أناقة اللقب الجامعي

لن تبدوَ أنيقاً أمام الناس حينما تصرف على تعليمك الجامعي عشرات آلاف الدولارات، فتخصصك الجامعي أو اهتماماتك البحثية والعلمية لا تعنيهم ولن تعنيهم.

ولن تعنيهم -كذلك- سنوات عمرك الطويلة وساعات ليلك ونهارك التي احترقت وأنت تلاحق الهمزة والفتحة والسكون. وأنت تترجم النصوص الجافَّة، ثم تراك تقف مستعطفاً أمام مشرفيك في الجامعة حتَّى تمرَّ من نفق المواد الجامعية وأبحاثها التي تحكمها عادةً مزاجيَّات قاتلة.

لن يُعنى الناس بتلك الليالي الطويلة الحالكة التي قضيتها في صحبة كتابٍ ثقيل الظل تعاركه وحدك لتستخرج منه اقتباساً هنا وعبارة هناك. وأنت تصارع المرض والتعب والوحده. لن تعنيهم آلامُ الفراق ووجع الغربة وحنين القلب واغتراب الروح. لن تعنيهم.

قد يعنيهم -حدَّ الحسد- رؤيتك ضيفاً أنيقاً على شاشةٍ أو خلف مايكروفون أو أمام كاميرا. وقد تعنيهم صورك في المؤتمرات التي شاركت بها في دول العالم من باب أنك "مقضيها سفر"! يعنيهم بالتأكيد أن أصبحت تحمل لقباً -دكتور، بروفسور، محلل، مراقب- فلهذه الكلمات نغمةٌ لذيذة لا تفلتها أذن العربي.

وكأن الناس في بلادنا صارت منكوسة الفكرة، تعرف للعالم قدره بالحرف الذي يُذكر قبل اسمه أو الوظيفة التي حملته بعد تخرجه أو الراتب الذي يقبضه.

ولو علم هؤلاء القوم مقدار التعب والعمر المضيَّع في تحصيل اللقب أو الشهادة، والضريبة التي يدفعها الإنسان من عمره ودمه لأشفقوا عليه.

ولو علم هؤلاء القوم مقدار الاغتراب الذي تُجبَرُ على عيشه أثناء وبعد أن تقضيَ حياتك بين الكتب والعقول الأكاديمية الحادَّة -غالباً بعيداً عن أهلك ووطنك وبيئتك- لأشفقوا عليك مرتين.

طلب العلم في زماننا وبيئتنا العربية اليوم مهلكة. تفقد فيه عمرك ومالك وصحتك ومحيطك الاجتماعي من أجل تحصيل لقبٍ يضمن لك بعض الأمن على مستقبلك، ويضمن لك مكانةً في بقعةٍ في هذا العالم تظهر فيها بلونٍ يميزك.

هل يستحق الأمر كل هذا العناء، هل يحتاج الأمر لكل هذا العمر المسكوب، وهل سنصل بعد سنوات عمرنا الطويلة التي قضيناها وربما -ضيّعناها- لنكتشف لاحقاً أن كل ما فعلناه كان خوفاً من مستقبلٍ مجهول، وإرضاء لذواتنا التي نشأت في بيئة لا تحترمك بدون حرف يوضع قبل اسمك؟ هل كان لهذا النوع من الأناقة ضرورة في حياتنا، أم كان يكفينا أن نعيش كما نريد ونحب لا كما يريد الناس.

 

المصدر: موقع هافينغتون بوست

التدوينات المنشورة تعبر عن رأي كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي زمن برس.