لماذا الخوف من الاعتراف بدولة فلسطينية؟

نتنياهو

مسألة الاعتراف بدولة فلسطينية عادت لتطرح على جدول الاعمال الدولي. ففي خطاب أداء اليمين القانونية للحكومة السويدية الجديدة، أعلن رئيس الوزراء ستيفان لوفبان، رجل الحزب الاشتراكي الديمقراطي بان في نية بلاده الاعتراف بدولة فلسطينية. واشار الى أن «نزاع الفلسطينيين مع اسرائيل لا يمكن أن يحل الا من خلال حل الدولتين، تؤدي اليه مفاوضات تجري وفقا للقانون الدولي. ويحتاج الامر ارادة الدولتين للتعايش بسلام الواحدة الى جانب الاخرى والاعتراف المتبادل. وبالتالي، فان السويد تختار الاعتراف بالدولة الفلسطينية. كما أقر البرلمان البريطاني مشروع قرار يعترف بالدولة الفلسطينية بأغلبية ساحقة.

لقد جرت تصريحات رئيس الوزراء السويدي، وكذا قرار البرلمان البريطاني موجة من ردود الفعل – المتوقعة كما ينبغي القول. فقد رحب الناطقون الفلسطينيون بهما فيما أن الناطقين بلسان الادارة الامريكية اشاروا الى أنهما «خطوة سابقة لاوانها»، ولكنهم لم يستبعدوها بشكل صريح. اما اسرائيل الرسمية فاعربت عن استيائها، وذلك ضمن امور اخرى من خلال استدعاء السفير السويدي في اسرائيل الى حديث توبيخ. واعرب وزير الخارجية افيغدور ليبرمان عن أسفه لمسارعة رئيس الوزراء السويدي الى الحديث في المسألة الاسرائيلية الفلسطينية حتى قبل أن يتمكن من دراسة الموضوع. وعلى حد قول ليبرمان فانه لو درس الموضوع لفهم بانه في العشرين سنة الاخيرة كان الفلسطينيون هم الذين شكلوا العائق في وجه التسوية. وقال ليبرمان انه «… لن تشكل اي خطوة من جهة خارجية بديلا عن المفاوضات المباشرة بين الطرفين، والتي ستكون جزءا من تسوية شاملة لاسرائيل مع العالم العربي…». واضاف القول المعتاد لدى القيادة السياسية في اسرائيل في هذا الزمن بانه كان من الافضل لرئيس وزراء السويد، اذا كان همه بالفعل ما يجري في الشرق الاوسط، ان يركز على المشاكل الاكثر اشتعالا في المنطقة.

عمليا، وزير الخارجية، وكذا بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء اسرائيل، يحاولان استغلال التقلبات في الشرق الاوسط، واولا وقبل كل شيء هجوم تنظيم «الدولة الاسلامية – داعش»، لتحقيق تسويات مع العالم العربي قبل تحقيق التسوية مع الفلسطينيين. وبعد أكثر من اثنتي عشر سنة رفضت فيها اسرائيل مبادرة السلام العربية، ورغم ان قبولها المبدئي للمبادرة كان بوسعه أن يشق الطريق الى السلام مع العالم العربي، لا تزال الزعامة الاسرائيلية تفترض بانه يمكن تحقيق هذا الهدف دون الاعتراف بدولة فلسطينية واتخاذ خطوات ملموسة لاقامتها. ولكن، مشكوك جدا أن يوافق المعسكر العربي السني البراغماتي «المعتدل» الدخول الى مفاوضات على تسويات مع اسرائيل دون أن تبدأ قبل ذلك مفاوضات جدية وجوهرية بين اسرائيل والفلسطينيين. وذلك، رغم الازمة التي يعيشها المعسكر العربي البراغماتي ومصلحته في التعاون (السري) مع اسرائيل في مواجهة التهديد الذي يشكله عليه الاسلام المتطرف. فقد شدد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مؤخرا على هذه الحقيقة، التي تجعل من الصعب على مصر تعميق العلاقات مع اسرائيل، رغم العلاقات الامنية الوثيقة بين الدولتين والمصالح المشتركة بينهما في مجالات عديدة.

يكفي متابعة مضمون الخطابين اللذين القاهما مؤخرا رئيس الوزراء نتنياهو ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في الجمعية العمومية للامم المتحدة كي نفهم بان احتمال استئناف الحوار بين اسرائيل والفلسطينيين متدن للغاية – في افضل الاحوال. فالقاسم المشترك بين نتنياهو وعباس هو التركيز على الجهود لضمان الهدوء في الجبهة الداخلية والجهود الموازية – في الجبهة الدولية، لالقاء الذنب في الجمود السياسي على الطرف الآخر وبالتالي التملص من القرارات السياسية الحاسمة. عباس يحاول العودة الى تركيز الاهتمام الدولي – الذي يتركز في معظمه إن لم يكن كله هذه الايام على تهديد داعش – على الموضوع الفلسطيني والقاء الذنب في المأزق السياسي على اسرائيل في ظل استخدام تعابير قاسية ولاذعة والتهديد بالتوجه الى مجلس الامن في الامم المتحدة والى هيئات دولية اخرى، لاجبارها على العودة الى طاولة المفاوضات. ومقابله، يحاول رئيس الوزراء نتنياهو خلق قاسم مشترك، بل وحتى تماثل، بين حماس، حزب الله وداعش، لدحر الموضوع الفلسطيني عن جدول الاعمال في صالح قيام حلف اقليمي، تكون اسرائيل جزءا منه، يكافح التهديد المشترك الذي يشكله الاسلام المتطرف.

وبالفعل، لا يبدي الطرفان مؤشرات مشجعة على استئناف الحوار بينهما. ولا يزال، رغم أنه من الصعب التقدير هل وكم من الدول الاخرى سيسيرون في أعقاب السويد والبرلمان البريطاني، من المتوقع ان تعترف مزيد من الدول بالدولة الفلسطينية وهكذا يشتد الضغط على اسرائيل للعودة الى المفاوضات التي جوهرها تحقيق الفكرة.

من هنا السؤال – أليس هناك مجال ايضا لتفكير متجدد في اسرائيل، بالنسبة لمسألة الاعتراف؟ ألا يوجد مجال للكف عن الجهود، العابثة على نحو ظاهر، الموجهة لمنع مزيد من الدول من الاعتراف بالدولة الفلسطينية؟ ولربما يوجد مجال للنظر ايضا في اعتراف اسرائيلي بها؟ هل، مثلما يخشى الكثيرون في اسرائيل، سيعطي الاعتراف الدولي بدولة فلسطينية الشرعية لعمل دولي ملموس لاقامتها، دون موافقة اسرائيلية وبشروط غير مريحة لاسرائيل؟

ان الاعتراف بالدولة الفلسطينية لن يؤدي بشكل تلقائي الى قيامها – وبالاساس الى ترسيم حدودها، في الوضع الذي تسيطر فيه اسرائيل في الضفة الغربية. وحتى بعد الاعلان الفلسطيني عن اقامة دولة فلسطينية في 1988، اعترفت بها العديد من الدول. في 2012 اعترفت الجمعية العمومية للامم المتحدة بدولة فلسطينية باغلبية كبيرة.

ومع ذلك، لم يطرأ تغيير على الوضع الراهن في المناطق. بالمقابل، معقول أن يخرج التغيير في الموقف الاسرائيلي الريح من اشرعة الفلسطينيين ويجسد للدول الهامة لاسرائيل وذات الصلة بالمسيرة السياسية بان اسرائيل جدية في تأييدها لحل الدولتين ومتمسكة بالموقف القائل ان هذا الحل لن يتحقق الا كنتيجة للمفاوضات بين الطرفين.

وهكذا تعفي نفسها اسرائيل من تبذير طاقتها على صراع مكاسبه الدبلوماسية غير معروفة. ويشار الى انه في العام 1999 قررت اسرائيل التعاطي بلا مبالاة مع التهديدات الفلسطينية بشأن النية للاعلان عن اقامة دولة فلسطينية مستقلة. وبالذات التصريحات الاسرائيلية عن المزايا التي تكمن في اعتراف اسرائيلي بدولة فلسطينية دفعت في حينه القيادة الفلسطينية الى التنازل عن الفكرة.

ان المصالح الامنية التي في رأس اهتمام دولة اسرائيل بالنسبة لاقامة الدولة الفلسطينية لن تتضرر كنتيجة للاعتراف بالدولة الفلسطينية. وبالمقابل، فان اتساع ميل الاعتراف الدولي باستقلال فلسطيني يخلق ضغطا لاستئناف المفاوضات بين اسرائيل والفلسطينيين. اذا كان رئيس الوزراء نتنياهو جديا في تأييده لتحقيق رؤيا الدولتين من خلال المفاوضات، فان عليه أن يستجيب للدعوات التي تنطلق في الساحة الدولية لاستئناف المحادثات. واعتراف اسرائيلي يمكنه أن يسهل العودة الى طاولة المباحثات، الا اذا كانت الاعتبارات الاساسية، التي توجه نتنياهو وشركاءه في الحكومة هي اعتبارات سياسية داخلية، وعلى رأسها التطلع للحفاظ على سلامة الائتلاف الحكومي.

وختاما، منذ المعركة التي وقعت في الصيف الاخير في ساحة غزة – «الجرف الصامد» – سمعت اقوال عن الحاجة لاستغلال نتائج الضربة التي وجهت لحماس، لتغيير الميل في الساحة الاسرائيلية – الفلسطينية ضمن امور اخرى من خلال عودة السلطة الفلسطينية الى قطاع غزة. واستئناف سيطرة السلطة في القطاع سيجد تعبيره سواء في ادارة المواضيع المدنية أم في بدء التواجد الامني المتجدد في المنطقة.

هذا، حتى لو كان واضحا بان حماس لا تعتزم التخلي عن سيطرتها الامنية في القطاع. ان احتمالات نجاح الخطوات في هذا الاتجاه غير واضحة، ولكن واضح جدا بانه لن تكون لها فرص الا اذا اعترف بالقيادة الفلسطينية، في رام الله، كشريك سياسي واستراتيجي لاسرائيل – عمليا.

ان القيادة الفلسطينية لن تكون مستعدة لان تأخذ المخاطر الكامنة في خطوة احتمالات فشلها كبيرة، اذا لم تقتنع بان الحديث يدور عن مسار ملموس واسع النطاق غايته قيام دولة فلسطينية. والاعتراف بدولة فلسطينية يمكن أن يكون خطوة اولى في هذا الاتجاه.

 

شمعون شتاين وشلومو بروم

نظرة عليا