مهنة المصائب..

"السرج المذهّب لا يجعل الحمار حصانًا"..الإعلام الفلسطيني بين التهويل والتدمير، إذا كان الإعلام هو السلطة الرابعة وإن كانت مهنة صاحبة الجلالة هي الأقدس، إلا أنها تحولت من مهنة المتاعب إلى مهنة المصائب أمام وسائل الإعلام الفلسطينية التي لم تعد تتحرى الدقة في نقلِ الأخبار والأحداث، رغم أنه لا يمكن إنكار دورها والجهد الذي بذله ممتهنوها لتضع القارئ والمستمع والمشاهد بصورة ما يجري أولاً بأول خلال الهبة الشعبية التي تشهدها الأراضي الفلسطينية على مدار الأيام السابقة.

لكن السرعة في نقل الأحداث والبحث عن السبق الصحفي وعدم استقاء الأخبار من مصادرها سببت حالة من الإرباك والبلبلة في الشارع الفلسطيني وبين الجمهور الذي شعر تارة أن الحرب العالمة الثالثة انطلقت من فلسطين.

ورغم التجربة والخبرة الكبيرة التي يحملها الإعلامي الفلسطيني الذي يعمل في الميدان إلا أن مؤسساتنا الإعلامية أضحت تعتمد في كثير من الأحيان في استيفاء أخبارها من الإعلام الإسرائيلي الذي يقلب الحق باطلاً لتبرئة الإسرائيلي القاتل وتبرير قتل الفلسطيني وإظهار الإسرائيلي وكأنه حمامة سلام كان يدافع عن نفسه حين حاول شاب فلسطيني تنفيذ عملية طعن فيفقد الشاب حياته كما جرى مع الشهيد فادي علون الذي أظهرت تسجيلات الفيديو أنه سقط مثقلاً بدمائه وهو سائر في أمان الله.

والمعضلة تكمن في أن بعض وسائل الإعلام الفلسطينية ذهبت إلى تبرير عملية القتل أو الإعدام معتمدة على الرواية الإسرائيلية التي تظهر الفلسطيني مجرمًا في سبيل حصول بعض المؤسسات على سبق صحفي سرعان ما يتبين أن الرواية تجافي الحقيقة.

فهذه المهنة الشريفة انتهكت حرمتها بدخول المتسللين والمتسولين إلى أروقتها دون أن يدركوا حجم الخطر في تهويلهم للأحداث ونقلهم أخبارًا عارية عن الصحة دون أن يراعوا أهمية المصداقية في نقل الأحداث التي من وظيفة الصحفي أن يجبيها ويضع الزبدة بين يدي القارئ أو المستمع أو المشاهد دون تحريف أو تلاعب أو فهلوة فلا مكان للمزاح هنا.

ولعل الخطر الأكبر كان من وسائل التواصل الاجتماعي التي تحول روادها وبقدرة قادر إلى صحفيين متمرسين يلهون بعواطف المجتمع الفلسطيني بنشر الأخبار الكاذبة وأسماء الشهداء الذين لا يزالون على قيد الحياة فكم من أم بكت على ابنها الشهيد الحي لكن صحفيي "الفيسبوك" قتلوه مرة وقتلوا أمه ألف مرة.

المسؤولية الكبرى عن هذه الترهات تتحملها وزارة الإعلام ونقابة الصحفيين، وعليهما أن تعملا على وضع الأمور في نصابها الصحيح من خلال تحديد من هو الصحفي ومن خلال الإشراف على المؤسسات الإعلامية وعلى منح الرخص لها. فمؤسساتنا الإعلامية بل السواد الأعظم منها وكي لا أجمع إلا من رحم ربي باتت تدفع بعامل القهوة إلى الميدان للعمل وهو لا يدرك أساسيات وأخلاقيات العمل الصحفي والأنكى من ذلك انه لا يفرق بين الفعل والفاعل وبين الخبر والتقرير لكن الظروف شاءت أن يتحول بين ليلة وضحاها إلى صحفي وبات يحمل لقب الإعلامي لكن استشهد هنا بقول الباري عز وجل "قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون"، أجزم بأنهم لا يستوون وهنا اذكر أيضًا أن السرج المذهب لا يجعل الحمار حصانًا

ولعلي أدعو في هذه العُجالة المتواضعة إلى مراجعة أخلاقيات هذه المهنة الشريفة التي باتت تفقد شرفها ونزاهتها رويدًا رويدًا بفضل محبي اللهو واللعب وبفضل غياب امتحان مزاولة المهنة وتحديد من هو الصحفي من قبل وزارة الإعلام و نقابة الصحفيين طيب الله ثراهما.

التدوينات المنشورة تعبر عن رأي كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي زمن برس.