نظام الاحتلال يسعى للسيطرة والقهر

بقلم: 

شاهدنا وضعاً مماثلاً لوضع الأمريكيين السود والملونين، عندما سافرنا إلى "إسرائيل" والضفة الغربية المحتلة، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، كجزء من وفد بُناة سلام ينتمون إلى أديان متعددة، ودخلنا عالماً آخر يُستخدَم فيه السجن الجماعي، نظاماً للسيطرة الاجتماعية والإخضاع .

هناك أيضاً اعتاد الجنود المدججون بالسلاح اقتحام المنازل في جوف الليل، وترويع سكانها والقيام باعتقالات وحشية . وهناك تُجرى الغارات من قبل الجنود "الإسرائيليين"، ويكون المستهدَفون بالاعتقال، أطفالاً فلسطينيين على الأغلب، لا تزيد أعمار بعضهم على 11 أو 12 عاماً .

وتذكر منظمة يونيسيف، والمنظمة الدولية للدفاع عن الأطفال، ومنظمة "أنقذوا الأطفال الدولية" وغيرها من منظمات حقوق الإنسان، والمنظمات القانونية، أن الأطفال الفلسطينيين الذين يجري القبض عليهم، من قبل الجنود "الإسرائيليين" غالباً ما تُعصب أعينهم، وتغطى رؤوسهم، وتغلّ أيديهم بشرائط من البلاستيك، ويؤخذون من منازلهم، وهم على هذه الحال .

وفي الحجز العسكري، كثيراً ما يتعرضون للضرب، ويُحجزون 14 يوماً في مرافق معزولة، وهم قيد التحقيق، من دون أن يتمكنوا من الاتصال بوالديهم، أو بمحامين عنهم . وحتى عندما يكونون في المحكمة، لا يسمح لهم بالتحدث إلى والديهم . وكثيراً ما يُرغم الأطفال على توقيع اعتراف مكتوب باللغة العبرية، التي لا يفهمونها .

وجريمتهم، أنهم متهمون برمي الحجارة - ما قد يجلب لطفل عمره 12 عاماً، ستة أشهر في السجن . وقذف الحجارة، يمكن أن يجلب لطفل عمره 15 عاماً، حكماً بالسجن المؤبد . وفي عام ،2013 كانت ثمة حالات لأولاد في الخامسة، والسادسة، والسابعة من العمر، حجزوا من قبل الجنود "الإسرائيليين"، كما ورد في حالات مفزعة، وثقتها المنظمة الدولية للدفاع عن الأطفال .

وأثناء احتلال "إسرائيل" للأراضي الفلسطينية، المستمر منذ 46 عاماً، جرى اعتقال نسبة مدهشة من الذكور الفلسطينيين، تبلغ 40%، بناءً على ما تسميه "إسرائيل"، "أسساً أمنية" . وقد احتجز كثيرون سنوات طويلة ضمن ما يُسمى "الاعتقال الإداري"- وهو سَجْن إلى أجل غير مسمى من دون تهم أو محاكمة . ويندر أن تجد عائلة في فلسطين، لا يوجد واحد- وغالباً أكثر من واحد- من أفرادها في السجن .

في اليوم الأول من زيارتنا، لمسنا بصورة واضحة، مدى أهمية قضية الأسرى والمعتقلين بالنسبة إلى الفلسطينيين . وفي المساء السابق لزيارتنا، خرج ألوف الناس لاستقبال 26 أسيراً مفرجاً عنهم حديثاً، وكان العديد منهم قد قضى أكثر من 20 عاماً في السجون "الإسرائيلية"، للقيام بأعمال مقاومة مناهضة للاحتلال . وكانوا من بين الأسرى الذين يزيد عددهم على ،100 الذين وافقت "إسرائيل" على إطلاق سراحهم كجزء من "محادثات السلام" الجارية حالياً بوساطة من وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري .

كان أحد الأسرى يُستقبل عائداً إلى مخيم عايدة للاجئين في بيت لحم، الذي كنا نزوره ذلك اليوم . وعندما بلغنا المخيم، كان بضعة أولاد يبدو من مظهرهم، أنهم في السادسة أو السابعة من العمر، يُعبرون عن مقاومتهم للاحتلال العسكري، بقذف حجارة باتجاه جنود "إسرائيليين" كانوا خارج المخيم، ربما على بعد مئة ياردة أو نحوها .

وفجأة انقضّ الجنود باتجاه الأولاد - وهم يطلقون قنابل الغاز المسيل للدموع عليهم وعلينا . تلمّسنا طريقنا، ونحن نلهث، إلى داخل أقرب مبنىً، وهو مبنى المركز الثقافي الذي كنا نزوره .

وبعد أن التقطنا أنفاسنا، ذكر رجل يُدعى محمد، أنه قضى عامين في السجن، لأنه كتب شعارات على الجدار، عندما كان في السابعة عشرة من العمر . وكان سبعة وعشرون من زملاء صفّه المدرسي، في السجن ذاته .

وقال لنا إن أحد النزلاء من مخيم عايدة، كان يخضع لاعتقال إداري من دون أن توجه إليه تهمة بارتكاب أي جريمة، منذ تسع سنوات . والفلسطيني الذي يقبَض عليه، دون هوية شخصية، عند واحدة من مئات نقاط التفتيش "الإسرائيلية" التي تمزق أوصال الضفة الغربية، معرض لقضاء عشرة أيام في السجن .

ويُستخدَم السجن في العادة للمعاقبة، والتخويف وتجنيد العملاء، إضافة إلى كسر شوكة الفلسطينيين .

على دافعي الضرائب الأمريكيين أن يُسارعوا إلى إعادة النظر في أولوياتهم . "فهل يُعقل أن يُدفع للسجون أكثر مما يُدفع للتعليم العالي في الولايات المتحدة؟ ولماذا ندفع 8 ملايين دولار يوميّاً ل"إسرائيل"، حيث تمكنها تلك الأموال من الحفاظ على احتلالها العسكري للأراضي الفلسطينية، خلافاً لقرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي؟

يجب علينا أن نبني حركة هنا في الوطن، لإنهاء "الحرب على المخدرات"، وتفكيك نظام السجن الجماعي . ويجب علينا في الوقت ذاته، أن نتمعن في الكلمات التي قالها نيلسون مانديلا يوم 4 ديسمبر/ كانون الأول ،1997 عندما كان رئيساً لجنوب إفريقيا في مرحلة ما بعد التمييز العنصري، حين قال: "إننا نعرف حق المعرفة، أن حريتنا ستبقى ناقصة إذا لم ينَلْ الفلسطينيون حريتهم" .

المصدر: 
الخليج