعد ذلك حيا؟ بعد قتل الفتى من شعفاط فورا نشروا في الشرطة تخمينات لا أساس لها (حظيت بالنشر على نحو ما كان ليحدث أبدا في حال لو كان الضحية يهوديا) تقول إنه قتل بسبب اللوطية. وبينوا في اليمين أن اليهود غير قادرين على افعال فظيعة كهذه وسارعوا الى نسيان قائمة غير قصيرة فيها أسماء مثل عامي بوبر، وعيدان نتان – زادة وحماسيون يهود آخرون.
وعد نتنياهو بتصريحه أمس بعد الاعتقال باستنفاد الحكم على قاتلي الفتى الفلسطيني وأرسل العزاء الى عائلة أبو خضير. لكنه عاد بعد ذلك فورا ليُفرق بين نبرة اسرائيل للارهاب الداخلي وسلوك السلطة الفلسطينية في ظروف مشابهة. صحيح أن اسرائيل لا تقترب من احتفالات الفلسطينيين لتخليد قاتلين بغيضين باعتبارهم أبطالا قوميين، لكن ذلك لا يعني أنها نفسها تعامل المخربين من الطرفين معاملة متساوية. ففي الاسبوع الماضي هدم بيت رجل حماس المشتبه فيه أنه قتل ضابط الشرطة باروخ مزراحي، ولن يهدم أحد بيوت عائلات المشتبه فيهم أنهم قتلوا أبو خضير قبل محاكمتهم أو بعدها، ولن يقترح أحد اغلاق المؤسسات الدينية التي تربوا فيها. ويمكن أن نفرض ايضا أنه لن تكتب أية صاحبة عمود صحافي بصورة شاعرية حول سؤال ما الذي خطر ببال الفتى الذي خُطف وقُتل في آخر لحظاته.
في تزامن كامل وكأن ذلك عن ارادة ضمان توازن مقدس، أطلق أمس ايضا اعلان «الشباك» عن اعتقال مشتبه فيه بقتل الشابة شيلي دادون من العفولة، وهو سائق سيارة أجرة عربي من الجليل. وينسب «الشباك» الى القتل باعثا قوميا (لم تُهاجم دادون جنسيا ولم تُسرق)، لكن جاء أن التحقيق في هذه القضية ما زال مستمرا. يبدو في الايام الاخيرة في غوش عصيون وشعفاط والجليل أنه نشبت مرة اخرى حرب واسعة بين السكان اليهود والعرب عن جانبي الخط الاخضر. ويعزز هذا الانطباع مظاهرات عنيفة لم يُر مثلها منذ سنين في قرى المثلث والجليل حيث أثار قتل أبو خضير أصداءً أقسى مما في الضفة الغربية. ويبدو في هذا الوقت أنه لا يوجد وراء المسيرة واعمال الشغب قيادة مؤسسية بل مجموعات شباب تنسق اعمالها شيئا ما بواسطة الشبكات الاجتماعية. ويمكن أن نُقدر أنه توجد هنا ايضا علامات اختلاف بين الأجيال لأن كثيرين في المجتمع العربي في اسرائيل يخشون استعادة الضرر الاقتصادي البعيد المدى الذي جاء على أثر أحداث تشرين الاول 2000.
إن الحريق عند عرب اسرائيل يعطي نتنياهو تعليلا آخر للامتناع في هذه المرحلة عن توسيع المعركة على حماس في قطاع غزة برغم استمرار اطلاق الصواريخ من القطاع على النقب. وقد أطلق أمس أكثر من عشرين قذيفة صاروخية وقذيفة راجمات صواريخ، لكنهم يميلون في اسرائيل الى الآن الى تقبل مزاعم قيادة حماس في غزة أنها تعمل في وقف اطلاق الصواريخ. وتثار مرة اخرى مصطلحات مثل «مسافة الوقوف» في وقف اطلاق النار، ويُبين رجال الاستخبارات مرة اخرى أن الهرمية في الجانب الفلسطيني أكثر تعقيدا منها في الجانب الاسرائيلي. وقد يكون تأخر وقف اطلاق النار نابعا ايضا من اختلاف في حماس بين القيادة السياسية والذراع العسكرية. والمسؤولة عن اطلاق الصواريخ في اليوم الاخير كما يبدو فصائل صغيرة عاصية في الاساس، لكن هذا ليس عزاءً لاسرائيل بالطبع.
إن ضبط النفس المستمر في غزة يمزق الائتلاف الحكومي من الداخل، وتقوى عصبية نتنياهو كما لوحظ في المواجهة السافرة بينه وبين وزير الخارجية افيغدور ليبرمان، في جلسة الحكومة. ويواجه نتنياهو كما حدث قبل عملية عمود السحاب في تشرين الثاني 2012 نقدا شديدا من وسائل الاعلام والساحة السياسية بسبب ترك سكان غلاف غزة لمصيرهم. والفرق هو أنه غير محتاج هذه المرة الى المنافسة في الانتخابات بعد شهرين. ويبدو الى الآن برغم اطلاق الصواريخ أن رئيس الوزراء متمسك بالاحتواء لأنه يخشى ايضا أن يفضي تحطيم حماس بالقطاع الى فوضى كما في الصومال أو العراق. وأن تحكمه منظمات مثل منظمة «الدولة الاسلامية» وهي من توابع القاعدة.
قُتل بالهجمات الاسرائيلية على غزة فجر هذا اليوم بصورة غير عادية تسعة فلسطينيين كلهم نشطاء في المنظمات الارهابية. وكان اثنان من القتلى عضوين في خلية اشتغلت بتجهيز الصواريخ للاطلاق، والسبعة الآخرون من رجال حماس قتلوا لانهيار نفق. وليس واضحا الى الآن أكان ذلك نتيجة مقصودة للهجوم الاسرائيلي. وقد فقدت حماس قبل اسبوعين ايضا خمسة من رجالها بعد انفجار غامض في نفق في القطاع لكنها امتنعت آنذاك عن الرد باطلاق الصواريخ. وقد يغير عدد القتلى الكبير عند الفلسطينيين هذه المرة، الصورة. وسيتبين خلال النهار أكان ذلك نقطة تحول تفضي الى زيادة اطلاق الصواريخ على النقب.
تفضل اسرائيل برغم أنها لا تقول ذلك بصوت عال أن تبقى مع حماس في غزة، حماس الضعيفة المردوعة لكن المسيطر عليها والقادرة في الاكثر عن كف المنظمات الاخرى. وما زالت تغطينا في الخلفية المسألة الذرية الايرانية. إن 20 تموز هو الأجل المسمى لانهاء فصل التفاوض بين طهران والقوى العظمى. وقد تنتهي الاتصالات الى اتفاق وقد تزاد مدتها بضعة اشهر اخرى، ويجب على نتنياهو أن يُعد نفسه لنضال سياسي في هذا الشأن، فليس عجبا أنه لا يسارع الآن الى دخول قطاع غزة وحل مشكلة القذائف الصاروخية بمرة واحدة والى الأبد كما يطلب اليه الوزيران ليبرمان وبينيت.

هآرتس 

 

حرره: 
م.م