اصابة دقيقة: لا بطائرات فقط

بقلم: اللواء احتياط اليعيزر مروم

ان النقاش الجاري حول امداد سورية بصواريخ اس 300 والصعوبة التي تسببها هذه الصواريخ لعمل الجيش الاسرائيلي وتفوقه الجوي، يوجب على اسرائيل نقاشا أوسع يتناول موقع الطائرة الحربية التي يقودها طيار في ميدان المعركة في المستقبل ووزنها النسبي، قياسا لسائر الوسائل القتالية. كان تفوق اسرائيل الجوي دائما عقبة لا تستطيع الجيوش العربية اجتيازها. وقد قوى النصر في حرب الايام الستة فرض ان ذلك التفوق هو من الركائز الاساسية في التصور الامني الاسرائيلي غير المكتوب. ان قوة الجيش الجوي الاسرائيلي الهائلة معدة لحماية سماء الدولة من طائرات معادية تأتي لتضرب الجبهة الداخلية والقوات البرية، ولتردع العدو عن القيام بعملية. فاذا فشل الردع وفرضت علينا حرب فان القوة الجوية الكبيرة والحديثة هي شرط لحسم الحرب. لكن هل ما زالت فروض العمل هذه صحيحة في ضوء تطورات ميدان القتال المستقبلي ووسائل القتال التي تمت ملاءمتها له.

ان الطائرة وهي وسيلة قتال مرنة وسريعة وناجعة لا مثيل لها، وذات قدرة مدهشة على حمل قذائف وذات قدرة على طرحها في كل ميادين القتال بمستوى دقة عالٍ وفي وقت قصير ـ هي وسيلة مهمة في المعارك القتالية لكل جيش متقدم. بيد أنه اخذ يطور لمواجهتها الصاروخ المضاد للطائرات. وقد طور الروس بمساعدة تقنية متقدمة منظومات دفاعية متقدمة مضادة للطائرات، وأفضوا الى المس بقدرة سلاح الجو الاسرائيلي على العمل في حرب الاستنزاف والى شلله تقريبا في حرب يوم الغفران. وقد عرف الجيش الاسرائيلي في الحقيقة كيف يواجهها بصورة مدهشة، لكن منظومات الدفاع الجوي أخذت على مر السنين تتطور تطورا ملحوظا، فأصبحت أنجع من جهة المدى والارتفاعات المختلفة، وتحريكها يجعل تحديد مواقعها والقضاء عليها صعبا جدا. وظهور هذه الصواريخ فوق سفن في مصر هو صعوبة اخرى احتاج سلاح الجو الاسرائيلي الى مواجهتها.

ويكمن التطور الثاني في ميدان القتال العصري في منظومات قذائف صاروخية وصواريخ متقدمة بدأت تظهر باعداد كبيرة في الميدان، فاصبحت على مر الزمن بعيدة المدى واشد دقة واكثر فتكا، وبكمية مذهلة. ان التأليف بين هاتين القدرتين، منظومة الدفاع الجوي المتقدمة في مواجهة طائرات سلاح الجو، وصواريخ متقدمة تهدد باصابة كل نقطة في اسرائيل والتشويش على الحياة في الجبهة الداخلية وعلى قدرة الجيش البري على العمل بصورة ناجعة، يوجب علينا الفحص عن الفروض الاساسية في تصور اسرائيل الامني وعن التوازنات في بناء قوة الجيش الاسرائيلي.

ان الطائرات التي فوض اليها الدفاع عن سماء الدولة لا تستطيع اصابة الصواريخ التي تطلق على اسرائيل، وهي في الجو ويصعب عليها تحديد مواقعها على الارض. ولذلك نقلت اسرائيل مهمة حماية سماء الدولة من الصواريخ والقذائف الصاروخية الى منظومة الدفاع الجوي التي تطور من اجلها منظومات حيتس والصولجان السحر والقبة الحديدية. وبقي للطائرات ان تدفع طائرات العدو التي أخذ عددها ونوعيتها ينخفضان.

ان مهمة سلاح الجو الاسرائيلي الهجومية اصبحت تتم في الجزء الاكبر منها في السنوات الاخيرة باطلاق قذائف موجهة دقيقة تكون في اكثرها مستقلة. فالطيار يطلق قذيفة مع كمية محددة من المواد المتفجرة تركب عليها نقطة توجيه (جي.بي.اس) وتنطلق وتصيب الهدف بدقة كبيرة، من دون أن يوجهها انسان. وبعد اطلاق القذيفة لا يعود للطيار او للطائرة أي عمل في توجيهها، ولهذا يمكن تنفيذ نفس العملية بصاروخ يطلق من البر او من البحر يصيب الهدف بنفس الدقة ويحدث نفس الاضرار به. ولم يتأثر مثل هذا الصاروخ بمنظومات الدفاع الجوي ولا يحتاج اطلاقه لاستعمال طائرات.

يتبين من الفور ان هذا الكلام لا يعني جعل حاجة دولة اسرائيل الى سلاح جوي قوي امرا يتخلى عنه. فقد بقيت لطائرات سلاح الجو مهمات كثيرة ومهمة، لكن هذه القضية تثير سؤالا يتعلق بحجم سلاح الجو الاسرائيلي في المستقبل واتجاهات تطويره وبناء قوته.

يحتاج الامر من قادة الجهاز الامني ومن قادة الدولة فحصا وتفكيرا مسؤولين من دون عاطفة، مع التحرر من التمسك بنظريات قائمة. فمن المناسب ان نفتح للنقاش وزن كل واحد من العناصر في معادلة الامن القومي في ضوء التغييرات الكثيرة التي حدثت حولنا. ان هذا الاجراء سيحسن قدرة الجيش الاسرائيلي على العمل بصورة ناجعة في مواجهة التهديدات الجديدة في ميدان القتال في المستقبل، وتحسين ادائه وقيادته الى النصر في يوم الحسم.

حرره: 
م.م