قراء لـ كتاب.."فلسطين – روسيا: ألف عام من العلاقات الأدبية والثقافية"

 منشورات الجامعة، ط1، 2008.

المؤلف: أ.د عمر محاميد[1]

قراءة: إبراهيم أمين نمر[2]

يكشف المؤلف النقاب عن ألف عام من العلاقات الروسية الفلسطينية ليتضمن الكتاب الذي جاء في 430 صفحة، عشرة فصول، أتبعها المؤلف بملحق وبصور ووثائق من الأرشيف الروسي، متحدثا عبر صفحات مؤَلّفه عن علاقة روسيا وفلسطين تاريخيا ودور روسيا القيصرية في إثراء الحركة الفكرية والأدبية والثقافية في فلسطين منذ أواخر القرن التاسع عشر حتى بداية القرن العشرين من خلال الجمعيات والمؤسسات والمدارس الروسية التي بنيت على الأراضي الفلسطينية بعد صدور الفرمان العثماني عام 1856، وفي ذات الوقت يتطرق إلى مآربها، حيث أصبحت فلسطين مكانا مستهدفا تحت غطاء البحث العلمي والكشف عن الكتب والآثار الكتابية، وبدأ التغلغل الغربي بأسلوب ماكر عملية استعمار فلسطين والشرق. ويرى محاميد أن اهتمام الحركة الصهيونية والأوروبية في القرن التاسع عشر تزايد بعد بدء ظهور انهيار الإمبراطورية العثمانية التي بدات تعقد الصفقات والمعاهدات والاتفاقيات مع الدول الأوروبية الاستعمارية الصاعدة على حساب الولايات العربية التابعة للخلافة العثمانية المتهاوية. كما يقدم الكاتب ويعرّف رجال (الفكر والأدب) الفلسطيني ممن تخرجوا من هذه المدارس كخليل بيدس وبندلي الجوزي وكلثوم عودة وآخرين ممن ساهموا بشكل كبير في تشكيل نواة أدبية فكرية فلسطينية أثناء تلك الحقبة الزمنية وما تركته أناملهم حتى الآن في أروقة المكتبات.  

 تناول المؤلف في الفصل الأول فكرة فلسطين في الثقافة الأوروبية ومكانتها الحضارية، ويعرج إلى زيارات ورحلات الحجيج الروسي إلى فلسطين (أرض الأحلام) - كما يقتبسها عن مارك توين في وصف فلسطين الذي طاف أرجاءها عام 1867، بقوله: "ما عادت فلسطين من هذا العالم العملي، إنها أرض مقدسة بنظر الشعر والتقاليد إنها أرض الأحلام"- منذ القرن العاشر حتى تأسيس المنظمات واللجان والجمعيات المتخصصة بالشؤون الفلسطينية - أهمها الجمعية الروسية الفلسطينية - عام 1882.

 

ويكشف المؤلف محاولات باحثين جدد في باريس ولندن ونيويورك ولجوئهم إلى تداول تعريفات جديدة لفلسطين مثل: أرض الكتاب، الأرض المقدسة، أرض الميعاد، أرض إسرائيل، رغم ورود كلمة فلسطين في المصادر الأصلية عند إعداده لرسالته. ويذكر الكاتب المرحلة التي يصل إليها الكتاب الرحل والشعراء بعد عودتهم إلى أقوامهم كـ"مقدسين" كما يبدو لهم؛ لمجرد رؤيتهم شعب هذه البقعة من الأرض وما نقلوه عنهم وعن سلوكهم في المأكل والمشرب والطقوس الربانية. فنشروا "الفكرة الفلسطينية" والرسالة الإنسانية لشعوب الشرق، لتأخذ عنهم الأسرة الدولية على مختلف لغاتهم وتقرها كدساتير وقوانين، ويورد المؤلف الكثير من الأسماء منها: أركوبولس(670)، فيليبالدوس المقدس (721-724)، أرنوئيل (1231)، ولهام فون بوندلوسا (1333)، يعقوب مويرونا (1335)، سيرجون ماندويل (1336)، لودلوف فون سوكم (1336-1341)، ليوناردو فاسكو بالدي (1348) وجون فولتير (1421-1422) وغيرهم الكثير. ليؤكدوا على الإنجاز الحضاري الذهني والفكري للقيادة السياسية والدينية لتلك البقعة من الأرض التابغة للخلافة الإسلامية، فقد أدرك عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه لن ينجح دون حل المسألة الطائفية التي واجهته والمسألة القومية لتصبح "المعاهدة العمرية" أول معاهدة في تاريخ الإنسانية لتحديد العلاقات بين القوى المتصارعة وحل المسائل الدولية بالطرق السلمية، إذ حددت هذه الاتفاقية وسمحت بوجود طوائف وأعراق أخرى غير عربية أو إسلامية تمارس طقوسها وشعائرها الدينية دون تقييدات وبحرية تامة. ومن ناحية أخرى يشير إلى مذكرات الطبيب الإنجليزي "وليم هولت ييتس" خريج جامعة كامبريج الذي رأى في اليهود عنصرا مهما لإنجلترا وضرورة استغلالهم لمصالحها بدلا من ذهاب إنجلترا بعيدا إلى أستراليا وكندا، وذلك بعد زيارته فلسطين عام 1843، أي قبل صدور وعد بلفور بعشرات السنين "نطرح عليهم شروطا مناسبة للاستيطان وممن بينهم أيضا اليهود". فقد سيطرت تلك الفكرة الغريبة على عقول الكثيرين من الأوروبيين وبرزت أيضا في كتاب الإنجليزي بريغثمان في كتابه "القيامة" الذي نادى اليهود فيه للعودة إلى "أرض الميعاد"- كما يشير الكاتب.

انتقل المؤلف إلى الفصل الثاني للحديث عن تاريخ الرحلة الدينية الروسية إلى فلسطين وبالأخص رحلة الأسقف الروسي دانييل إلى الأراضي الفلسطينية المقدسة في القرن الثاني عشر وفيها يصف حياة الفلاحين العرب من استصلاح للأراضي وشق القنوات تمهيدا لنقل المياه إلى البساتين. ولم يبخل دانييل – برأي الكاتب- على القارئ بوصف الأحوال السياسية والعسكرية في رحلته عندما يتطرق إلى المقاومة العنيفة التي أبداها العرب. ويشير المحاميد إلى أن المؤرخين العرب - الذين عاصروا الحروب الصليبية- تناولوا أدبياتهم "بحروب الافرنج"، ويشير إلى عدم  استخدام المؤلفين لمصطلحات مثل "الصليبيين" أو "الحملة الصليبية" أو "الحرب الصليبية"، وإنما عرفوا هذه الأحداث الدامية من حروب بكلمات مثل: حركة الفرنج، رغم أن الكثيرين من أولئك المؤرخين (مثل: ابن الفلانسي، وابن الأشير، ابن شلاد، الأصفهاني، المقريزي، القلقشندي، وغيرهم) كانوا يفرقون بين الألمان والإنجليز وغيرهم من شعوب أوروبا.  كما يتحدث المؤلف عن صورة روسيا في أدب الرحالة العرب وانتشار المسيحية في روسيا، حيث لم تخل المؤلفات والمصادر العربية في العصور الوسطى من الأخبار والمعلومات والنصوص التي تحكي عنها، ويشير إلى اهتمام العرب بالرحلات مستعينين بعلم الجغرافيا فطوروه وجعلوه علما قائما بذاته بعد نقله عن اليونانيين وغيرهم وزادوا عليه.

في الفصل الثالث تطرق المؤلف إلى الرحلة الأدبية الروسية في القرن التاسع عشر (1848) مستشهدا برحلة الأديب الروسي "نيقولاي فاسيليفيتش غوغول "صاحب الأعمال الأدبية الخالدة "الأرواح الميتة" و"المفتش" و"تاراس بولبا"وغيرها. لينقل المؤلف عن غوغول أربع رسائل كان قد كتبها من القدس الشريف. وتناول المؤلف رحلة الشاعر والناقد الروسي بيوتر الكساندر فيتش فيازيمكسي إلى الشرق وفلسطين بين عامي 1849-1850، ورحلة الكاتب والصحفي سوفورين في عام 1889 صاحب كتاب فلسطين، ومالك أشهر مجلة روسية آنذاك "مكتبة للمطالعة"، الذي وجد فيه المؤلف دفاعه عن الشعب الفلسطيني الذين يعانون الفقر والاضطهاد من المستعمرين. كما يتحدث عن رحلة الباحث والكاتب فاسيلي خيتروفو – أحد مؤسسي الجمعية الإمبراطورية الأرثوذكسية الفلسطينية- في عام 1880. وعن رحلة المستعرب أغناتي كراتشكوفسكي 1890. ورحلة الرحالة الروسي نيقولاي ادلبربرغ 1846. لم يقتصر المؤلف حديثه عن الرحالة وإنما خصص بابا تحدث فيه عن البعثات والوفود الدبلوماسية الروسية إلى فلسطين.

 

 في الفصل الرابع كرّس المؤلف فيه نصوصا من أدب الرحلة الروسية إلى فلسطين. أما في الفصل الخامس استعرض تأثير السياسة الشرقية الروسية وما يُعرف بالمسألة الشرقية على الحياة السياسية والدبلوماسية الروسية تجاه الأراضي المقدسة الفلسطينية في الدوائر القيصرية "ألكسندر الثاني" عام 1881، وما لعبته في اهتمام العائلة المالكة بما أسماها المؤلف "الصعود إلى فلسطين". وفي الفصل السادس تناول المنظمات الروسية المختلفة منذ تأسيس اللجنة الفلسطينية وشراء الأملاك في فلسطين، والذي سمح للدول الأجنبية بشراء وإقامة المؤسسات على الأراضي الفلسطينية، مسلطا الضوء على شخصيات روسية نشطت في هذا المجال بامتلاكهم الأرض بدعم من حكومة ووزارة الخارجية الروسية. وفي الفصل السابع أشار فيها إلى المدارس الروسية التي أقيمت في الناصرة وبيت جالا، ومدى تأثيرها على الحياتين الأدبية والثقافية الفلسطينية. وفي الفصل الثامن تحدث عن أهم نشاطات خريجي السيمنار الروسي في الأدب والشعر الفلسطيني، منهم خليل بيدس صاحب كتاب "النفائس العصرية" وكلثوم عودة فاسليفيا " أول امرأة عربية من الناصرة تحظى بأوسمة الصداقة وأرفع لقب علمي من جامعة روسية لقب بروفيسور وغيرهما ممن كان لهم دور في تأسيس وتشكيل نواة القصة والرواية والشعر الفلسطيني. وفي الفصل التاسع تحدث عن تأثير أولئك على الأدب العربي الحديث، وظهور مصطلح أدب المقاوم للاستبداد والطبقات الوسطى.

 

 أما الفصل العاشر والأخير تناول المؤلف أثر المدارس الروسية في الحياة الأدبية الثقافية الفلسطينية في العهد العثماني الذي يخلص فيه المؤلف أن تأسيس الجمعية الروسية الفلسطينية شكلت مرحلة جديدة من تطور العلاقات بين روسيا وبلدان الشرق الأوسط، وعكست تناقضات السياسة الخارجية لروسيا القيصرية، بعد أن انحرفت عن مسارها بدفاعها عن المصالح الاستعمارية للإمبراطورية الروسية التي ظهرت بعد الحرب العالمية الأولى ليحد ذلك من نشاطاتها وتوقفها عام 1948، لتكون علامة على خروج روسيا من حلبة الصراع العالمي على الشرق، فكان توقف الجمعية الروسية الفلسطينية العامل الأساسي بتوقف نشاط المدارس الروسية.

[1]  باحث، وإعلامي.

[2]  محاضر أكاديمي بجامعة النجاح الوطنية.

 

معد الدراسة: 
إبراهيم أمين نمر