أنين غربة..لماذا تحولت الخيام الى بيوت؟

اتجهت الى صوت ذلك المخيم في جولة بين خيام متلاصقة ومياه جارية تنبعث في كل بقعة تحط فيها قدمي، اصوات بكاء الاطفال تنبعث في المكان من ضيق العيش وألم الحياة.. ورجل يصرخ في زوجته قائلا: "لم أكن اعلم ان هذا اليوم هو يوم توزيع المؤن من وكالة الغوث"، ورائحة طهي العدس تنبعث وتملأ الازقة.. هنالك صبية يلعبون.. ممزقة ملابسهم، وامرأة تنشر الغسيل على حبال الخيمة وكأنها تريد ان تنهي عملها لتبدأ عملا اخر...
رجال يلعبون النرد في الأزقة وآخرون يبنون الجدران الاستنادية المحيطة بخيمتهم.. نسوة يحملن الماء على رؤوسهن ويمضين في دربهن للبيوت.. شيخ مسن يجلس واضعا يده على وجهه متألما ودموعه تتسابق لتبلل ملابسه.. جمع من المواطنين يجلسون ولم استمع إلا لصوت الراديو يروي قصة انسحاب الجيوش العربية واحتلال فلسطين.
امرأة عجوز تحمل صورة اوقفتني وسألتني: هل رأيت هذا الشاب؟ ومضت في دربها باكية تبحث عنه... رجل هنالك مازال يحمل سلاحه بكل شموخ رغم الجراح يصرخ ويقول: ما الذي اتى بي الى هنا ويتجه بكل عنفوان الى حدود المخيم ليوقفه اهله بالقوة.. ما زالت هنالك رائحة الوطن تفوح هناك، ليست رائحة الارض ولكنها رائحة الامتعة التي حملت من فلسطين....
صوت بكاء وعويل لرجل يحمل بيده برتقالة ويشمها ودموعه تنهار بغزارة، يصرخ ويقول اريد ان اعود الى ارضي لأجلس في ظل بساتيني واشم رائحة بلادي عن قرب، وامرأة عجوز لازالت تتمسك بمفتاح بيتها رغم ان خيمتها بلا باب..
تركت المخيم متأثرا.. كان عندي بصيص أمل ان اعود بعد عام ولا اراه ... مر الزمان سنين عديدة وعدت.. تفاجات بما رأت عيني .. تغير المشهد وتحولت الخيام الى بيوت مبنية من الطوب ومسقوفة بالألواح الاسبست والزينكو.. فهل هذا هو المخيم الذي رأيت ؟!!
بيوت متلاصقة وشوارع ترابية.. المارة يملأون المكان.. يتابعون مصالحهم في العمل والتعليم.... اكثر من بناء رايته تعلوه راية زرقاء.. حينما سألتهم اجابوا هذا شعار وكالة غوث وتشغيل اللاجئين التي تهتم بشؤون المخيم من نواحيه الانسانية ...
يصطف الاطفال في طوابير لدخول مدرستهم.. وفي الجهة المقابلة تجمع للمواطنين عند مركز توزيع المواد الغذائية التابع للاونروا.. وآخرين تجمعوا في مبنى العيادة الصحية لتلقي العلاج... صعقت من حالنا الذي وصلنا له.. وخرجت مسرعا اردد بأعلى صوتي لا تنسوا وطنكم يا اخوتي .. فلتكن استراحة مقاتل يستجمع قواه وأمتعته ليعود فاتحا محررا.. الى بلادنا فلسطين كل فلسطين .. فلن نبقى لاجئين.

التدوينات المنشورة تعبر عن رأي كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي زمن برس.