ما الذي يبقي حماس في الحكم؟

في غزة مثلما في الضفة تسود سياسة الإبقاء على الوضع القائم
عميرة هاس
JULY 3, 2015
بعد سنة من وعد حماس (مرة اخرى) الجمهور بأن تنتهي الحرب بالنصر وبأنه بذات الطريقة ستحرر القدس، فإن الغالبية الساحقة من سكان غزة باتت تعترف منذ الان بصوت عال بان هذه كانت هزيمة مريرة. بعد أكثر من سنة من موافقة حماس على حكومة المصالحة الوطنية على أمل أن هكذا ستنجو من الاعباء المدنية والمالية للسيطرة (ولكن ليس من السيطرة نفسها) ـ تضطر لان تفرض على الجمهور التعب والعاطل عن العمل ضرائب شراء لا توجد في الضفة الغربية كي تمول النشاط الجاري لمكاتبها وموظفيها. وهي تطالب الان ايضا من الشركات التي تدفع ضرائبها في رام الله ـ أن تدفع لها ايضا. وبعد اقل من سنة من بث مؤتمر المانحين الاكبر في القاهرة الامل في الجمهور ـ في اعمار الخرائب المادية وبالتالي انتعاش سوق العمل ايضا ـ فان الخرائب ومعوقي الحرب والجرحى الكثيرين هم مشهد عادي، معدل البطالة هو الاعلى في العالم (43 في المئة)، البطالة بين الشباب تبلغ معدل 60 في المئة ونحو نصف سكان الجيب المحاصر يقولون انهم يريدون الهجرة. اما معدل من يعانون من ما بعد الصدمة، او للدقة، الصدمة المستمرة، فيصعب احصاؤه كميا. ومع ذلك ـ تواصل حماس الحكم.
ليس فقط غياب آلية تغيير الحكم، أي الانتخابات، يسمح لهذه الحركة الإسلامية بمواصلة الامساك بالخيوط ولا حتى حقيقة انه يمكن دوما القول ان الاحتلال مسؤول عن كل شيء. ما يبقي حماس في الحكم عمليا في القطاع يشبه ما يبقي فتح في الحكم في الضفة، اكثر مما كانت الحركتان الخصمتان مستعدتين للاعتراف به ورغم الفوارق. فرغم محاولاتهما التشهير كل بصورة الاخرى في نظر الجمهور ـ فكلتاهما متجذرتان في المجتمع الفلسطيني وفي قياداته. حماس هي حزب حديث، مع استمرارية ومؤسسات تؤدي دورها حتى عندما تهاجمها إسرائيل ومع آليات معقولة من التشاور واتخاذ القرارات الداخلية بشكل مشترك. النزعة الدينية تواصل بعث الثقة الجماهيرية الاساسية فيها. فتح هي حركة مصابة بمرض وظيفي، زعامي وقيمي، تتبع حكم الفرد المطلق اكثر من أي وقت مضى، ولكن قدرتها على المرونة الفكرية وكونها «سوبرماركت» آراء وانماط حياة مناسبة للجمهور. اضافة إلى ذلك فان الناس متعلقون بوجود السلطة بصفتها رب العمل الاكبر. حركتا الحكم تحتاجان لوسائل القمع والتخويف من اجل اسكات النهوض والانتقاد ومن اجل اسكات مؤيدي الخصم: ويتم هذا احيانا باساليب اكثر رقة، واحيانا اقل رقة. والاغلاق الإسرائيلي يجعل وسائل التخويف والاسكان لدى حماس اكثر نجاعة: ليس هناك مكانا للهروب اليه.
«ان قيام السلطة الفلسطينية كان مصيبة. وحل السلطة الفلسطينية سيكون مصيبة اكبر»، قال لـ «هآرتس» رجل الجهاد الإسلامي في الخليل.
وقصد الخوف من فقدان الامن الشخصي والنزاعات العشائرية والشخصية التي من شأنها أن تتدهور إلى صدامات بين عصابات مسلحة، بغياب الشرطة الفلسطينية. واضح أن مؤيدي فتح سيقدمون تبريرا مشابها لابقاء السلطة الفلسطينية ـ التي كان يفترض أن تحل في 1999 (نهاية الاتفاق الانتقالي). بينما رجل القيادة السياسي في حماس قال لـ «هآرتس» ان في غزة «لا نترك الحكم لاننا نشعر باننا مسؤولون عن سلامة الجمهور، نحن نخاف من الفوضى التي ستنشأ في القطاع». وحكومة المصالحة التي حلت منذ وقت قصير؟ حاليا ـ ورغم عدم اشراك حماس في قرار حلها ـ لا يزالون يتحدثون عن اقامة حكومة مصالحة جديدة، أي حكومة تربط نظريا بين غزة والضفة. واذا لم تقم حتى ولو ظاهريا، فان الخيوط الرقيقة القليلة التي لا تزال تربط بين المجتمعين ستنقطع هي ايضا. وهكذا فان ثلاثة اجهزة حكم ضعيفة (السلطة الفلسطينية، حماس وحكومة المصالحة) تحت الحكم الاعلى الإسرائيلي، تخلق عمليا مبنى ثلاثي كل ضلع فيه يعزز الاخر.
نحو 40 في المئة من الميزانية الجارية للسلطة الفلسطينية في رام الله (التي تعاني ايضا من عجز عضال بمعدل 40 في المئة) تحول لدفعات مختلفة في غزة: رواتب هي بدل بطالة عمليا لعشرات الاف موظفي القطاع العام الذين بأمر من محمود عباس، لا يعملون منذ 2007؛ مجموعات الرفاه الاجتماعي المختلفة؛ الكهرباء والسولار اللذين يشتريان من إسرائيل؛ وتحويلات المرضى للعلاج في إسرائيل وفي الضفة. وحتى عندما كان حكم حماس في ذروة قوته ويتمتع بمداخيل جارية من اقتصاد الانفاق، لم توقف السلطة الفلسطينية تحويل الرواتب والمخصصات وتمويل العلاجات الطبية.
صحيح أن معظم الاموال مخصصة للموالي لها، ولكن في مجتمع ذي تقاليد التكافل العائلي وحين يكون في كل عائلة يعيش مؤيدو المنظمات المتخاصمة، فان المنفعة تتوزع. وعليه، وبشكل عبثي، فان مال السلطة يساعد في اعالة حكم حماس. اليوم، حين تنقص صناديق المنظمة بغياب المداخيل وبسبب قرارها تخصيص الاموال التي تصل اليها من الخارج للتسلح ـ تتخلد حقيقة غريبة اخرى: موظفو القطاع العام الذين يعملون وعينوا في عهد حكم حماس لا يتلقون الرواتب.
وبالمقابل، فان موظفي القطاع العام للسلطة الفلسطينية ممن لا يعملون بأمر من عباس منذ 2007 يتلقون الرواتب بالفعل. الدول المانحة للسلطة الفلسطينية غير راضية، ولكنها تواصل المنح (وان كان اقل مما تعد): هي ايضا تخاف الفوضى إذا لم تجري ادارة الازمة الانسانية العضال دوما في مستوى اعلى بقليل من خط الانفجار.
الفارق بين المنطقتين هو في شدة ودراماتيكية السير الدائم على الحبل الرقيق بين المصيبة والحياة العادية. في غزة مثلما في الضفة، ابقاء القائم، الامر الذي اختصت به حركتا الحكم الخصمتان يتراوح بين الاحساس بالمسؤولية والتظاهر الساخر بالابالية.
وللدول المانحة دور مركزي في ابقاء القائم، وهي ايضا تعمل في البندول الذي بين المسؤولية والسخرية. بدون وجود وكالة الغوث، وغيرها من مؤسسات الامم المتحدة، والصليب الاحمر في قطاع غزة ـ فان السكان المدنيين في زمن الحروب وبينها كانوا سيتركون لمصيرهم تماما ليعانون أكثر. بدون المساعدة الانسانية لتلك من تلك المؤسسات لسكان المنطقة ج في الضفة الغربية، بدون دعم التبرعات للميزانية الجارية وميزانية التنمية للسلطة الفلسطينية، فان الانهاك الاقتصادي الذي يخلقه نظام الممنوعات والقيود الإسرائيلية كان سيكون قابلا للتفجير اكثر. ولكن ابقاء القائم، والذي يعرض كعمل انساني وتعزيز لمؤسسات الدولة الفلسطينية على الطريق ـ يعفي الدول المانحة ايضا من المواجهة المباشرة مع إسرائيل ومن اتخاذ عقوبات ضدها. ابقاء القائم يناسب كقفاز السياسة الإسرائيلية.
لقد دفعت حركتا الحكم الخصمتان نحو الانخراط في الواقع الجغرافي ـ السياسي الذي تصممه إسرائيل باستمرار منذ 1991: وهذا واقع الجيوب الفلسطينية ـ الذي هو باختصار، احباط مقصود لحل الدولتين. الخلافات الفلسطينية الداخلية هي خلافات طبيعية. ولكن الانقسام السياسي وخلق حكم ذاتي معوق مزدوج هو نتيجة منطقية ولكن هدامة للقطيعة التي فرضتها إسرائيل (بخلاف وعود اتفاقات اوسلو).
المصالحة لم تنجح لان محمود عباس يواصل الامل، مثلما امل في 2007 في أن تتبدد حماس كحركة شعبية وتختفي بسبب الضغط: الإسرائيلي، العالمي، المصري. وهو لا يعترف بجذورها الاجتماعية العميقة. وتتحفظ حماس من المصالحة التي تستحق اسمها لان معناها هو ان تتقاسم مع فتح الحكم في جيب غزة على أن تسيطر في جيب الضفة الغربية فتح وحدها ـ لان إسرائيلن لن تسمح لحماس بالعمل كجسم سياسي علني والمشاركة في الحكم.
ويطور الجيبان منطقا خاصا بكل منهما، وقياداتهما وسكانهما يعتادون على وضع راهن معين تخيفهم التغييرات الدراماتيكية فيه، إذ أنه مثلما علمتهم التجربة فان هذه تغييرات سلبية فقط. وعليه فاسقاط الحكومتين الخصمتين ليس خيارا. الحكم الذاتي الذي تعززه حماس وفتح، برعاية الاحتلال والسيطرة الإسرائيليين، يتغذى بوعود التحرر والاستقلال للمدى البعيد، المرهونين في صالح المدى القصير وفي صالح المصالح الفورية لكل طبقة مسيطرة ومقربيها. الكفاح المسلح، الكفاح الشعبي، المفاوضات، الدبلوماسية، تنمية الثقافة والتعليم ككفاح وما شابه: كل حكم يتباهى بوسائل التحرير الخاصة به ـ معا او كل على حده، في الحاضر وفي الماضي ـ وفي هذه الاثناء يعزز وجوده القطري اللحظي.
هآرتس 3/7/2015
عميرة هاس